الجمعة، 1 مارس 2013

المدرسة والأسرة ..هل من علاقة؟


المدرسة والأسرة ..هل من علاقة؟


بقلم: بشير خلف رافق ابنته البكر ذات الست سنوات التي تتلْمذ لأول مرّة في الدخول المدرسي لهذه السنة 2009..رافقها لأيام والبنت كفراشة تكاد تطير فرحا..فرحتان فرحة الدخول المدرسي لأول مرة، وفرحة الاعتزاز بالأب الذي يؤانسها للذهاب إلى هذا المجتمع الجديد..فجأة ينقطع عن الذهاب معها، ألحّت عليه أن يرافقها كما كان..ببراءة الأطفال كانت تجهل أنه تسلّم من مدير المدرسة 3000.00 د.ج التي خصّصتها لها الدولة.

سلّمت المعلمة الكتب المدرسية لكل تلاميذها وهي الكتب التي قرّرت الدولة أن تكون مجّانا لكل تلاميذ السنة الأولى الابتدائية..طلبت منهم أن يأخذوها لأسرهم كي يساعدوهم على تغليفها، وفي الغد عادوا بها مغلفة إلاّ ياسمينة التي لمّا استوضحتها المعلمة أجهشت بالبكاء، فهمت المعلمة أنْ لا أحد بالبيت اهتمّ بها ..سلمتها دعوة لوليّها كي يأتي إلى المدرسة ليس للاستيضاح وحسب ، إنما لمدّ جسور التعاون في تربية وتوجيه هذه البنيّة الصغيرة التي تدلف هذا العالم الجديد عليها لأول مرّة..
كان ردّ هذا الوليّ الذي رأى من فلذة كبده غير أنها وسيلة للحصول على 3000.00 د.ج أن قال لابنته البريئة قولي لمعلمتك:
ـ لن آتي، إنني أكرهكم وأكره " قماقيمكم " ( قماقيم بثلاث نقاط في بعض مناطق الجزائر تعني: الوجوه البشعة، الوجوه المقززة، وجوه الشر.)
المعلمة وبحكم رسالتها التي تحرص على أدائها بوعي راقٍ، وباحترافية لم تستسلم، أعادت الدعوة على أن تأتي إلى المدرسة أم التلميذة..كان ردّ الأب لم يقل هنجعية عن الرد الأول:
ـ قولي لها إن أبي يقول لكِ إن امرأتي لا تتجول في الشوارع والأزقة، ولا تقابل غير أقاربها وقريباتها.
…الطفلة البريئة يوميا في كل ذهابها وعودتها من المدرسة صباح مساء تئنّ تحت ثقل محفظة من الكتب لعلّ أهلها يشفقون عليها فيغلفونها، كي تريحها منها المعلمة فيما بعد وتضعها في خزانة القسم، وتستعمل منها إلاّ ما تدعو إليه الضرورة ..قد يقول قائل : لماذا لا تقوم المعلمة بهذا التغليف وكفى الله المؤمنين القتال..والجواب ..متى تقوم المعلمة بذاك؟ ولكم من تلاميذها؟ وكيف؟ أأوقت الدراسة أم خارجه؟ أو تأخذها إلى بيتها ؟
..هذه عيّنة من صور العلاقة بين الأسرة والمدرسة في مجتمعنا الجزائري
إذا كان الدور الاجتماعي لكل من المدرسة والأسرة يتجلى في التنشئة الاجتماعية للأفراد عن طريق التربية والتكوين والتعليم، فان علاقتهما من المفترض أن تنطلق من هذا المنظور الأساسي.وعلاقة الأسرة بالمدرسة لا يجب أن تبقى علاقة سطحية كما هو واقعنا اليوم تتجلّى فقط ..وفقط في أن الأسرة هي التي تزود المدرسة بالمادة الأولية أي التلميذ الخام؛ وبالتالي فعملية الإنتاج (أي التربية) كلها على عاتق المدرسة، بل يجب أن تكون علاقة شاملة تنبني على أنهما شريكان في عملية الإنتاج، وفي التوزيع ، وفي الرأسمال.. وبالتالي شريكان في الربح، وفي الخسارة في حالة حدوثها التي إنْ حدثت، وكثيرا ما تحدث يرجع اللوم، بل التجريم إلى المدرسة وحدها ، وكأن المدرسة، والمجتمع بكل مكوّناته بريء من المخرجات التكوينية.



