الجمعة، 1 مارس 2013

لقاء خاص مع رئيس المجلس الإسلامي الدكتور أبو عمران الشيخ


لقاء خاص مع رئيس المجلس  الإسلامي

الدكتور أبو عمران الشيخ

هذه الحلقة من سلسلة ” لقاء خاص” ليست كمثيلاتها التي جاءت على صفحات ” صوت الأحرار ” حيث و لأول مرة نجري حوارا مع شخصية تتقلد مسؤولية رسمية في الدولة و هو رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الدكتور أبو عمران الشيخ الذي استضافنا في مكتبه بكل صدر رحب و كان بحق ذلك المثقف العقلاني المتواضع الذي عرفناه من خلال كتبه وأبحاثه ومقالاته طوال عقود، وكما أطلعنا على سيرته الذاتية فهو من مواليد سنة 1924 بالبيض التي زاول بها تعليمه الابتدائي من سنة 1934 إلى سنة 1940 ثم واصل دراسته الثانوية بوهران ما بين سنة 1941 و 1944 وهي السنة التي تحصل فيها على شهادة البكالوريا ليلتحق بكلية الآداب بالجزائر العاصمة و يتحصل على شهادة الليسانس في الفلسفة سنة 1948 و بعدها على شهادة الليسانس في الآداب سنة 1954 ليرحل بعدها إلى جامعة السوربون التي نال بها شهادة الدراسات المعمقة سنة 1956 والتي أعقبتها سنة تربص إلى غاية سنة 1957 لينال شهادة دكتوراه بدرجة مشرف جدا حول بحثه عن المعتزلة سنة 1974 الذي يعود إلى سنة 1966 .

من الوظائف التي تقلدها الدكتور أبو عمران الشيخ بعد التدريس و التعليم، منصب مستشار وطني في الثقافة سنة 1990 ليتسلم حقيبة وزارة الاتصال و الثقافة سنة 1991 في حكومة سيد احمد غزالي و بعد استقالته منها ترأس اتحاد الكتاب الجزائريين من سنة 1995 إلى سنة 1996 و آخر منصب يتولاه اليوم هو رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى الذي عُين به بتاريخ 02 جوان من سنة 2001 من قبل رئيس الجمهورية .

     للدكتور أبو عمران عدة أعمال و مساهمات ثقافية أهمها بحث حول ” مشكلة الحرية الإنسانية” و ” الفكر الإسلامي نظرة شاملة مع لويس غاردي ” و ” الأمير عبد القادر، المقاوم و الإنساني” و ” قضايا في التاريخ و الثقافة ” الذي هو تحت الطبع، هذا و يجري التحضير لإعادة طبع كتابه الذي نال به الدكتوراه حول المعتزلة بعد مراجعته و إدخال بعض التعديلات عليه…

س: في البداية نسأل الدكتور بوعمران بحكم كونه تربى في المدرسة الكشفية، كيف تعلق على برتوكول التعاون الذي تم التوقيع علبه هنا بالجزائر يوم 30 جانفي الأخير بين الكشافة الإسلامية الجزائرية والكشافة الفرنسية؟

 ج: فعلا وبطلب من القائد العام للكشافة الإسلامية نور الدين بن براهم، استقبلت هذا الوفد الكشفي الفرنسي الذي هم على المذهب الكاثوليكي كلهم من مستوى عالي من القيادة، وهذا الموقف من هذا الجناح يذكرني بالليبراليين وقد كانوا أقلية وهم الذين حاولوا التقارب معنا أثناء ثورة التحرير المباركة وقد صرح دون أن يفصح ممثلهم الكاردينال ديفال آنذاك من أنه “لا بد أن تكون الجزائر أرض سلام وتحل قضيتهم وفق مقاييس مبنية على العدالة”، أما عن هؤلاء اليوم فإنهم يمثلون الكاثوليكيين اليساريين الذين يجنحون إلى الاعتدال، ولقد انتهزت الفرصة لأثير معهم نقطة جوهرية وخاصة وهو التعاون مع أبناء المغتربين من الجالية الجزائرية بفرنسا وذلك في مساعدتهم لتسوية بعض المشاكل الحياتية العادية مثل طلب السكن و العمل وسائر القضايا الاجتماعية.

