السبت، 2 مارس 2013

كتاب الموروث الشعبي وقضايا الوطن


أصدرت رابطة الفكر والإبداع بولاية الوادي /الجزائر كتابها السنوي الذي يحمل عنوان: الموروث الشعبي وقضايا الوطن، لمجموعة من الأساتذة المتخصصين في موضوع الموروث الشعبي..الكتاب صدر عن دار " مزوار " للطبع والنشر، يضمّ الكتاب مجموعة من المحاضرات لأساتذة من جامعات جزائرية يرأسهم الدكتور الباحث المعروف وطنيا وعربيا عبد الحميد بورايو، رئيس مخبر أطلس الثقافة الشعبية بجامعة الجزائر المركزية أطّروا الندوة الفكرية السادسة التي كانت في شكل ملتقى وطني.

          الكتاب من الحجم المتوسط تبلغ صفحاته 263 صفحة تتضمّن: مدخلا لرئيس الرابطة، كلمة الافتتاح للدكتور عبد الحميد بورايو، أربعة محاور. ركّز الأستاذ بشير خلف رئيس الرابطة في كلمته المدخلية على أن التراث في كلّ المجتمعات يمثّل الذاكرة الحيّة للفرد والجماعة، وبالتالي يمثّل هوية يتعرّف بها الناس على شعب من الشعوب ؛ كما أن التراث بقيمه الثقافية، والاجتماعية، يكون مصدرا تربويا وقيْميا وعلميا وفنيا وثقافيا واجتماعيا، ولئن كان تراكم الخبرات يُكوّن الحضارة، وتراكم المعلومات يُكوّن الذاكرة، فهذه الذاكرة هي التي تمكّننا من فهْم العالم بأن تربط بين خبراتنا الراهنة، ومعارفنا السابقة عن العالم، وكيف يتحرّك ؛ ففقدان التراث الثقافي يعني فقدان الذاكرة.

       إن العلاقة القوية بين التراث الثقافي والموروث الشعبي علاقة انصهارية كوْنهما معا مرتبطان بذاكرة الأمة وهويتها ؛ فالموروث الشعبي جزْءٌ مهمٌّ من التراث الثقافي، إذْ هذا الموروث عبْر أنماطه المتنوّعة زمكانيا، والتي تنتظم في مجالات عدّة من فنون الثقافة الشعبية سيّما فنون الأدب الشعبي من أشعار، وحكايات خرافية، وقصص شعبية وملاحم، وأمثال، وألغاز، وعادات، وتقاليد، وممارسات شعبية لا تزال مؤثرة في حياة المجتمع الجزائري، وسلوكاته الفردية والجماعية، وحراكه الثقافي والاجتماعي، بل وحتى الاقتصادي في العديد من مناحي الحياة بالرغم من العصرنة.

وقد نبّه الدكتور الباحث عبد الحميد بورايو في الكلمة الافتتاحية ( ص:9 ـ 13) إلى أن موضوع هذه الندوة التي تعتبر بالنسبة لمخبر أطلس الثقافة الشعبية: الملتقى الوطني الثاني المتعلق بالبحث الميداني في مجال التراث الشعبي الجزائري، وكذا الموروث الشعبي وقضايا الوطن، نظرا للأهمية القصوى التي يكتسيها في المرحلة الراهنة من تطوّر هذا الفرع الدراسي في الجزائر، والتي تمثّل مادته أساسا فيما نسميه بالثقافة الشعبية، أو التراث الشعبي، ويسميه غيرنا فولكلورا، أو مأثورا شعبيا ونقصد بها حسب قول الدكتور: مجموع الرموز، وأشكال التعبير الفنية، والجمالية، والمعتقدات، والتصوّرات، والقيم، والمعايير، والتقنيات المتوارثة، والأعراف، والتقاليد، والأنماط السلوكية التي تتوارثها الأجيال، ويستمرّ وجودها في المجتمع بحكم تكيّفها مع الأوضاع الجديدة، واستمرار وظائفها القديمة، أو إسناد وظائف جديدة لها.