و بالرغم من التغييرات التي حدثت، وتحدث في الأسرة، والمجتمعات الحديثة فالأسرة مازالت إحدى المؤسسات ذات الأثر البعيد في المجتمع .. ففي المنزل يتعلم الطفل اللغة، ويكتسب الكثير من السلوكات، والعادات، والتقاليد، والقيم عن طريق التقليد بدءًا ثم التلقين، ويتعرّف قيم الخطإ والصواب. إن الأسرة هي النواة التكوينية الأولى لحياته، وأثرها يلازمه حتى يدخل إلى المدرسة ، بل طوال حياته ؛ لذلك فتربية المدرسة هي امتداد لتربية الطفل في المنزل. وقد أوضحت عدة دراسات أجريت لمعرفة أثر المنزل على نمو سلوك الطفل حيث أن كثيرا من مظاهر سلوك الفرد ما هو إلا انعكاس لحياته المنزلية كنظافة المنزل مثلا تنعكس على مظهر وملبس الطفل، وعلامات الكلام عن الوالدين، وطريقة الاتصال والتواصل، وروح الانتماء للجماعة، ومستوى التضحية، إذْ كل خلل سلوكي في الأسرة بتشرّبه الطفل، ويتحوّل إلى سلوك له، وغالبا ما يترسّخ هذا السلوك إذا وجد الظروف خارج المنزل مواتية له بفعل الزمالة.. الواقع المعيش يكشف لنا عن الكثير من الممارسات الغير السويّة من الأطفال الذين تشرّبوا هذه السلوكات كالكذب، والتحايل، والتفوّه بالكلام البذيء، وعادة التدخين، والعنف اللفظي، والجسدي، وعقوق الوالديْن ، وعدم احترام ذوي الرحم، وعصيان المعلم والأستاذ..نتيجة ما ترسّخ لديه من الأسرة التي تسلك هذه السلوكات فيما بينها، وبخاصة ما بين الأب والأم.. من المستحيل أن تنجح المدرسة في غرس سلوكات تحارب التدخين كمادة خطرة على حياة الإنسان كفرد، وعلى حياته كفرد من الأسرة، وعضو في المجتمع على سبيل المثال، وربّ الأسرة يرسل ابنه يوميا لجلب التبغ له من الدكان المجاور، ويشاهد بأمّ عينيه أباه وأخاه الكبير يمتصان السيجارة تلْو الأخرى بمتعة.






وإذا كان تأثير المنزل على تنشئة الفرد يظهر عليه ، فإن على المدرسة واجب معرفة البيئة المنزلية للطفل حتى يمكنها إدراك العوامل المختلفة المتداخلة في شخصيته. كما أنها لا يمكن أن تستثمر في عملها التربوي ما لم يتعاون الآباء معها عن طريق أمدادها بالمعلومات المختلفة عن مميزات الطفل وحاجاته …الخ ؛ إلاّ أن هذا المُعطى غائب في واقعنا حيث الصلة بين المؤسسة التعليمية، ومؤسسة الأسرة شبه غائبة، بل مغيّبة أصلاً. إن الأسرة لا تنظر إلى المؤسسة التربية كمرفق عام وُجد من أجل صالح المجتمع..من أجل النيابة عنه فيما يتعلق بتكوين وتربية أبنائه، وتقديم ما أصبحت الأسرة عاجزة عن تقديمه لهم..