إذن أؤكد أنني شجعت هذا الوفد على هذا التعاون في قضايا التربية السليمة وعلى القيم الروحية التي جاءت بها الديانتان المسيحية والإسلامية وذلك في مواجهة دعوات الإلحاد الهجومي والحركة الماسونية واللائكية المعادية للدين عموما، وتبقى العلاقة التي تجمع بيننا وبينهم دون الدخول في التفاصيل والفروع وفق ما جاء في قوله تعالى “لكم دينكم و لي دين”، وهنا لا بد وأن استدرك بالقول إنني طلبت من هذا الوفد العمل على الاتصال والتنسيق بالحركة الكشفية الإسلامية لفرنسا بما يخدم الجميع.

س: هذا الموضوع يجرنا لفتح ملف آخر وهو بما كان يسمى في البداية “حوار الأديان”، وجاء رئيس الجمهورية الإسلامية محمد خاتمي ونادى بضرورة “حوار الحضارات”، ثم أعقبه رئيس الحكومة الاسبانية زاباتيرو ليطرح مشروع ” تحالف الحضارات “، والسؤال الذي يطرح اليوم هو كيف يمكن أن تتحالف حضارتان غير متكافئتين ولا متوازيتين من حيث القوة، والتقدم العلمي والمادي وأقصد تقدم العالم الغربي المسيحي وتخلف العالم الإسلامي بغض النظر عن القيم التي يحملها؟

ج: هذه ملاحظة في محلها ولكن نحن نتعامل مع الواقع، فلقد سبق وأن جاءتنا نظريات خاطئة من اليمين المسيحي بأمريكا ومنها فكرة “صدام الحضارات” والمتصفح لتاريخ الحضارات يشهد أن هناك فترات قليلة التي شهدت فيها حروب وصدامات مقارنة بالفترات التي ساد فيها السلم والتعاون والتفاهم. وسبق وأن بادرنا من جهتنا على مستوى المجلس الإسلامي الأعلى شهر مارس من سنة 2003 في عقد ندوة دولية حول “شروط الحوار المفيد” فيما بين الحضارات والديانات والثقافات وأشغال هذا الملتقى كلها طبعناها في كتاب من ثلاثة أجزاء، كما عقدنا ندوة أخرى حول “العولمة وأثرها على الثقافات عموما وعلى الثقافة الإسلامية بصفة خاصة”.

وعليه هناك خطورة بالغة لو تبنينا العولمة كما هي مطروحة علينا، فلا بد من غربلتها والاستفادة من إيجابياتها و طرح كل ما هو سلبي لا يتوافق مع هويتنا وهذا حتى نتمكن من الحفاظ على خصوصيتنا؛ إذن هناك قواسم مشتركة بيننا و بين المسيحيين فيما له علاقة بحياة الإنسان ككائن في هذا الوجود، كموضوع المحافظة على البيئة من التلوث الذي أضحى يهدد صحة و حياة الإنسان، كذا في قضية محاربة الجهل بتوفير وسائل التعليم و التربية، و في مكافحة الفقر و ذلك بتمكين ضفة الجنوب من العيش الكريم بمثل ما هو متاح في ضفة الشمال، و لا يجب أن نقبل عدم التوازن الموجود بين الضفتين، إذن ما يمكن أن نشدد عليه، هو أن نتعاون في هذه المسائل الثلاث التي ذكرتها لك لخدمة الإنسان كيفما كان دينه أو عرقه مع مقاومة الظلم بكل صوره و أشكاله الذي قد يقع على الشعوب مثل قضية فلسطين و العراق و غيرها من الدول التي تتعرض للاستعمار الجديد الذي تقوده أمريكا كما هو معلوم .

س: و هل هناك خطوات أو مؤشرات إيجابية في هذا الاتجاه ؟

ج: هناك خطوات و لكنها لازالت ضعيفة و دون المستوى المطلوب، و في المدة الأخيرة من شهر أكتوبر الماضي شاركت في ملتقى قرطبة في إطار ندوة أشرفت عليها مؤسسة أوروبية موضوعها ” محاربة الإسلاموفوبيا” ، فأتيحت لي ثلاث دقائق لأخذ الكلمة والتي ركزت فيها على نقطتين اثنتين وهي: أنه يجب محاربة الإسلاموفوبيا بطرق تربوية و ذلك بمراجعة الدول الأوربية لمناهجها الدراسية وهو حذْف كل ما قد يسيء للأديان و للديانة الإسلامية من تعصب ،و التعصب كما تعلم يبدأ من الصغر و كما جاء في الحديث ” التعلم في الصغر كالنقش في الحجر”، أما المسألة الثانية فهي مطالبة الدول الأوروبية بسن قوانين تعاقب كل من يتهجم أو ينتقص من قدسية الأديان الثلاثة مهما كانت اختلافاتها وإن كان القاسم المشترك بيننا هو الوصايا العشر المعروفة عالميا .