بالكتاب محاور أربعة مهمة:
1 ـ مفاهيم..مقاربات حول إشكالية المصطلح، ص: 15

        من المحاضرات الخمس التي تضمّنها المحور الأول، يستخلص القارئ ما يلي:
 الموروث الشعبي في نظر المؤرخين الأوائل شيء يتصل بالعامة التي غالبا ما نُعتت بنعوت سلبية كالغوغاء، أو الدهماء..فالتقدم من شأن الخاصة، وبالتالي فالموروث الشعبي مرتبط بأولئكم الدهماء.
 مصطلح ( الشعبي ) لا يزال يعاني لحدّ الساعة غموضا والتباسا دلاليا، فالمختصون والمؤرخون لا يعطون جميعا الدلالة نفسها لهذه الكلمة.
             إن الأنثروبولوجيا أصبحت من أهمّ أدوات الحضارة المعاصرة، فعن طريقها يمكن اقتحام ما عجز التاريخ عن اقتحامه، فالاستعانة بالميثولوجيا يسهّل معرفة الكثير ممّا هو لا يزال ملتبسا في الموروثالشعبي.
 هل الكلمة تصنع التاريخ ؟
 بلى، إن الخطاب يملك قوى سحرية،والرسول (ص) يقول:" إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة."والرسول قد أدرك ذلك فتسلّح بالكلمة التي كانت سلاحه الأول.
 في مروياتنا الشفاهية نجد شعراءنا خصوصا خلال كل المقاومات الشعبية ضدّ الاحتلال اتخذوا الكلمة سلاحا، فكانت القصائد الشعبية بمثابة وثائق تاريخية سجّلت المعارك والملاحم، وكانت أداة ناجعة في تحريك الناس ودفعهم إلى الجهاد من خلال إلقائها في الساحات العامة.
 استثمار الكتابة أفاد الأدب الشفاهي كثيرا، بفضلها وصلنا تراث أجيال من الأمم الغابرة.
 استفاد الموروث الشعبي من التكنولوجيا الحديثة والوسائط المتفاعلة، إلا أن الاكتفاء بالتكنولوجيا يحرم الدارس والمتلقّي من المتعة الجمالية الصوتية التي هي حكْرٌ على المشافهة.

 التراث هو ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون ونحوها من جيل إلى جيل، وهو يشمل كل الفنون , والمأثورات الشعبية من شعر، وغناء وموسيقى، ومعتقدات شعبية، وقصص وحكايات، وأمثال تجري على ألسنة العامة من الناس، وعادات الزواج، والمناسبات المختلفة، وما تتضمّنه من طرق موروثة في الأداء، والأشكال من ألوان الرقص، والألعاب، والمهارات.

2 ـ الشعر الشعبي وسيلةٌ لحفْظِ هويّة الأمة.. وحاملٌ لقضاياها، ص: 83

من المحاضرات الخمس التي تتالت في هذا المحور، نستخلص ما يلي:
 الأدب الشعبي أدب هادف، تأتي أشكاله المتعددة في التراث الشعبي لتنقل صورا من واقع الشعب في مختلف مناحي الحياة.
 الشعر الشعبي أحد مكوّنات الأدب الشعبي..فهذا النوع من الشعر رافق المجتمع في كل مراحله، وعبّر بصدق عن الناس البسطاء ومعاناتهم، وآمالهم بلغة يفهمها الجميع ويتفاعلون مع ما تحمله من قيم، ومن دعوات إلى المقاومة.
 الشعر الشعبي الجزائري يمثّل مادة ثقافية من حيث الدلالة التاريخية، حيث نزع إلى التسجيل الدقيق للأحداث , تحديد المواقع، وذكر جميع الملابسات المتعلقة بالحوادث التاريخية.
 لعب الشاعر الشعبي أثناء فترة الاستعمار الفرنسي دور المؤرخ الذي كان يسجل الوقائع بشيء من التفصيل.
 وقائع تاريخية كثيرة عجزت وسائل الثقافة والإعلام الرسمية عن اقتناصها وتسجيلها أثناء فترة الاستعمار، وأثناء فترة الاستقلال، بينما الشعر الملحون رصدها وسجلها بتفصيل ودقة مدهشيْن.
 دعوة شعراء الملحون في مختلف المناطق من الجزائر للمشاركة في إحياء الذكريات التاريخية أصبح تقليدا جاريا منذ الاستقلال إلى يومنا هذا الناس هذا.