ومن هنا يمكن القول نظريا إن المدرسة والأسرة كمؤسستين للتنشئة الاجتماعية للأطفال كلاهما مكمّلٌ للآخر، ومن المفترض تخطيطا وبرمجة يوجدان في وضعية المنافسة مع بقية المؤسسات التي يقبل عليها الأطفال مثل التلفاز، وشبكة الانترنيت والشارع ، وبالتالي وجب عليهما تظافر الجهود والتنسيق بشكل معقلن لمواجهة تلك المنافسة الشرسة؛ إلاّ أنّ هذا واقعيا غير موجود..ذلكم أن غالية الأسر إمّا محايدة ولا يهمّها ما تؤديه المدرسة من وظائف بقدر ما يهمّها أنها تتكفّل بالأطفال حتى تتفرغ الأسرة إلى مهامّ أخرى فتقيها شرّ شقاوتهم إلى حين، بل إنني لا أغالي ـ وأنا رجل تربية ميداني ـ إن ذهبتُ إلى أبعد من ذلك وقلت إن بعض الآباء لا يعرفون شيئا عن حياة أبنائهم المدرسية من حيث مستواهم التحصيلي، أو المستوى الدراسي الذي يزاولونه، أو الذي انتقلوا إليه بل إنني وأنا أعايش ما تبذله أسرة التربية من جهود في مجتمع قد أعرض عنها وإذْ يفاجئك المتعلم بأن أسرته تنتظر منه أن يتحسّن مستواه أكثر في الحساب والقراءة والكتابة حتى يكون مهيئا لتولّي حرفة التجارة إلى جانب والده في السوق.
يجب علينا أن ننظر إلى المدرسة والأسرة بأنهما الوسيلتان الأساسيتان لتحقيق تنشئة اجتماعية جيدة للفرد، وبالتالي بواسطتهما يمكن ضمان تنمية المجتمع بفضل تلك المكتسبات، والكفايات التي تم غرسها في الفرد بفضل كل من الأسرة والمدرسة .فكل إصلاح تربوي وجب عليه أن ينطلق من هاتين المؤسستين الاجتماعيتين وبشكل مواز للتطور والتغير الذي يقع على المجتمع .ولكونهما من سيضمن لنا تنمية بشرية مستدامة.








لكن هل المدرسة الجزائرية أيامنا هذه، وفي هذه الفوضى العارمة التي تتخبّط فيها نتيجة الارتجالية والقرارات المتسارعة، والبرامج المتغيرة كل سنة دون الاستناد إلى فلسفة واضحة للتربية والتكوين تتأتّى من فلسفة الأمة الجزائرية تنبثق بعد إجماع كل مكونات الأمة على أهدافها، وغاياتها ومسؤولو التربية هم منفذون لها وحسب، عكس ما يجري الآن وكأن الوزير ومساعديه هم الأوصياء على تكوين الأمة الجزائرية..بربّك أيها القارئ ماذا تقول لي وقد صار وزيرنا للتربية وزيرا للمآزر، وجداول التوقيت بدل أن يتوجه إلى البحث عن أفضل الأساليب لتحسين مستوى التربية والتكوين، وإيجاد الحلول للمشاكل التي تتوالد تباعا، وأن يخلص في القضاء عليها نهائيا عوض تسييرها فتبرز من جديد، وتحديث الوسائل والتقنيات الجديدة في جعْل التعليم تطبيقيا أكثر منه نظريا ينتهي بالحصول على شهادات ودبلومات لا يحسن حاملوها كتابة طلب توظيف، ولا تركيب مصباح ضوئي في منازلهم، أو تركيب حنفية مياه.
… وهنا بيت القصيد في عملية التربية والتكوين، سواء في مهام الأسرة، أو في مهامّ المدرسة.
إن علاقة المدرسة بالأسرة يجب أن ترتكز على مبادئ التواصل والتفاعل المتبادل والشراكة الفعالة ، مع تسخير كل الإمكانيات والوسائل والسبل الكفيلة لتفعيل هذه العلاقة على مستوى التطبيق والممارسة . وتبقى المدرسة هي التي يجب عليها أن تخطو الخطوة الأولى نحو هذا الانفتاح وعليها أن تعمل جاهدة على جعل الأسرة تلتحق بها وتشاركها هموم عملها ، كما يجب عليها أن تنفتح أيضا على باقي مكونات المحيط وذلك بتفعيل جميع الإجراءات التشريعية والقانونية التي تمكنها من تحقيق هذا الانفتاح..كان هذا الانفتاح على المحيط موجودا، وأعطى ثماره يوم أن كانت المدرسة الأساسية التي تمّ التخلّي عنها بعدما كيلت لها كل تهم وبشاعة النظم التربية..بحكم خبرتي ومعايشتي لهذا القطاع لا أخالني إلاّ موجها أصابع الاتهام إلى الأسرة التي هي في تخلٍّ متواصل عن أدوارها التي لا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال أن تتولاّها مؤسسة أخرى..البداية منها والعودة إليها، وإلاّ فنحن إلى الهاوية سائرون، وما نشاهده أيامنا هذه في مجتمعنا من انحرافات لدى الكبار والصغار لأكبر دليل على ما نقول..اللهمّ الطفْ بنا واهدنا إلى سبيل الرشاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...