السبت، 2 مارس 2013

الملتقى الوطني الثالث للشعر الفصيح في كتاب

الملتقى الوطني الثالث للشعر الفصيح في كتاب


بقلم: بشير خلف


ما أكثر الملتقيات الفكرية والإبداعية التي تنظم في بلادنا كل سنة سواء في الجامعات، أو من قبل الوزارات ومديرياتها  الولائية، أو هكذا من الجمعيات الثقافية الوطنية والولائية، وبطبيعة الحال فالعديد من هذه الملتقيات ذات منحى أكاديمي راقٍ، غير أنها بمجرّد اختتام فعالياتها يختفي وهجها، وبمرور الأيام تصبح ألاّ حدث ، لا يستفيد منها منظموها معرفيا، ولا المشاركون فيها، ولا الآتون من الأجيال الجديدة..والسبب واضحٌ جليٌّ أننا ــ وهذا معروف ـ أننا لا نعير اهتمامًا للتدوين والتوثيق.
       
إن المشهد الثقافي بولاية الوادي شذّ عن هذه القاعدة منذ سنوات، حيث أيّ فعْل ثقافي مهما كان نوعه بمجرّد اختتامه تُجمع مداخلاته، ومحاضراته وتصدر في كتاب لا يُباع، وإنما يوزع على نطاق واسع على المثقفين والمبدعين، والباحثين، ومديريات الثقافة، ودور الثقافة، وعلى وسائل الإعلام المكتوبة.
         
في هذا المجال وكعادتها في كل ملتقى فكري سواء تعلق الأمر بالشعر الفصيح، أو التراث الثقافي، أو مهرجان الأغنية السوفية؛ هاهي مديرية الثقافة بولاية الوادي تصدر كتابا جديدا حول الملتقى الوطني الثالث للشعر الفصيح الذي انتظم في شهر مارس من السنة الفارطة 2011  تحت شعار" توظيف الثقافة الإسلامية في الشعر الجزائري المعاصر"..أصدرته هذه الأيام وهي تحضّر للملتقى الوطني الرابع للشعر الفصيح الذي سيُنضّم أيام: 12/22/23 فيفري من هذه السنة تحت شعار" الشعر والحرية".

الكتاب..الشكل والمحتوى
            
الكتاب من الحجم المتوسط .. ورقٌ صقيل ناصع البياض..تصميم رائع للغلاف يتصدره حرف "ض" رمز اللغة العربية، وخلفية سماوية اللون صافية ..الكتاب في 144 صفحة. يتكون بعد التقديم وكلمة افتتاح الملتقى من الأستاذ حسن مرموري مدير الثقافة بالولاية من:
 1
 ــ القصائد . 2 ــ المحاضرات .3 ــ الشعر عبْر فضاء المسرح  4  ــ  من ذاكرة الملتقى ( صور تذكارية).
         
ومّا جاء في كلمة الافتتاح للأستاذ حسن مرموري مدير الثقافة :

«…. لقد جاءت هذه الطبعة بعد أيام من اليوم العالمي للغة العربية الذي حددته منظمة أليسكو وهو 01 مارس؛ وفي استضافة بلادنا لتظاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية التي تحتضنها مدينة تلمسان لسنة كاملة 2011.

ومنه إيمانا منا بمكانة اللغة العربية، وجمالها من جهة، وأهمية، ورمزية التظاهرة المذكورة من جهة أخرى أردنا أن تكون الحضارة والثقافة الإسلامية موضوعا لملتقانا الثالث لما لها من ثراء وتنوع، وأصالة وعمق في مجتمعنا وتاريخنا ،انطلاقا من المصحف الشريف إلى السنة بأنواعها،إلى الشخصيات الإسلامية إلى معالم…كلها تشكل اليوم مخزونا ثقافيا هائلا، ومرجعا لكل فكر، وإلهامًا لكل إبداع .
       
كان حلمنا كبيرا هذه المرة ،ذلك أننا عملْنا حتى آخر لحظة لجعل هذه الطبعة مغاربية إيذانًا للقفز بالطبعات القادمة إلى العالمية، وجعل من الوادي من أهم مراكز استقطاب المواهب، والخبرات، والأدمغة العربية في مجال الآداب والإيداع.»


القصائـــــــد
        في هذا القسم الذي يضمّ 26 قصيدة لفرسان الشعر تنافسوا بها على الفوز في مسابقة الملتقى ..شعراء قدموا من ربوع الجزائر..من تلمسان،وهران،الجزائر،برج بو عرريج، قسنطينة، جيجل،قالمة،المسيلة،أدرار،تمنراست، الوادي..وحتى تونس الشقيقة ممثلة بالشاعر جمال الدين صليعي بقصيد له بعنوان:نحاول ملكًا.. الجزائر كلها ممثّلة في الملتقى..بلابل صدحت بالكلم الطيب ..تغنت بالجزائر الحبيبة..شدت بالوطن العربي بأرض اليمامة، وبغزة الجريحة ..أخذت هذه القصائد من مساحة الكتاب الجزء الأكبر 88 صفحة.

