السبت، 2 مارس 2013

أعلام الشعر الملحون

دار الثقافة بالوادي تثري المكتبة بإصدار جديد
بقلم: بشير خلف
إن الأدب الشعبي لأية أمة هو أدب عاميتها التقليدي الشفاهي ،مجهول المؤلف ،المتوارث جيلا بعد جيل.تؤدي عراقة الأدب الشعبي دورا هاما في دراسة الحياة الذهنية والروحية لأسلافنا الأقدمين، وضبط التاريخ الاجتماعي لهذه المراحل الأولى من المجتمع البشري ، وقد ترتب على عراقة الأدب الشعبي قيام ظاهرة خاصة به ثار حولها جدل وهي اهتمامه بالأسطورة، والخرافة والخارقة، فيُوصف بذلك بأنه أدب محافظ من حيث الشكل والمحتوى، غير أن هذا الرأي خاطئ إذ يسقط أهم صفات الأدب الشعبي وهي واقعيته ،أي أن الأدب الشعبي هو القول التلقائي العريق المتداول بالفعل، المتوارث، جيلا بعد جيل المرتبط بالعادات والتقاليد، ويشكل الشعر الشفاهي، أو ما يسمّى بالشعر الملحون، أو الشعر الشعبي حيّزا كبيرا في الأدب الشعبي.في هذا الإطار وحرْصًا منها على حفظ الموروث الشعبي الشفاهي من الضياع، والحفاظ عليه كمخزون ثريٍّ وحيٍّ للذاكرة الجماعية لمنطقة وادي سُوفْ بواسطة التدوين والتوثيق؛ فإن دار الثقافة بالوادي أصدرت أخيرًا ضمن سلسلة إصداراتها كتابًا بعنوان :" موسوعة الشعر الشعبي أعلام الشعر الملحون لمنطقة وادي سوف" الجزء الثالث للدكتور أحمد زغب ، وكان في الأصل سيصدر خلال سنة 2010 غير أنه ولظروف تقنية تتعلق بمطبعة مزوار بالوادي صدر هذا الكتاب خلال الأسبوع الأول من سنة 2011 ليكون بذلك أول إصدار تفتتح به السنة السنة الثقافية الجديدة بدار الثقافة بالوادي.
ممّا جاء في التصدير كان بقلم الأستاذ محمد حامدي مدير دار الثقافة بالوادي:
« يطل علينا الجزء الثالث من أعلام الشعر الملحون في منطقة سوف للدكتور احمد زغب ، وهو جزء من مشروع طموح تهدف من خلاله دار الثقافة لولاية الوادي إلى وضع موسوعة للشعراء الشعبيين بالمنطقة تضم أكبر عدد من هؤلاء الشعراء من مختلف الأجيال والعصور . وكنا قد سطرنا برنامجا ثريا يمتد لسنوات من خلال إصدار عدد من المؤلفات تهتم بهذا الموروث الشعبي ونحن ندرك جيدا أن هذا المشروع ليس بالأمر الهين والسهل بل يتطلب كثيرا من الوقت والجهد.
على هذا الأساس كنا قد وجهنا قبل سنوات دعوات للمهتمين بهذا الموروث من اجل مساعدتنا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه خاصة ونحن نعلم جيد أن الذاكرة الشعبية تتناقص كلما طال الزمان وبفعل التطورات وتسارع الأحداث التي يعيشها عالم اليوم .
لقد بات هذا نوع من الشعر ثروة أخرى تضاف لرصيد الأمة ، وعنوانا آخر لها ، ومعلما من معالم عراقتها في البيان والجمال وصدق الكلمة، إن هذا اللون من الشعر تعبير صادق بسيط وإعلان صارخ لما تعيشه الأفئدة والضمائر، وهو يعبر بحق عن أجمل صورة لما يجمع الناس من روابط مختلفة .
ولعل ما يبرز ذلك هو أن ما من قرية من قرى المنطقة إلا وذاكرتها مازالت تحفظ بعضا من الأسماء والأشعار لشعراء كانوا ذات يوما هم المتنفس الوحيد لإسماع صوتها والتعبير عن صورتها في مختلف المحافل ، ومن ذلك هذا الجزء الذي يعود بنا من جديد كاتبه إلى القرون الماضية من خلال التعريف ببعض الشعراء كنا نعتقد إلى وقت قريب أنهم باتوا في طي النسيان .
لقد أصدرنا مع الدكتور أحمد زغب الجزء الأول في سنة 2006 والجزء الثاني في سنة 2008 وفي هذه سنة يصدر الجزء الثالث ونحن نطمح إلى المزيد ، فألف شكر للدكتور احمد زغب على هذا الجهد المبذول ، ومزيدا من التقدم. محمد حامدي .»
تعرّض الدكتور أحمد زغب في هذا الجزء الثالث إلى خمسة وعشرين شاعرا وشاعرة من منطقة واد سوف، حيث تعرّض لحياة كل شاعر وشاعرة باختصار، مرفقة بنماذج من أشعارهم، وأشعارهنّ.
وقبل ذلك وبعد مقدمته وحتّى يساعد المتلقّي على التعرّف والتقرّب أكثر إلى مفهوم الشعر الشفاهي الذي ينظر إليه ببعض الدونية مقارنة بالشعر الفصيح المدوّن، ويثبت أن الشعر الشفاهي لا يقلّ مكانة عن الشعر الفصيح، بل يتفوّق عليه لكونه سجل ذاكرة الطبقات الشعبية في صراعها اليومي ..صراعها الاجتماعي والطبيعي، والدكتور زغب في هذا الحيّز من الكتاب والذي عنونه بـ " الشعر الشفاهي ..مفاهيم ومصطلحات "
وممّا أورده حول مصطلح الشعر الشفاهي أن هذا المصطلح متعدد في الدراسات الحديثة: الشعر الشعبي، الشعر الملحون، الشعر النبطي، شعر الأعراب.