س: هل ترى أنه من الضروري إصدار قرار أممي يمنع و يعاقب كل من ينتهك حرمة الأديان بدل أن تسن كل دول قانونا لوحدها ؟ و ما دام الأمر كذلك لماذا لا تتقدم الدول الإسلامية وهي المعنية بالدرجة الأولى بإجراءات عملية وذلك بتقديم مشروع قرار ذو صلة بالموضوع على مستوى جمعية الأمم المتحدة بدل ذهابها لخيارات التنديد و الشجب الذي يبقى أسير الخطب ؟

ج:أنا أؤيد إصدار قرار أممي في هذا الشأن و على الحكومات تطبيقه في شكل قانون و قد طالبت بذلك في ندوة قرطبة كما ذكرت لك سلفا، هذا و لا بد على الدول الإسلامية أن تتحرك في هذا الاتجاه دون تأخير أو تباطؤ،و هذا لقطع الطريق أمام الدعوات العنصرية و الصليبية كالتي تلفظ بها حتى بعض كبار الساسة في العالم مثل الرئيس الأمريكي بوش، و رئيس الوزراء الإيطالي برلوسكوني و آخرها لبابا الفاتيكان بينديكت 16 الذي أساء إلينا إساءة بليغة في محاضرته الشهيرة وهو يتهم فيها الإسلام والرسول صلى الله عليه و سلم بالعنف و بمجافاة العقل وهذا الذي صدر منه في نظري وفي نظر حتى كثير من العقلاء في الغرب تعصب ممقوت وغير مقبول ولا يليق أن يصدر من رجل في مكانة البابا بل وغير مفيد ولا يشجع على الحوار معه ، وهذا الذي نلاحظه هو نتيجة تراكمات من التعصب الذي يعود لقرون عديدة و الذي تحول إلى حاجز يحول بيننا و بينهم يجب تكسيره بالحوار بالتي هي أحسن و بالتربية و بالعلم و باللقاءات التي تجمع بين ممثلي الديانات الثلاث و على العالم المسيحي من جهته و دون نية سيئة بذل كل الجهد

و الاجتهاد للتعرف على حقيقتنا المشرقة التي جاءت بها رسالة الإسلام رحمة مهداة للعالمين جميعا كما اجتهدنا نحن من جانبنا كعلماء و فقهاء و مثقفين للتعرف على اليهودية والمسيحية التي صححها الإسلام.

س: في نفس سياق هذا الحديث ..الدكتور أبو عمران ، في الوقت الذي يمد فيه العالم الإسلامي يده للسلام و للحوار و للتعايش المشترك، يقابل بتحركات استفزازية من قبل الغرب تسيء لديننا ، مثل ما موقع في مؤخرا في أوروبا و في الدنمرك تحديدا من نشر الرسوم كاريكاتورية تسيء لشخص رسولنا الكريم و في المدة الأخيرة سمعنا أن أحد السياسيين بهولندا يعتزم إنتاج فيلم يطعن في القرآن الكريم، ما هو تفسيرك لذلك، مع الإشارة أن بعض المراقبين حذر من أن كل ذلك ما هو إلا سيناريو لجر المسلمين إلى القيام بردود فعل تظهرهم أمام الرأي العام العالمي على أنهم همجيون ،ما هو موقفك من ذلك ؟

ج: إن الحرب على الإسلام ليست وليدة اليوم بل تعود إلى العصر الوسيط زمن الحروب الصليبية و محاكم التفتيش و التشجيع على غزو الدول الإسلامية و احتلالها، و في هذا المقام لا نجد من المسلمين عموما سوى الجدال بالتي أحسن و التحلي بقيم الحوار التضامن و التسامح و عند دراستنا للإنجيل نجد كيف يذكر العنف بكثرة في سلوكيات أصحاب الديانات الأخرى، أما عن المسلمين فإن الله ذكر أنه لا يحب المعتدين إلا من ظلم و اعتدي عليه و الجهاد عندنا هو جهاد دفع و ليس بجهاد هجوم على الغير من دون ضوابط، و أنا أحظر لمقالة في هذا الموضوع.