      
الشاعر عبد الكريم العيداني من البرج يصدح بعبق تاريخ النيل ومآثره..ثم المآل الذي صاره:


"النيل" يجري  والسحاب  يدلله *** والنخل يرقص في الضفــاف وسنبله
وتدفــــــق للماء قبل الماء  في *** كتب السماء حتى الماء يجهــله
 وحكاية لـــــلخير جن  لذكرها   *** شعري و"نجم" إن حكاها تسعله


النيل يجري والشباك  مــــليئة  *** وتخونني مــــحبوبتي . . وتقبله
 النيل يجري والعيون حـــزينة  ***والشعب يظمأ  ، والسراب يكبله


كم ذاق مر ّالعيش يطلب عيشه *** كـــــم ذاق مر الجوع وهو يذلله
         
الشاعر عبد الحليم مخالفة من ولاية قالمة يهدي قصيده إلى سيّد شهداء المقاومة الإسلامية ..وزعيمها الروحي الشيخ الشهيد أحمد ياسين

هو لم يمتْ
  إني أشكُّ بما يروَّج بيننا
  عن موتهِ
  هو لم يمتْ
  إني أراه أرى الحواريّين حولهُ
  منصتين لصوتهِ
  هو لم يمتْ
  ما زلتُ أؤمن أنه لم ينتهِ
  فلعلَّ من قصفوه كان شبيههُ
  ولعلَّ من قتلوه كان شبيههُ
  ولعلَّ من دفنوه كان شبيههُ
  ولعلَّهُ
  لما يزل في الغار معتكفا يرتِّلُ
  سورة الأنفال للأجيال جهراً
  أو يدوِّن ما تلاشى
  من كلام الأنبياءْ
  أو ربما كان الإلهُ
  قد اصطفاهُ (مخلِّصاً)
  وقضى برفعه للسماءْ
  هو لم يمتْ
  سيعود فوق بُراقهِ
 متخضِّبا بدمائهِ

       
 الشاعر جمال الدين صليعي من تونس يستنطق هذا الوطن العربي عن قدسياته، وأمجاده، تتالى في قصيده وهّاجة مضيئة عبْر التاريخ..يستجمعها ويسائلها أبالإمكان ثورانها من جديد في" نحاول ملْكًا":

وَدُونَ مُلْكِكِ دَرْبٌ ظَلَّ سَالِكُهُ
  يَكْسُوهُ مِنْ غَيْظِهِ الطَّمَّاحُ مَا نَسَجَا
  لَوْ أَنَّ مِثْلَ نُفُوسِ النَّاسِ أَنْــــفُسُنَا
  كُــــنَّا خَشِينَا سَوَادَ الدَّرْبِ وَالدُّلَجَا
كُنَّا سَنَلْبَسُ مِنْ رَثِّ الرِّضَى خِرَقًا
وَجَاءَ ثَوْبُ رِضَانَا ضَيِِّّـــقًا حَرِجَا
لَكِنَّـــــــــــــنَا أُمَّةٌ عَزَّتْ مَنَابِتُهَا
فَلَيْسَ تَرْضَى هَوَانَ الحَالِ وَالعِوَجَا
هُنَا وَسِعْنَا كُــنُوزَ الفَضْلِ أَجْمَعَهَا
هُــــــنَا تَكَلَّمَتِ الدُّنْيَا وَمَنْ دَرَجَا
هُــــنَا تَرَجَّلَ جِبْرِيلُ البَهِيُّ، هُنَا
هُنَا تَدَفَّقَ قُرْآنُ السَّمَا لُـــــجَجَا
الشَّمْسُ تَعْشَقُ بَيْنَ العُرْبِ مَشْرِقَهَا
فَإِنْ تَوَارَتْ تَوَارَتْ عِنْدَهُمْ غَنَجَا
يَسْرِي العَبِيرُ خَــــلِيجِيًّا لِيَرْشُفَهُ
مَاءٌ لِأَهْلِكَ فِي البَيْضَاءِ، وَامْتَزَجَا
وَكَــــــبَّرَ الحَرَمُ الزَّاهِي بِكَعْبَتِهِ
فَصَلَّتِ القَيْرَوَانُ الفَجْرَ، فَانْبَلَجَا
وَشَائِجٌ كُلُّ أَسْبَابِي وَأَفْـــرُعُهَا
حَيَّاكَ غَرْسُكَ مَا أَدْنَى وَمَا وَشَجَا
قَامَاتُنَا النَّخْلُ وَالزَّيْتُونُ بَارَكَنَا
وَعِنْدَ أَنْهَارِنَا غَنَّى الهَوَى هَزِجَا
اللَّيْلُ وَالخَيْلُ وَالبَيْدَاءُ نَعْرِفُهَا
       الشاعر أحمد مكّاوي من الوادي صعب عليه تنائي محبوبته، فكانت عليه عصية وهو العاشق الولهان المتيّم بتا:

عصي على الجــرح أنـــــــــــــــــت

وأنت الذي في سماوات بوحــــــك

أسرجت صمتا له من معانيك شوق

ومن شجـــــــن الحرف أعلى مقام

مساؤك كان الندامى به يشرقـــون

وكأسك تشرب خـــــــــمر شفاهك

تستـــــــــطلع فيها الذي قد يكون

وصبحك من عــسل أسكرته التي

راودت فــــــــــــــي رؤاك أمانيك

أحــــــيت ســــــــــــنا الوجد فيك

وفـــــــــــــــــــيك انتضت خنجرا
      
ما فتئ الشاعر الكبير المتنبئ رغم رحيله منذ قرون يستلهم منه الشعراء نخوة العروبة، وعزة النفس، وقوة الفروسية، والإصرار في الدفاع عن الحمى ..هذا الشاعر والفنان أحمد عبد الكريم ينصّب المتنبئ أميرًا بامتياز:
  
كأني أرى المتنبي أميرًا،

له صولجان العبارةِ،

طلسمه الخيل والليل والعنفوان الأخيرُ.

يطلّ على شاشة التلفزيونِ

ببزّته العسكريهْ..

بعينين زائغتيِنِ

له لحية كثَّة ٌ..

واليدانِ على مصحفٍ وزنادِ.

كأني أرى المتنبي أميرًا

يقود الخوارج والزنج،

بيارقه السُّود في أفق ( أَلْمُوتَ ) خفَّاقةٌ
     
الدكتور الشاعر عيسى لحيلح في قصيد له بعنوان:" عنتريات"..يعيد السؤال الذي طرحه ذات زمن الشاعر عنتر منذ حوالي ألفي سنة، وهو يبحث عن الشعراء الفطاحل..الشاعر لحيلح وكأنه يعيد طرْح ذاك السؤال أيامنا هذه وهو الشاعر الفحل المتيّم باللغة العربية، وبالقصيدة الحقّة التي افتقدناها لمّا صار الشعر وسيلة للكسْب، وتحوّلوا تارة تجاه اليمين، وتارة أخرى نحْو اليسار..الشعر فقد ألقه حينما تحوّل إلى شعر غائم مضبّب، مرٍّ مذاقه كطعم العلقم، باسم الحداثة هدّموا روضة الشعر..عاثوا فيها فسادا..فلا الشعر الشعر، ولا النقد نقد..الشاعر داهمته محنة الشعر..فكانت محنته أشدّ إذْ هو مثل الأصمّ الأبكم :

هل غادرَ الشُّعَرَاءُ مــــــِنْ مُتَــــــرَدِّمِ "؟
َأعِدِ السُّؤَالَ .. كَأَنَّـــــــــــــــنِي لَمْ أَفْهَمِ
 هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مــــــــــُتَرَدِّمِ "؟


أَعِدِ السُّؤَالَ عَليَّ دُونَ تَــــــــــــــــلَعْثُمِ

أَعِدِ السُّؤَالَ "أَبَا المُغَـــــــــــــــــــــلِّسِ    
إِنَّنِي مِنْ مِحْنَتِي مِثْلَ الأَّصَمِّ الأَبْـــــــكَمِ
أُنْبِيكَ أَنَّ الشِّعْرَ صَوَّحَ رَوْضَهُ الــقُدْسِي    
وَالشُّعَرَاءُ مَحْضُ تَوَهُّــــــــــــــــــــــمِ
 وَلََّى اليَسَارُ مَعَ "اليَسَارِ" فَأَيـــــــْسَرُوا    

جِهَةَ اليَمِينِ وَرَاءَ رَنَّةِ دِرْهَـــــــــــــــمِ
يَتَقَيَّؤُونَ  حَاشَاكَ  شِعْرًا غَــــــــــائِمًا "
مُرٌّ مَذَاقَتُهُ كَطَعْمِ العَلـــــــــــــــــــــــْقَمِ
بِاسْمِ الحَدَاثَةِ هَدَّمُوا وَ تَــــــــــــــهَدَّمُوا
وَ تَبَخَّرُوا وَسَطَ الْكَلاَمِ الْمُعْـــــــــــــــتَمِ
وَ تَوَقَّحُوا بِاسْمِ الحَدَاثَةِ ..وَيْحَــــــــــهُمْ
 لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ عِنْدَهُمْ بِمُحَـــــــــــــــرَّمِ
  يَتَنَاقَدُونَ .. وَ مَا حَقِيقَةُ نَقْـــــــــــدِهِمْ
إِلاَّ كَمَا يُثْنِي العَمِيُّ عَلَى العَــــــــــــمِيْ