فالشعر الملحون كل شعر منظوم بالعامية سواء أكان مؤلفه معروفًا أم مجهولا، وسواء رُوي من الكتب أم مشافهة، وسواء أُدخل في حياة الشعب فأصبح ملكا له، أم كان من شعر الخواص فوصف هذا النوع من الشعر " بالملحون" أوْل من وصفه " بالعامي" فاللحن هنا إمّا أن يكون من الخطإ في اللغة ، وعدم التقيّد بمعاييرها ، أو من التلحين من أجل الغناء، وسواء أكانت هذه أم تلك فإن الأصل فيه " المشافهة" حتى لو كتبه بعض الناس، وتناقلوه في الكتب، فالذي يستوعبه الوعي الجمعي وتتبنّاه الجماعة يدخل ضمن الدب الشعبي، ويندرج ضمن الفلكلور، والتراث الثقافي للشعب.أمّا مصطلح الشعر الشعبي يُطلق على الشعر غير الرسمي الذي تتبناه السّلط، وتنظم له مهرجانات، وعكاظيات، وتنفق عليه الأموال، وتكافئ أصحابه بالجوائز، وتطبع أعمالهم في دواوين كما هو الحال في بلدان المغرب العربي، أو في منطقة الخليج العربي فيما يخص الشعر النبطي.
إن كل ما دخل في وعي الجماعة، وتبنّته عنصرا من تراثها المتناقل شفاهيا من أراجيز، وأزجال، وتعاويذ النساء لأبنائهن، وبناتهن لهدهدتهم، أو للتمنّي لهم بالخير، أو لاستعاذتهم من الشر، أو في حداء الإبل، أو تأبين الموتى لدى البعض، أو الأراجيز التي تُغنّى ارتجالا في أعمال البناء، أو الفلاحة، أو القصائد التي تُنشد في الأعراس إشادة بجمال النساء، أو تعبيرا عن تباريح البعد والفراق، أو الإنشاد في المناسبات الدينية إجلالا لله جلّ جلاله، أو الصلاة على النبيّ الكريم، أو لذكر مناقب الأولياء والصالحين، وكراماتهم، أو تلك القصائد التي ينشدها شاعر مبدع للتعبير عن تجربة شخصية، ثم يؤديها في مناسبة اجتماعية، فإذا بها تتلقّى إعجاب الحاضرين المتلقّين، فإذا بهم يلتقطونها ويحفظونها كلٌّ حسب قدراته، أو يؤدونها كل حسب أسلوبه، وغرضه من هذا الأداء.كل هذه الأشكال التعبيرية الشعرية الشفاهية وتلك التي تنشأ شفاهيا، وتنتقل بين أفراد أمة يُطلق عليها " الشعر الشفاهي" أو " الشعر الشعبي " .
قبل أن نُورد نماذج شعرية من هذا الكتاب ينبغي الإشارة إلى أن الكثير من شعر هؤلاء الشعراء الذين وردت أسماؤهم، وحتى منْ سبقوهم في الجزئيْن الأول والثاني ليس من السهل المسك بالأفكار والمعاني، فاللغة، والألفاظ منطلقهما البادية وما تعجّ به من صراع البقاء مع الطبيعة في يوميات ترحالية بحثًا عن الماء والعشب.
فهذا ابن دوال الذي عاش في القرن التاسع عشر في المنطقة المتاخمة للحدود التونسية من أبيات له يقول:
في الحمايمْ راني موضــــــام     ما صبتْ ملامْ        مِنْ دركْ لاقيني لا باشْ ينْقضي
والدركْ مِنء غلْبِةْ ليّــــــــام     لا يــدومْ دوامْ        لا تدومْ الشدّةْ لا تدومشْ الرّخا
واشْ يبْري قلْب المُوضــــامْ     آهْ يــــا العُلاّم         كانْ كُثْرِ الصّبْرْ لْيا كانْ تُوجْدهْ
مِنْ سِبايبْها بنتْ حْــــــــرامْ     جاتْ جيّ لْطامْ         تْقولْ بيّْ بْرُتْبه للمحكمهْ رِقــي
وهذه الشاعرة برنية بنت علي الذهبي التي توفيت سنة 1965 في أبيت لها من قصيدة قالتها بمناسبة اعتقال عبد العزيز الشريف من طرف الاستعمار الفرنسي:
غيّبتْ واجدْ يا لْعزيزْ الغالي وادّيتْ عقْلي عْماكْ لا ولّى لي
غيـــــــابكْ زايــــــــــــــدْ    يا لِندْرى قاجوكْ والاّ ضايقْ
والاْعَمالْ فْرانْسا والْقايـــد    وْهُمّا عدُوكْ لْيكْرْهُو بايّــامي
هذا الجزء وسابقاه من سلسلة أعلام الشعر الملحون بمنطقة وادي سوف يشكل مرجعا هامّا لكل دارس، أو مطلّعٍ على الأدب الشعبي بهذه المنطقة الغنية بالتراث الثقافي سيّما الشعبي منه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  لن تكون أية لغة "صعبة" بعد الآن بفضل هذا الاختراع الياباني الذكي كتب: بشير خلف        يُعدّ التحدث بلغة أجنبية مهارة مطلوبة ...