3 ـ الحكاية الشعبية فضاء اللامكان واللازمان، ص: 151

الحكاية الشعبية هي أحدوثة يسردها راوية في جماعة من المتلقين، وهو يحفظها مشافهة عن راوية آخر، ولكنه يؤديها بلغته، غير متقيد بألفاظ الحكاية، وإن كان يتقيد بشخصياتها وحوادثها، ومجمل بنائها العام.‏ وغالباً ما ترويها العجائز لأحفادهن، في ليالي الشتاء الطويلة، قبل الذهاب للنوم، وقد يرويها غير العجائز، في مواقف تقتضيها، للعظة والاعتبار وضرب المثل، ولكن الحكاية لا تسرد على الأغلب إلا ليلاً، في جو يتم التهيؤ له، فالجدة تقعد على حشيّة، ويقعد الأولاد أمامها في استعداد للتلقي.‏ وتلقى الحكاية بلغة خاصة متميزة، ليست لغة الحديث العادي، مما يمنحها قدرة على الإيحاء والتأثير، وغالباً ما يكون الإلقاء مصحوباً بتلوين صوتي، يناسب المواقف والشخصيات، وبإشارات من اليدين والعينين والرأس، فيها قدر من التمثيل والتقليد.‏

ويتم التلقي بإصغاء حاد، قد يتخلله الضحك، أو الفزع، كما يقتضي الموقف، ولكن في تقدير واحترام، وتصديق واندهاش، ومن غير مقاطعة.‏( الحكاية الشعبية:د/ أحمد زياد محبّك) .. محاضرات هذا المحور الأربع تطرّق أساتذتها إلى أهمية الحكاية الشعبية كرافد مهم لهموم الناس البسطاء، وكحامل لقيم بعضها مرتبط بهوية الأمة، وبعضها الآخر مُتأتٍّ عن خبرات وأحداث محلية..

 يمثّل جمْعُ المادة الخام الأساس الجوهري الذي تبنى عليه الدراسة الأنثروبولوجية للحكاية الشعبية.
 لا بدّ أن تتوفر في الجامع للمادة مجموعة من الشروط منها المهارات الشخصية، والقدرات العلمية كمعرفة أفضل الطرائق وأضمنها للحصول على المادة.
 تهيئة الظروف المساعدة والمشجعة للراوي كي يروي حكاياته، والكشف عن كل ما بداخله، في جوٍّ من الثقة والاطمئنان.
 لا بدّ من التفريق بين الحكاية الدينية الموثّقة، والتي غايتها استنتاج واقعة وحكم شرعي، والحكاية الدينية الخيالية التي هدفها ضرْبُ المثل والعبرة، ويمكن إدراجها في حقْل الأدب.
 لكلّ حكاية شعبية شخصياتها التي تمارس برنامجها السردي، وتسهم في ضبْط إيقاع الأحداث بظهورها على مسرح الحكي تارة، وغيابها تارة أخرى.
 الحكاية الشعبية ببعدها السطحي التشويقي، وبنيتها العميقة أساسا هدفها الموعظة والاعتبار والعبرة لتشغيل العقل، وإبقائه يقظا ما أمكن كي يتحاشى الفرد الزلل، ويحمي المجتمع نفسه من الانحراف، فيعمّه العدل والأمن والأمان والسعادة.
 بقرة اليتامى هي حكاية شعبية معروفة، وأكثرها انتشارا في بلاد المغرب العربي، بل هي حكاية شعبية عالمية، حيث تعددت طرق وأساليب روايتها..متلقّي الحكاية يجد نفسه في مواجهة وجهيْن للنمط الأصلي للأم ؛ الوجه السلبي الذي جسّدته زوجة الأب الشريرة، والوجه الإيجابي الذي يمثّله دور الأم الضحية.
 الطفل وهو يستمع إلى هذه الحكاية يجد فيها تعبيرا عن الصيرورات النفسية التي يعانيها، ويعيشها في مختلف مراحل حياته.
 القيمة العالية للحكايات الشعبية تكمن في الأبعاد الجديدة لمخيّلة الطفل الذي يعجز بمفرده عن التوصّل إليها، فتساعده على توجيه حياته، ووجوده بشكل أفضل.
 وتتفق جميع الحكايات في أن نهاياتها تكون مفرحة ومعروفة في الوقت نفسه، فالبطل يواجه صعوبات أسطورية ومشقات فظيعة يتغلب عليها دائماً ويحقق أهدافه كافة.

