الجمعة، 1 مارس 2013

أمراض ومتاعب موظفي قطاع التربية

أمراض ومتاعب موظفي قطاع التربية :نصف الأساتذة والمعلمين ..
دخلوا “زنقة لهبال(الجنون)”*
ليس هناك إحصاءات رسمية عن عدد العاملين في قطاع التربية الوطنية، وخاصة الأساتذة والمعلمين، المصابين بأمراض خطيرة، نفسية وجسمية، لا تؤهلهم لأداء مهنة التعليم، إما بصفة دائمة أو بعد التكفل بعلاجهم لفترات قد تطول• والمؤكد أن عدد الأساتذة والمعلمين المرضى قد يفوق عددهم المائة ألف، حسب بعض التقديرات• أتعس من ذلك فإن تقديرات أخرى تصل بالنسبة إلى النصف، بمعنى أن حوالي خمسين في المائة من المربين الجزائريين يعانون مرضا مثل السكري والربو إلى جانب أمراض نفسية أكثر خطورة• وتقدر هذه المصادر أن نسبة كبيرة، تتجاوز الستين، من مجموع المصابين نساء•
ومع ذلك فإن ما خفي كان أعظم، ذلك أن هذه التقديرات كلها لا تشير إلا إلى الجزء الظاهر من جبل الجليد، أما الحقيقة فتبقى حبيسة تحقيقات لا تريد الجهات المعنية، خاصة الوزارة الوصية، أن تقوم بها، لأنها تعرف أن الكارثة تفوق التصور•

الحقيقة كاملة تضع الكثير من الهيئات والمؤسسات القطاعية أو ذات الصلة في حرج حقيقي، كما أنها تعطي صورة واضحة عن حقيقة التربية والتعليم وحقيقة وضع المعلم والأستاذ في بلادنا، ثم العلاقة بين هذه الوضعية وما يواجهه الطفل داخل المؤسسة التربوية، ثم إنها تعطينا أخيرا صورة تفسيرية عن النتائج الهزيلة لنظامنا التربوي•
والحقيقة كاملة تلخص لنا حجم الاستثمارات التي يجب أن تقوم بها الدولة لإرجاع الأمور إلى نصابها• فإن التكفل بهؤلاء المرضى ضرورة ملحة ومن أولى الأوليات، ومن مسؤوليات الدولة وحدها دون سواها، عن طريق المؤسسات المعنية بطبيعة الحال، خاصة وأن أغلب هذه الأمراض المتسبب فيها إنما هو الأوضاع المهنية للمعلم والأستاذ وما يحيط بها•
نصف الأساتذة والمعلمين دخلـــوا ” زنقــة لهبــــال”
تقدر نسبة الأساتذة والمعلمين المصابين بأمراض عصبية ونفسية، في مقدمتها ازدواج الشخصية، الخوف ”الفوبيا” من التلاميذ، بـ 50 بالمائة، وفق ما أدلى به مفتش تربية سابق بوزارة التربية لـ ”الجزائر نيوز” قام بإعداد تقارير حول حالات مرضية للعديد من الأساتذة زجت بهم مهنة التدريس لمدة سنوات في عالم الجنون واختلال التوازن العقلي، غير أن النسبة المذكورة لا تعكس العدد الحقيقي للإصابات وسط عمال التربية في ظل غياب إحصائيات رسمية•
وتتمثل الأمراض التي تم تسجيل إصابة الأساتذة والمعلمين بها في أمراض نفسية وعصبية، على غرار الانهيار العصبي والصداع والوسواس والتعب والإرهاق والشخير أثناء النوم والأرق والهذيان وفقدان الذاكرة والجنون والفوبيا وازدواج الشخصية، إضافة إلى أمراض جسمانية أخرى مثل أمراض القلب والضغط الدموي والحبال الصوتية والحساسية بمختلف أنواعها والسرطان والشلل الجزئي والكلي والسكري ومرض الدوالي•