س: و نحن نناقش العنف و الاعتداء الذي يتعرض له المسلمون، أقدمت إذاعة القرآن الكريم على فتح قناتها لإجراء حوارات مع كبار شيوخ السلفية بالجزائر حول الاعتدال و الوسطية في الإسلام لمحاربة و محاصرة العنف و الفكر المتطرف الذي يتبناه بما يسمى ” بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، هل توافق الرأي الذي يقول أن هذه المبادرة غير كافية و لا يمكنها أن تؤدي الغرض المطلوب، و ما هو دور و مساعي المجلس الإسلامي الأعلى في ذلك ؟

ج:يمكن القول أن ما تقوم به إذاعة القرآن الكريم حتى و إن لم يكن كافيا فإنه مهم في محاربة الجهل الذي هو أساس كل بلاء و المبادرة تستحق كل الدعم و المساندة، أما على مستوى المجلس فكنا و لازلنا ندعوا كل العلماء و الخبراء من مختلف الثقافات و الديانات لعقد ملتقيات سنوية تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية الذي يعطيها كل اهتماماته و هذا لغرس قيم التسامح و الاعتدال و الحوار بالتي هي أحسن مع غيرنا و فيما بيننا كمسلمين دون حيف أو ظلم في حق أحد ما دام الله تعالى قد حرم الظلم حتى على نفسه فقال « يا عبادي إني جعلته بينكم محرما “.

س: في موضوع ذو صلة، سبقت و أجرت قناة المصرية الأسبوع الماضي في حصة ” البيت بيتك” حوارا مع نجل أسامة بن لادن، حمل فيها المسئولية للعلماء لأنهم لم يجتمعوا لإصدار بيان مشرك يدينون فيه أفعال والد ه و ما يحمله من مشروع متطرف تحت غطاء ” القاعدة”، هل توافقه على ذلك و هل ترى أنه من الضروري كما صرح على علماء الأمة فتح قنوات حوار مع بن لادن و مقارعة الحجة بالحجة ؟

ج: صحيح هناك نوع من الجمود لدى بعض العلماء، و مع ذلك فإن الذين يتبنون الفكر المتطرف الذي يستخدم العنف هم أقلية بالمقارنة مع ما أجمع عليه غالبية علماء الأمة و إذا كنا منصفين فإجماع الأغلبية مقدم شرعا و عقلا على الأقلية و نفس الشيء يصدق على الديانات الأخرى، و نحن لم نقصر في إبداء رأينا و مواقفنا عبر الندوات و المقالات و الكتب.

س: الدكتور أبو عمران بحكم أنك شخصية ثقافية متكونة تكوينا فلسفيا عقلانيا، لماذا حسب رأيك فشلت النخب المثقفة في العالم العربي أمام الخطاب الأصولي الذي يستند على النقل على حساب العقل و ما الأمر الذي جعل دعاة الحداثة يتقهقرون و ينهزمون و ينكمشون في وجه هذا التيار ؟

ج :رغم مرور العشرات من السنين لا زالت رسالة أمير البيان شكيب أرسلان” لماذا تأخر المسلمون و تقدم خيرهم؟ ” صالحة اليوم كمرجع أساسي شخص فيه الأسباب و العلل التي جعلت المسلمين يتأخرون و غيرهم يتقدم لما أشار إلى جمود الفقهاء و إلى الجهل و الاستبداد، و الذين جاءوا من بعده من المفكرين و العلماء و الباحثين لم يضيفوا شيئا جوهريا جديدا و إنما مجرد فروع و تفاصيل فرضتها الأحداث التي أعقبت وفاته، و رسالته رحمه الله القليلة في الحجم المهمة في المحتوى نحن بصدد ترجمتها إلى الفرنسية لطبعها و نشرها على نطاق واسع حتى تعمم فائدتها.

س: مادمنا نتحدث عن أسباب تخلف المسلمين، دعنا نشير لما له علاقة بظاهرة الفساد الذي طغى في البلاد، يرى بعض المحللين و الباحثين مثل الدكتور محمد بن بريكة ، أن السبيل لمحاربة الفساد و القضاء عليه أو على الأقل محاصرته هو بالعودة إلى التصوف و يشير ضمنيا في العديد من محاضراته أن الأحزاب لا يمكنها القيام بهذا الدور و كأنه يريد أن يلغي الأحزاب السياسية من الساحة، ما ردكم على هذا الطرح و هل ترون أن هناك مبالغة في إعطاء الحركة الصوفية هذا الدور الذي هو أكبر من إمكانياتها و نحن في الألفية الثالثة ؟