عموما شغلت الحكاية الشعبية بصفتها أحد مكونات الثقافة والموروث الشعبي، حيزاً كبيراً في نسيج طفولةٍ كل منا، وأيـا كان مبلـغ اهتمامنـا بهـا، أو حتى عدم التفاتنا إليها فمن العسير إنكار وجودهـا بين منتجيهـا، ودورهـا الفاعـل في حياتهـم، لأنها كانت في زمن مضى، أول الفنون السردية التي يتلقاها الطفل، ففي البيت، وهو المكـان الأول الذي يتلقى فيه الفرد معارفه الأولى، كما يتلقى الإجابات عن الأسئلة الملغزة، التي ترتبط بمحيطه من مظاهر الطبيعة، إلى أُناس يتكشفون له من صلات قرابـة، إلى الجـوار إلى أعداء محيطين، مشمولة بالتجارب الخاصة، والمواقف المختلفة، التي تمر به وتصادفه، فهي تلبيه لحاجةٍ معرفية تثقيفية جماعية وقد توارثت الجماعة حكاياتها لتؤدى وظيفةً تربويةً تعليميةً وعظيـةً، فقصُ الحكايات من الوظائف الثابتة في المجتمـع، فدون كل عناصر الثقافة الشعبية، تتميز الحكايات الشعبية بسلوك شعبي مُمارس ومتعارف عليه في أغلب الأمم وفي مقدمتها الأمة العربية.

4 ـ المرأة في فضاء الموروث الشعبي الجزائري، ص: 209

القارئ الدارس والمتمعن لمضامين محاضرات هذا المحور الأخير من الكتاب تستوقفه العناصر التالية:

 تتفق المجتمعات القديمة، بل حتى إلى عهد قريب في حوض المتوسط، والمجتمع العربي، والمجتمع الجزائري في عملها بالنظام الأبوي ؛ إذ يدير شؤون الأسرة الذكر ( الجــدّ )، وفي حالة غيابه تنتقل المسؤولية إلى ابنه الأكبر سنّا، وهكذا…
 تبدأ من هنا أفضلية جنس الذكر على الأنثى، والتمييز بين الجنسين من حيث طبيعة المهام، والأعمال المسندة لهما تتقلّص في مرحلة الطفولة والشيخوخة لتتسع الفجوة وتبلغ ذروتها في مرحلة الشباب.
 في بعض المناطق بالجزائر لا تزال الأنثى محرومة من حقها في الميراث.
 صورة المرأة في المعتقدات الشعبية غالبا ما تقترن بالإيذاء، والقتل، والمصائب، والشؤم وهي نظرة موغلة في القدم، أين كان ينظر للمرأة على أساس أنها كائن شرير..والحقيقة أن هذه المعتقدات هي ترسبات قديمة لا تزال، ولكنها في زمننا المعاصر أخذت أشكالا أخرى.
 في الأدب الشعبي الجزائري تحتل الجدة مكانة مرموقة، والعديد من الكتاب تحدثوا عن مدى تأثير جداتهم فيهم..فالكاتبة الجزائرية أسيا جبّار تقول عن جدتها:

" كانت الجدة تقص حكاياتها ليلا على الحصير، وبقرب نور شمعات.صوتُ المعلمة، وصوت جدتي تشابكا في ذاكرتي."

"مصطلح التراث الشعبي" أو "الموروث الشعبي ": مصطلح شامل نطلقه لنعني به عالم‍ًا متشابكا من الموروث الحضاري، والبقايا السلوكية والقولية التي بقيت عبر التاريخ، وعبر الانتقال من بيئة إلى بيئة، ومن مكان إلى مكان في الضمير العربي للإنسان المعاصر، وهو بهذا مصطلح يضم البقايا الأسطورية أو الموروث الميثولوجي العربي القديم، كما يضم الفولكلور….سواء كان قوليا أو نفعيا أو ممارسا وسواء ظل على لغته الفصحى أو تحول إلى العاميات المختلفة السائدة في كل بيئة من هذه البيئات….ويضم هذا المصطلح الأدب الشعبي المدون والشفاهي، ماهو تراث منقول عبر المكان والزمان وظل يقاوم كل محاولات طمسه حتىَ وصل إلينا بصورة واضحة في المطبوع من هذا الأدب والمحفوظ الثابت… فمصطلح "التراث الشعبي" يضم الممارسات الشعبية السلوكية والطقسية معًا، كما يضم الفولكلور، والميثولوجيا العربية، ويضم أيضا الأدب الشعبي الذي أبدعه الضمير الشعبي أو العطاء الجمعي لأدباء الشعب العربي في مسيرته الحضارية من قديم وإلى اليوم… لعل المحاضرات القيمة التي تضمّنها هذا الكتاب أجابت عن عنوان الكتاب الذي هو:الموروث الشعبي، وقضايا الوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  لن تكون أية لغة "صعبة" بعد الآن بفضل هذا الاختراع الياباني الذكي كتب: بشير خلف        يُعدّ التحدث بلغة أجنبية مهارة مطلوبة ...