وكشف مفتش التربية السابق أن مثل هذه الأمراض النفسية التي تصيب الأستاذ يصعب اكتشافها، وأن التقارير تشير إلى حالات مرضية وصل فيها الأستاذ إلى درجة متقدمة من التدهور، تصل إلى حد القتل في حال فقدان الأستاذ السيطرة على العقل عند الغضب، ليتحول بذلك المربي إلى خطر يهدد حياة التلميذ• أما بالنسبة للأمراض الجسمانية، فيأتي السكري في المرتبة الثانية بعد مرض الحبال الصوتية•
أكبر نسبة من المصابين بأمراض عصبية ونفسية بولاية الشلف
تحتل ولاية الشلف صدارة الترتيب من حيث نسبة الإصابة بالأمراض النفسية والعصبية التي يعاني منها الأساتذة والمعلمين، حسب ذات المتحدث• وتعود أسباب ارتفاع معدلات الإصابة بهذه الأمراض في أوساط الأساتذة إلى أعمال العنف التي عاش على وقعها سكان القرى والمداشر التي طالتها أيدي الإرهاب، حيث لا تزال تلك الأحداث تؤثر على الأساتذة والمعلمين ممن عايشوا تلك الفترة•
تعليمة منع الضرب في المدارس حولت الأساتذة إلى ”مجانين”
زادت تعليمة وزير التربية الوطنية أبو بكر بن بوزيد التي تقضي بمنع الضرب في المؤسسات التربوية، حسب مصدرنا، من تعقيد عمل الأستاذة، بحكم أن الامتثال لهذه التعليمة يفرض على الأستاذ كبت غضبه أو اللجوء إلى طرق أخرى ما ينعكس سلبا على صحته• ويقول محدثنا: ”إن ما تمت ملاحظته في الميدان هو صعوبة تطبيق هذه التعليمة في المؤسسات التربوية، نظرا لتركيبة الأجيال الحالية الخارجة عن النمط التقليدي للأسرة الذي يرتكز على السلطة الأبوية، ما يستدعي التفكير في إيجاد أساليب فعالة في التعامل مع الجيل الجديد من التلاميذ”•
وما يسجل كذلك هو ارتفاع معدل الإصابة بالأمراض النفسية والعقلية لدى الأساتذة الذين فرضت عليهم مهنة التدريس، بينما تقل الإصابة بمثل هذه الأمراض لدى الأساتذة الذين يحبون المهنة• واقتصر تفسير المفتش للإصابة بمثل هذه الأمراض على عجز الأستاذ عن التحكم في المادة التي يدرسها، خاصة بالنسبة إلى الملتحقين الجدد بسلك التعليم، نظرا لضعف تكوينهم في مجال التأطير البيداغوجي• كما أن أغلبهم يعتمد على تدريس التلاميذ وفقا للطريقة التي درس بها•

أستاذ يصعد فوق المكتب للغناء بدل تقديم الدرس
ولعل من بين أغرب الحالات المرضية التي ذكرت في التقرير حالة لأستاذ في متوسطة بولاية تيزي وزو، تحديدا في بلدية عزازقة، يصعد فوق المكتب ليمضي ساعات التدريس في ترديد أغاني آيت منقلات بعد أن يقوم برسم الأزهار في سبورة القسم دون أن يلقي الدرس• وقد أدى تسجيل هذه الحالة إلى إيفاد لجنة تحقيق إلى المتوسطة للفصل في الموضوع•
————————————————————
100 ألف أستاذ مصاب بأمراض نفسية وعصبية، 60 بالمائة منهم نساء
أحصى الإتحاد الوطني لجمعيات أولياء التلاميذ أزيد من 100 ألف أستاذ ومعلم يعانون من أمراض نفسية وعصبية خطيرة تهدد حياة التلاميذ ومستقبلهم الدراسي، في ظل تجاهل الوصاية وجهلها لوضعية المربي، وسنها لقوانين وعقوبات ردعية ضدهم، تصل إلى حد السجن وغرامات مالية، فيما بلغ عدد القضايا المرفوعة من طرف الأولياء ضد المعلمين أزيد من 50 قضية على المستوى الوطني•