ج: في الحقيقة التصوف السني الذي يعتمد على الكتاب و السنة و على اجتهادات العلماء الكبار شيء مهم و محمود و لكن لا يجب رغم كل ذلك أن نبالغ في هذا الاتجاه، لأنه يوجد كذلك انحرافات حتى في التصوف و أقصد التصوف الشعبي الذي يدعوا إلى الدروشة و الخرافة و التي حاربها الشيخ ابن تيمية و الإمام الغزالي و الشيخ عبد الحميد ابن باديس الذي في الحقيقة خلصنا من زوايا الخرافات التي لم تكن علمية و هي كما قلت الزوايا الشعبية التي يطغى عليها طقوس الزيارات و الزردة، أما إذا سألتني عن الزوايا العلمية التي تغرس الأخلاق في النشء منذ الصغر فأقول لا بد منها و أقصد بها الرحمانية و التيجانية و الهبرية و القادرية التي بها مناهج تدريس و تكوين لا بأس بها و تتوفر على إطارات كفئة التي يشتغل بعضها اليوم في العديد من مناصب المسئولية في الدولة ومع ذلك هذه الزوايا العلمية لا يمكن لوحدها أن تقوم بالمهمة و إنما يتم ذلك بالتنسيق و التعاون و التكامل مع المساجد و المدارس لتلقين القيم النبيلة التي جاء بها ديننا لبناء المواطن و الإنسان الصالح دون الانخراط و التواطؤ مع السياسات الفاسدة للأنظمة و إنما لخدمة الصالح العام.

س: و لكن يا دكتور كيف أنه رغم الإمكانيات المتوفرة لدى جمعيات الزوايا، لا زالت ظاهرة التنصير و بالخصوص في منطقة القبائل تقلق الرأي العام و السلطة ..ما هي خلفية بروز هذه الظاهرة، هل هي لأسباب مادية بحتة أم هناك مخطط سياسي وراء ذلك، و ما هو المطلوب لمحصارة هذه الظاهرة ؟

ج: لقد أثير معي هذا الموضوع في حصة تحولات الإذاعية الأسبوع الماضي، و التنصير عندنا قديم منذ عهد الاستعمار و أنت تعلم تاريخ الآباء البيض عندنا إلى جانب الاستشراف كذلك الذي هو أمر خطير شوه كثيرا من تعاليم الإسلام و كان الدعامة الأساسية التي اعتمدت عليها كثيرا الحركات التنصيرية، و التنصير جاء من عقدة لدى الكنيسة الكاثولكية التي ادعت على لسان بابا الفاتيكان أنها الكنيسة التي لها الحق في النفوذ حتى على الكنائس الأخرى من المسيحية و هذا مما خلق ردود فعل من هذه الأخيرة التي اعترض على هذا التوجه لأن المسيحية شيء واحد و الأصول فيما بينها مشتركة و إن اختلفت في الفروع و هذا موضوع آخر..أعود إلى التنصير بالجزائر فأقول أن الحركات الوطنية كلها حاربته و أذكر أنني و أنا في الكشافة الإسلامية تصدينا للآباء البيض الذين كانوا يستغلون الظروف الاجتماعية للمواطن لإدخاله في النصرانية و هذا الذي تفعله الحركة التبشيرية التي تستغل فقر و عوز و حاجة الناس و نحن من جانبنا لا نطالب المسيحيين بالدخول في الإسلام أو باستغلال ظروف بعضهم و إنما يعود ذلك إلى اقتناع كل واحد بهذا الدين حسب ما يصل إليه عقله من بحث و اجتهاد و لكن يجب التأكيد أن كل ديانة تستحق الاحترام لاعتمادها على النصوص المقدسة و استجابة لله الذي أمرنا في القرآن الكريم باحترام أهل الكتاب و لكن هذا الاحترام يجب كذلك أن يكون متبادلا بيننا و بينهم و ليس من طرف واحد فقط .

س: و لكن يا دكتور و بكل وضوح ،هل اعتناق شبابنا للديانة المسيحية هو لدوافع مادية فقط و ما هو الواجب الملقى علينا أمام ذلك ؟

ج: أنا أظن ذلك يرجع للفراغ الذي يعيشه شبابنا و بكل صراحة يوجد تقصير من بعض أئمة المساجد و من بعض مؤسسات الدولة و لانتشار البطالة و الفقر و العامل المادي له دور كبير في ذلك و الدولة تبذل كل جهدها لمحاربة هذه الظواهر السلبية.

س: هناك من يتهم وزارة الشؤون الدينية بهذا التقصير، ماذا ترد ؟

ج: أنا لا أتهم أحدا و إنما أعترف أن التقصير هو من الجميع بما فيها مناهج التربية الوطنية التي لا تركز على ترسيخ العقيدة الصلبة في قلوب و عقول النشء منذ الصغر لتحصينه مدى حياته من أي ردة محتملة.