كشف رئيس الإتحاد الوطني لجمعيات أولياء التلاميذ أحمد خالد لـ ”الجزائر نيوز” أن هناك عددا كبيرا جدا من الأساتذة والمعلمين مصابين بأمراض نفسية وعصبية خطيرة، مؤكدا أنه من بين 500 ألف أستاذ متواجد عبر الوطن، هناك أزيد من 100 ألف أستاذ ومعلم يعانون من أمراض عصبية، لكن أغلب الحالات -حسب المتحدث- غير معروفة وغير مبلغ عنها لدى مصالح الضمان الاجتماعي وكذا عند وزارة التربية الوطنية، بل معظم الحالات يتم معالجتها إما عند الأطباء العامين، وإما التداوي بالأعشاب•
وأشار خالد إلى أن العديد من الأساتذة المرضى يرفضون التصريح بأمراضهم خوفا من الإدارة، أن تحرمهم من الترقية والعمل• ذلك المعلم المريض والذي يعاني من مرض نفسي أو عصبي يحرم من الترقية، بل وحتى الاستمرار في منصب العمل، وذلك بسبب ملفه الطبي الذي يحتوي شهادة تشير إلى المرض الذي يعاني منه• وحسب أحمد خالد، فإن الأمر يعد خطرا كبيرا على التلاميذ الذين يتعرضون سنويا للعديد من الاعتداءات الجسدية والمؤدية أحيانا إلى الوفاة والإعاقة المستديمة بنسبة 100 بالمائة، كما كشف ذات المتحدث أن أكبر نسبة من الأساتذة المصابين بهذه الأمراض من فئة النساء، أي ما نسبته 60 بالمائة من إجمالي الأساتذة والمربين، مشيرا إلى أن أغلب الإعتداءات الجسمانية على التلاميذ يتم تسجيلها من طرف الأستاذات والمعلمات، حسب عدد الشكاوى المرفوعة من طرف الأولياء•
من جانب آخر، كشف رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات أولياء التلاميذ أن هناك شكاوى كثيرة يتلقاها الإتحاد يوميا من كل جهات الوطن، مشيرا إلى أن الإتحاد رفع تقارير إلى مديريات التربية عبر مختلف الولايات، إلا أن الوصاية لم تقم بأية إجراءات لمنع هؤلاء الأساتذة من التدريس، حفاظا على سلامة التلاميذ، بل قامت -حسب خالد- بسن قوانين وعقوبات ردعية ضد كل أستاذ يعتدي على التلميذ، قد تصل إلى حد السجن وفرض غرامات مالية ضد المربي، في حالة الاعتداء المؤدي إلى الوفاة• وقد وصلت بالفعل بعض الحالات إلى الوفاة وإن كانت نادرة• أما حالات الاعتداءات الأخرى المؤدية للإعاقة فهي كثيرة، وفي هذا السياق كشف محدثنا أن عدد القضايا التي رفعها أولياء التلاميذ ضد الأساتذة بلغت أزيد من 50 قضية مسجلة على المستوى الوطني خلال الموسم الدراسي الماضي•
————————————————————
النقابات تصر على طب العمل
أجمعت نقابات التربية الوطنية على أن الوضع الصحي للأستاذ والمعلم بات مقلقا بشدة، بالنظر للأخطار المحدقة به بسبب الظروف المهنية والاجتماعية السيئة التي يعيشها، في ظل غياب طب العمل والتكفل الصحي المناسب أمام اكتفاء الوصاية بالإعتراف بمرض الحبال الصوتية فقط كمرض مهني، في الوقت
الذي تفقد فيه المدرسة الجزائرية الكثير من كفاءاتها يوميا نتيجة أمراض مختلفة تتقدمها الأمراض العقلية•
أكدت مختلف نقابات قطاع التربية والتعليم، لـ ”الجزائر نيوز” بخصوص ملف الوضع الصحي لعمال القطاع، أن حالات الإصابة بالأمراض العقلية والنفسية باتت تتصدر الأمراض المهنية في القطاع، خصوصا وأنها تتزايد بوتيرة مقلقة في أوساط الأساتذة والمعلمين•

الضر في ”الراس” والدواء في ”الحبال الصوتية”
يقول مزيان مريان رئيس النقابة الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي والتقني ”لو تفصح وزارة العمل والضمان الاجتماعي عن الإحصائيات التي بحوزتها بخصوص التعويضات الطبية المتعلقة بالأساتذة والمعلمين، سيصاب المجتمع بصدمة كبيرة، لأن هذه الشريحة أصبحت تعاني من الأمراض الناتجة عن القلق بشكل مخيف”• وهو ما يؤكده مسعود عمراوي، المكلف بالاتصال على مستوى الإتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، حيث يقول ”أنه في الآونة الأخيرة، لم تعد الأمراض المهنية في قطاعنا مقتصرة على الأمراض المتعارف عليها كمرض الدوالي أو التمزق العضلي الذي يسببهما الوقوف المستمر للمدرس، أو أمراض الحساسية بسبب الطبشور، فاليوم إنتقلت الأمور إلى وضع أصعب، وفي كل مرة نسمع عن معلمين وأساتذة باتوا يعانون من أمراض نفسية وحتى عقلية خطيرة، بسبب القلق والضغط النفسي الكبير الذي يتعرضون له بشكل مستمر”•
من جهته، إعتبر نوار العربي، منسق المجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني أن مسألة اعتراف الوصاية ووزارة العمل بمرض الحبال الصوتية وحده كمرض مهني في قطاع التربية والتعليم يعتبر أمرا تجاوزه الزمن، لأن عمال هذا القطاع -حسبه- يعانون من أمراض مزمنة تسببت فيها المهنة وكلها أمراض ناتجة عن التوتر والضغط العصبي، كالسكري وضغط الدم المنتشرين وسط شريحة كبيرة من الأساتذة والمعلمين حتى صغار السن منهم، مضيفا -في هذا المقام- أنه لا يمكن نسيان المناضل في قطاع التربية، المرحوم عصمان رضوان الذي كان واحدا من ضحايا هذه الأمراض، حيث توفي بسكتة قلبية أثناء إلقائهه درس أمام تلاميذه، وهناك الكثير من الحالات المشابهة•
المدرس الذي يسكن في الحمام لا بد أن يموت بالسكتة القلبية
إجماع النقابيين حول ارتفاع نسبة الأمراض المتعلقة بالقلق والضغط النفسي في قطاعهم أرجعوه إلى الظروف الصعبة التي يعيشونها• يقول مزيان مريان أن تجاهل الوصاية للأمراض العصبية والتمسك بمرض الحبال الصوتية لا يغير من الواقع شيئا، لأن الظروف المعيشية وظروف العمل قاتلة• وحسبه، هناك الكثير من المعلمين يضطرون للتنقل إلى مؤسسات عملهم وقطع مسافة تصل إلى 80 كيلومترا عن مقر سكناهم بشكل يومي، فكيف لهؤلاء أن يعملوا دون الإصابة بالإنهيار، في الماضي كان السكن أمرا مكفولا ومرتبطا بالعمل، أما اليوم فهناك أساتذة يجدون أنفسهم ينامون في الحمامات فكيف لهؤلاء ألا يصابوا بالسكتة القلبية أو الانهيار العصبي؟ خصوصا وأن خيارات الشغل باتت ضيقة وليس من السهل على أي كان المجازفة بمنصب عمله وقوت عائلته والبقاء عاطلا”•