س: هل توافقون بعض الفقهاء الذين أسقطوا حد الردة في حق من بدل دينه من الإسلام إلى المسيحية بحجة أنه لا يوجد دليل في الكتاب و السنة ما ينصّ على حد الردة و هو القتل هذا زيادة على أن حرية المعتقد مكفولة لكل إنسان دون إكراه ؟

ج: بحكم تكويني العقلي و الفلسفي أعود إلى قوله تعالى ” لا إكراه في الدين..من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر ” و التشدد عند بعض الفقهاء و أنا لست من أهل التشدد لا يفيد، و إنما يجب معالجة ذلك بالتي هي أحسن و بالتوعية و الدعوة و قد ظهر أنه من حين إلى آخر يأتينا خبر و هو أن بعضا ممن تنصروا عادوا إلى دينهم الأصلي و هو الإسلام و من ألف في الموضع كتابا يشرح كيف أنه غرر به و كان على خطأ ثم هداه الله مجددا بالعودة إلى الإسلام ؟

س: و ما رأيكم كرئيس للمجلس الإسلامي الأعلى حول إجهاض المغتصبة و هل من ضوابط تضعونها لذلك ؟

ج: لقد أصدر المجلس في عهد الدكتور عبد المجيد مزيان فتوى تبيح ذلك للضرورة وفق قاعدة ” للضرورة أحكام ” مع مراعاة المصالحة و السؤال : ما هو ذنب المغتصبة التي أكرهت على ارتكاب الفاحشة بدون إرادة منها ، فلا بد من الأخذ بأيديهن و التخفيف عليهن مع محاربة الذين يتسببون في ارتكاب مثل هكذا جرائم ، و في ظل ذلك كله لا بد من وضع ضوابط للإجهاض و لا نفتح الباب للتسيب و لا بد بهذا الخصوص من دراسة وافية لهذا الملف و من كل الجوانب بالاعتماد على جميع العلماء في العالم و لسنا وحدنا في هذا الموضوع .

س: دائما السيد الرئيس و نحن نناقش مثل هكذا ظواهر سلبية، ما هو رأيكم حول من راح ضحية مغامرته في ركوب البحر أو بما يسمى” بالحراقة ” و توفي أثناء الرحلة ..هل أنتم مع من حرم ذلك و أدخلهم في حكم المنتحر ؟

ج: أولا لا بد و أن نشفق على هؤلاء و لا نقسو عليهم أو نحكم عليهم بفتوى دينية، بل و نترحم على كل من راح ضحية هذه المغامرة أما الأحياء منهم فلا بد من الأخذ بيدهم و توعيتهم و تبصيرهم و تذكيرهم بقوله تعالى ” و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ” دون أن نقفز على ضرورة دراسة و معالجة الأسباب التي دفعت لانتشار ظاهرة ” الحراقة” مثل الفقر و البطالة و السكن و الحقرة في بعض الدوائر كما نقرأ ذلك في شكاوى بعض المواطنين في الصحف…فهؤلاء الشباب مهما كان الأمر سواء غرر بهم أو كانوا على خطأ، فهم منا و نحن منهم و لا بد من الاستماع إلى انشغالاتهم و كسبهم و احتضانهم و معالجة المرض من الأساس دون استخدام العنف معهم .

س: ما الذي تحقق من التوصيات التي خرج بها الملتقى الدولي الذي نظمه المجلس الإسلامي الأعلى حول المرحوم مالك بن نبي في الفترة ما بين 18 و 20 أكتوبر من سنة 2003 و بالخصوص ما جاء فيه على نشر أعمال بن نبي المخطوطة ، و محاضراته المكتوبة و المسجلة صوتيا داخل الوطن و خارجه، و إصدارها في قرص مضغوط سيدي، و على إنشاء مركز للبحث العلمي ، باسم مالك بن نبي ، يعني بفكره و تراثه، و على إحداث جائزة سنوية تعني بالدراسات الحضارية تدعى ” جائزة مالك بن نبي ” ؟

ج: بمناسبة الملتقى حول المفكر العظيم بن نبي ـ اقترحنا على أصدقائه و أفراد أسرته العمل على تأسيس مؤسسة تحمل اسمه و بعدما اجمعنا معا في بيته رحمه الله اتفقنا أن يكون على رأس هذه المؤسسة الدكتور عمار طالبي، و لكن يظهر انه فيه بعض المشاكل بين أفراد أسرة المرحوم لم تسو بعد، و لكن ما أؤكد عليه هو أن المشروع جاهز بقانونه الأساسي و نحن دورنا هو تقديم المساعدة لمثل هذه المؤسسات العلمية والثقافية، و هذا الرجل العظيم مالك بن نبي لا بد علينا من أن نحيي ذكراه و ننصفه و قد سبق للمجلس و أن أصدر كتابا باللغتين العربية و الفرنسية حول فكره و أعماله التي تم تداولها في الملتقى، و هكذا الحال بالنسبة للمرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم،.. فدورنا هو أن نشجع و نثمن المعنيين بالأمر من المثقفين و نساعدهم بقدر المكان.