في نفس الإطار يقول نوار العرب إن ”الضغط الاجتماعي الذي يعيشه عمال قطاع التربية بسبب الدخل المنخفض خاصة في السنوات الماضية، كان من الطبيعي أن ينقلب على أدائهم المهني وعلى صحتهم، خصوصا وأن التعليم مهنة شاقة وفي بلادنا تمارس في ظروف كارثية، يأتي في مقدمتها ظاهرة الاكتظاظ في الأقسام، فبدل أن يدرس 25 تلميذا يجد نفسهم أمام 40 تلميذا كحد أدنى وفي ظروف غير ملائمة، إلى جانب التغييرات المستمرة في المناهج التي لا يراعى فيها تكوين الأستاذ أو المعلم”•

وبحسب مسعود عمراوي ، فإن ”الريتم الذي يعيشه المدرس بات صعبا ومرهقا للأعصاب، ففي الظروف العادية هو يعمل خلال الأسبوع بجدول زمني مضغوط داخل المدرسة وفي شروط غير مناسبة، وبعد الخروج من المؤسسة يجد نفسه مطالبا بتحضير مكثف للدروس المقبلة، إلى جانب الوضع المعيشي الصعب في ظل الغلاء وأزمة السكن وغيرها•• ولهذا بات عقله عرضة للإنهيار”•
لا بديل عن طب العمل والمنصب ”المكيف”
يؤكد، مسعود عمراوي، أنه في آخر احتجاج لتنظيمه، طالبوا فيه بفتح ملف طب العمل في القطاع، وما يزالون متمسكين بهذا المطلب ”هذا الملف حساس وعلى وزارة التربية فتحه، ومن الواضح أن وقته قد حان”، في الوقت الذي يقول مزيان مريان أنه ”لا بد أن تكون للوزارة الشجاعة للإعتراف بالأمراض التي يعاني منها عمال القطاع والتعامل معها بإرادة جادة والعمل على حلها مع وزارة العمل والضمان الاجتماعي”، من جهة أخرى، يرى نوار العربي أن ”طب العمل ضروري في كل القطاعات لحصول العمال على حقهم في المناصب المكيفة، ولذلك لابد من توفير الفحص الطبي الكامل على حساب رب العمل كل سنة، للكشف على استقرار قدرات العامل وحالته الصحية، وفي حال وجود أي مشكل فإن القطاع يكون ملزما بخلق منصب يتكيف مع حالته الصحية الجديدة، وبالتالي ضمان منصب شغله في ظروف ملائمة لوضعه”، هذا ويضيف نوار العربي ”مطالبتنا بالفحص الطبي المختص لأنه يمنع وقوع الكوارث في وقت مبكر عن طريق كشف الأعراض خلال الفحص الدوري، وبالتالي حماية حياة العمال”•
————————————————————
الدكتور بن ضيف الله المختص في علم النفس التربوي لـ ”الجزائر نيوز”: لا يجب إغفال الجانب الإقتصادي والإجتماعي للأستاذ
يتحدث المختص في علم النفس التربوي الدكتور بن ضيف الله، لـ ”الجزائر نيوز”، عن المحاور الثلاث المولدة للضغط النفسي لدى الأستاذ الجزائري التي تؤدي مجتمعة إلى الرفع من مستوى حدة الأمراض النفسية، موعزا أسباب انتشارها إلى تهميش البعد الإجتماعي والإقتصادي والمادي للأستاذ•
تعد الأمراض النفسية والعصبية من بين الأمراض التي تسجل وسط شريحة واسعة من الأساتذة والمعلمين، هل يمكنكم تحديد العوامل الرئيسية المسببة لإصابة الأستاذة بها؟
أعتقد أن الإشكال المطروح، عند الحديث عن المشاكل النفسية والصحة العقلية للأساتذة، يفرض علينا القول إن الإصابة بهذه الأمراض لا تقتصر – فقط-على الأستاذ الجزائري وإنما هي ظاهرة عالمية، أي أنها ذات صبغة عالمية تعكس وضعية المنظومة التربوية في دولة معينة• فعلى سبيل المثال، أبرزت آخر الدراسات التي أجريت في كندا أن هناك مجموعة من المشاكل النفسية والعصبية يعاني منها الأساتذة• وانطلاقا من هذه الدراسة يمكن معالجة هذه الأمراض قبل أن تصل إلى حالة متقدمة من التأزم• لكن ما يحدث في الجزائر عكس ذلك تماما• وبصفة عامة يمكن القول إن الأمراض النفسية التي يعاني منها الأستاذ الجزائري هي نفسها التي يعاني منها الأساتذة في باقي دول العالم• ففي كندا لوحظ أن 20 بالمائة من الأساتذة صحتهم العقلية متوسطة وضعيفة وحوالي 1 بالمائة من ثلث المعلمين يرتكز تفكيرهم في التغييرات الفزيولوجية التي تطرأ عليهم بعد خمس سنوات من التحاقهم بالتدريس•
أما فيما يتعلق بالعوامل الرئيسية أو المحاور الكبرى المولدة للضغط النفسي المؤدي إلى تأزم الحالة النفسية للأستاذة، وانطلاقا من الوضعية الحالية للمنظومة التربوية بالجزائر، فهي تتمثل في كثافة الحجم الساعي، وأقصد بذلك أن ساعات العمل الكثيرة تعجل بإصابة الأستاذ بالإرهاق• إضافة إلى صعوبة التحكم في الأقسام التربوية وطبيعة العلاقات بالمؤسسة التربوية، أي النمط الإداري المعتمد في تسييرها والمرتكز -أساسا- على منطق المصلحة الخاصة وتغييب العمل من أجل الصالح العام، علاوة على غياب عملية التواصل والاتصال بين الأطراف الفاعلة بالمؤسسة التربوية الواحدة• وهذا ما يزيد من تعقيد العملية التربوية والتعليمية ويعد من بين العراقيل التي من شأنها أن تؤثر سلبا على مردودية الأستاذ•

هل يمكن تصنيف مرض خوف الأستاذ من التلميذ أو ”الفوبيا” في قائمة الأمراض المنتشرة حديثا في وسط الأساتذة؟
في هذا المقام، أريد أن أجري مقارنة بين أساتذة ومعلمي الجيل القديم والأساتذة الحاليين، فأساتذة الجيل القديم معظمهم كانوا يتمتعون بمستوى جيد في التعامل مع التلميذ بالقسم، وكانت لهم طريقة جيدة لشد انتباه التلميذ وفرض السيطرة التامة على كل فرد في القسم، مما يعني أن الأستاذ كان مكونا تكوينا جيدا على كل الأصعدة والمستويات• أما بالنسبة إلى الجيل الحالي للمعلمين، فأغلبهم من حاملي شهادة ليسانس، مما يعني أنهم يتمتعون بمؤهلات علمية ولديهم زاد علمي دون أن يتحكموا في الأسس والقواعد البيداغوجية المتعلقة بكيفية التعامل مع التلميذ• فعلى سبيل المثال الأستاذ في قسم من 40 تلميذ، مطالب بأن يتعامل مع 40 نفسية وشخصية مختلفة تماما عن بعضها البعض• وانطلاقا من ذلك يفقد الأستاذة السيطرة على زمام الأمور بالقسم• وقلت سابقا إن هذا من بين العوامل المولدة للضغط النفسي الذي يؤدي إلى الإصابة بالمرض•
هل يمكن القول إن ارتفاع معدل الإصابة بالأمراض النفسية يسجل لدى الأساتذة الذين يعانون من مشاكل اجتماعية؟
أولا، لابد من التأكيد أنه لحد الآن، لا توجد إحصائيات رسمية عن معدل الإصابة بالأمراض النفسية والعصبية• أما بالنسبة إلى الحالات الحادة، فيمكن القول إنها ناتجة عن اجتماع إغفال الجانب الإقتصادي والإجتماعي للأستاذ•
المصدر الجزائر نيوز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...