س: مع ذكر هؤلاء الأعلام الكبار رحمهم الله، مرت الذكرى السابعة على وفات صديقكم الذي كان يتولى هذا المنصب قبلكم الدكتور عبد المجيد مزيان و كانت دون المستوى الذي يتناسب و قيمة هذا الرجل العظيم ..هل توافقني الرأي في ذلك و لماذا ؟

ج: لقد شاركت من جاني بمقالة بمناسبة ذكراه الكريمة، و في الحقيقة أوافقك الرأي و الارتجال جاء من منظم الندوة و هو المركز الثقافي الإسلامي الذي لم يجر الاتصال بالمعنيين بالدرجة الأولى و هم و وزارة الشؤون الدينية و جمعية العلماء المسلمين و وزارة الثقافة و في مثل هذه الحالات لا بد من مكتب تنسيقي بجمع بين هذه الجهات كما قلت لك حتى يتحقق الهدف المنشود من إحياء الذكرى و لا تمر مرور الكرام.

س: من موقعكم كشخصية تولت عدة مناصب المسؤولية في الدولة، لماذا تعطلت في رأيكم نصوص تطبيق قانون اللغة العربية في مؤسسات الدولة,,,و هل توافقون ما ذهب إليه البعض و منهم الدكتور عبد الله الركيبي والدكتور أحمد بن نعمان أن اللوبي الفرانكفوني هو الذي يقف أمام ذلك للحفاظ على مواقعه و مصالحه ؟

ج: هذا الموضوع سبق و إن أثاره في عدة مناسبات المجلس الأعلى للغة العربية و قد كنت حاضرا معهم و هم محقون في إثارة هذا الموضوع، و قد حاول رئيس المجلس الدكتور العربي ولد خليفة و جماعته الاتصال بالجهات المعنية و لكن لا يمكن أن نسجل أن هناك حركة قوية و واضحة لإعادة الاعتبار للغة الوطنية، كما أن هذا راجع لنوعية الإطارات في بعض المؤسسات التي لم تتكون باللغة العربية و طغت عليها اللغة الفرنسية و مع توليهم لمناصب حساسة في الدولة ضغطوا على إبقاء اللغة الفرنسية و إن كنا محتاجين لتعدد اللغات و في مقدمتها اللغة الانجليزية و لكن لا بد من أن نطلب من المجلس الأعلى للغة العربية من أن يبادر و يطالب بتطبيق قانون استعمال اللغة الغربية و نحن نؤيده و نسانده في ذلك ما دام لدستور ينصّ على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة ، أما عن مؤسستنا فكل تصريحاتنا و أعمالنا تطبع باللغة العربية ثم يترجم البعض منها للضرورة و الحاجة إلى اللغة الفرنسية لتعميم الفائدة .

س: نعرف عن الدكتور أبو عمران أنه تحصل على شهادة الدكتوراه حول بحثه عن المعتزلة ..أين هذا الكتاب الذي لا نجد له أثرا على رفوف المكتبات و في السوق في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة لإحياء تراث هذه المدرسة العريقة ؟

ج: هذا الكتاب بحول المعتزلة كان حول تحضير رسالة الدكتوراه بجامعة السوربون سنة 1974 و الذي يعود البحث في شأنه إلى سنة 1966 و قد اعتمد ت في ذلك على مصادر و كتب المعتزلة بالذات و ليس على ما كتب عنهم الأشاعرة و قد اعتمد ت بالأساس على موسوعة القاضي عبد الجبار، و الشيء الذي يهمني في هذه المدرسة هو حرية المؤمن في الاعتقاد و في تحمل مسؤولية القرارات و الأعمال التي يقوم بها الإنسان و هذا التوازن الذي وصل إليه المعتزلة بين مشيئة الله و إرادة العبد اعترف به ألذ خصوم المعتزلة و هو الإمام ابن تيمية الذي صرح في أحد رسائله التي عثرت عليها أنه” في هذا الموضوع المعتزلة هم أقرب إلى الصواب” و حتى الأشاعرة أنفسهم عدلوا من موقفهم من المعتزلة و هكذا ربحنا معركة الجمع بين النقل و العقل التي أفرد لها الفيلسوف ابن رشد كتابا خاصا بعنوان ” فصل المقال فبما بين الحكمة و الشريعة من اتصال “.. ، أما عن كتابي فهناك مشروع لإعادة مراجعته و طبعه في القريب العاجل باللغة الفرنسية و العربية إن أمكن.

س: سؤال يتعلق بتوليكم منصب وزير الاتصال و الثقافة في حكومة سيد احمد غزالي سنة 1991، كيف تفسرون قصر المدة التي توليتم فيها المسئولية و التي لم تتعدى أربعة أشهر؟

ج: كمثقف أولا و قبل كل شيء تربى في حضن الكشافة الإسلامية عندي من المصداقية مما لا يمكنني أن أمشي مع ما يتعارض و قناعاتي و منها أننا كنا مقبلين على انتخابات ديسمبر و بناء عليه كنت من الذين يرون أن الحكومة المقبلة ستشكل من الأغلبية التي سيشكل منها البرلمان ،فما كان مني إلا أن قدمت استقالتي لرئيس الحومة بتاريخ 16 أكتوبر 1991،و حتى لما كنت وزيرا آنذاك لم أتمكن إلا من زيارة أربع ولايات جمعت من خلالها كل الطلبات و الاقتراحات التي تقدمت بها الأسرة الإعلامية و الثقافية و تقدمت بها للحكومة و هي إلى اليوم لازالت مجمدة و يظهر أن لا حظ للثقافة و للمثقف في الجزائر و هذه ذهنية تعود إلى ما قبل الاستقلال، و في تصوري الخاص لا خلاص لنا إلا بإعطاء الثقافة وللمثقف الصدارة و لا أن يبقى ” خضرة فوق عشاء” ، فالثقافة هي الهرم الأول ثم يليه الاقتصاد ثم تأتي السياسة و لكن مع الأسف الشديد عكسنا الآية ولا تستقيم الأوضاع إلا بتقويم هذا الاعوجاج، والمثقف ليس من مهمته منازعة السياسي لتولي السلطة و إنما دوره هو إنارة الرأي العام بقضايا الساعة للضغط على السياسي الذي عليه واجب الاستجابة لانشغالات النخب المثقفة و الشعب .

س: بحكم أنك مثقف الدكتور أبو عمران و سبق و أن كنت وزيرا للثقافة، ما هو تقييمك لتظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية ؟

ج: الميزة الوحيدة التي يمكن أن نسجلها و نثني عليها في هذه التظاهرة هي الاعتناء بطبع الكتاب على مستوى واسع مما جعلنا نتعرف على كثير من أعلامنا و تراثنا، أما الباقي فلقد طغى عليه الفلكلور والرقص والطبل والغناء وأنا في رأيي أن هذه كلها أمور ترفيهية، والغائب وسط ذلك كان الثقافة الحقة التي تتميز بالجدية العلمية و البحث و النشر و بإبداء حوارات الرأي و الرأي الآخر و التحليلات الدقيقة .

س: في الأخير ما هي الرسالة التي توجهها لمعشر المثقفين ؟

ج: الرسالة التي أوجهها للمثقفين بصفتي واحدا منهم كما تفضلت، هي أن يعتمدوا أولا على أنفسهم وعلى اجتهادهم وأن يعملوا على نشر الثقافة بأسلوب شفاف وحضاري يتقبله الناس بسهولة ولا يهتمون كثيرا بسياسة الأحزاب التي لها أهلها ومجالها و مناضلوها و ممثلوها في البرلمان ليؤدوا دورهم المحدد لهم دستوريا، و ما دام الأمر كذلك لا يجب أن ينشغل المثقفون بالشؤون الحزبية وإنما بمصالح الأمة ليتحرروا من الضغوط السياسية وهكذا يفيدون الرأي العام حتى يصل صوته لأصحاب القرار و من ورائه تتحقق المنفعة العامة.

بهذه الوصايا الحكيمة من رجل تجاوز العقد الثامن من عمره و مع ذلك لازال يحتفظ بحيوية يحسد عليها ختمنا لقاءنا بالشيخ الشاب الدكتور أبو عمران الذي رفض أن يشيخ متحديا الزمن بحيويته التي طبعها بأبحاثه و ندواته و محاضرته و بأناقته كذلك، و إنه بحق قدوة قل نظيرها اليوم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ـ أجرى الحوار الأستاذ عدة فلاحي مع الدكتور الشيخ أبوعمران
* جريدة صوت الأحرار: 11/ 02/ 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  لن تكون أية لغة "صعبة" بعد الآن بفضل هذا الاختراع الياباني الذكي كتب: بشير خلف        يُعدّ التحدث بلغة أجنبية مهارة مطلوبة ...