      
ونحن نضمّ صوتنا إلى الشاعر لحيلح من خلال ما قاله أحد الشعراء قديمًا :

يموت رديء الشعر من قبل أهله

وجيّده يـــــبقى وإنْ مات قائـــله

المداخلات
   
احتلت المداخلتان اللتان ضمّهما الكتاب 18 صفحة ..ففي المداخلة الأولى التي قدمها الشاعر الأستاذ بديدة يوسف ..أستاذ بالمركز الجامعي بالوادي والموسومة بــ :" توظيف التراث الإسلامي في الشعر الجزائري المعاصر ..شعراء منطقة وادي سوف نموذجًا "
   
وممّا جاء في هذه المداخلة:

« تحاول هذه المداخلة أن تؤسس ـ بعيدا عن أي إجراء تنظيري ـ لمحاولة الدخول إلى عوالم الكتابة الجزائرية الجديدة, استشرافا لأبعاد حضور التراث الإسلامي في القصيدة الجزائرية المعاصرة انطلاقا من مدونة شعرية لمجموعة من شعراء منطقة وادي سوف، على سبيل التمثيل لا التخصيص. وحفاظا على إعطاء البعد الكتابي للنصوص المدروسة، وتجنبا للتقاطع مع الشفاهية، اكتفينا بما وصل إلينا من الأعمال المطبوعة في الأعوام الأخيرة, متجنبين إدراج أي نص مخطوط حتى وإنْ كانت قيمته الفنية تؤهله لتقديم الجديد.»
     
يستعرض الأستاذ يوسف بديدة في مداخلته توظيف التراث الإسلامي في الشعر من لدن شعراء الجيل الجديد في منطقة وادي سُوفْ ..فيبدأ بالشاعر حرير السعيد في توظيفه للنص القرآني في مقطع من قصيدة معنونة بـ " لا تعلّق" يقول السعيد حرير:
 فوق سطح الماء مُدّت


أذرع السفح تحيّي العاشقينا

وطبول الحرب دقت

فتعالى الموج من حول السفينه

إن "باسم الله" مجراها ومرساها
ارحلوا الطوفان قادم

دمعة, قطرة حبر

وحصاة من حصى السجيل
زاد في فضاءات المقاوم
       وينهي مداخلته بعد التوقف عند عدة أسماء شعرية عند الشاعربشير ونيسي الذي تغطي صوفيته كل عتبات نصوصه؛ فيقول من قصيدة له بعنوان "إسراء"


أسرى به النور

فرأى

في سدرة المنتهى

قبة الوجود
ربيعا للخلود


         أمّا المداخلة الثانية كانت للدكتور الشاعر والفيلسوف الباحث عمر أزراج بعنوان: ( الشاعر… الذات  والتراث )..وممّا جاء في هذه المداخلة:


« في هذه المداخلة الموجزة جدا سأقوم بسبر علاقة الشاعر، أي شاعر يليق به هذا اللقب، مع تراث بلاده ومع تراث المجتمعات الأخرى التي يقيم و يؤسس معها روابط المثاقفة. فالتراث ظاهرة إنسانية مفتوحة للمجتمعات البشرية كلها لتتعلم منه، و تسخر عناصره الحية  في آن واحد لإنجاز مشروع وجودها على نحو يؤكد خصوصيتها. أرى أنه من الأهمية التوضيح بأن التراث ليس وحدة مغلقة أو جوهرا ثابتا.
       
في كتابه " الأخلاقيات" يعرف الفيلسوف بنديت سبينوزا الجوهــــــر كالتالي  :

" أفهم الجوهر بأنه ما هو في ذاته وما يدرك من خلال ذاته أي  هو الذي مفهومه لا يحتاج إلى مفهوم شيء آخر الذي منه يجب أن يتشكل"
      
فالتراث ــ الكلام هنا لعمر أزراج ــ  ليس جوهرا فردا وهو يدرك من خارجه ويتشكل من غيره أيضا.  إن نزع الجوهرانية على التراث يعني أنه ينبغي أن يعامل مثل الذات التي تتشكل تاريخيا وتظل قيد الصنع والتحول والتناص. بهذا الخصوص فإن التراث وكذلك الذات لايخضعان جبريا لمبدأ الهوية الفلسفي التقليدي.في سياق نزع الجوهرانية على كل من التراث والذات  فإن ذلك يفضي إلى القول تباعا بأن التراث منقسم، وأن الهوية والذات منقسمان، بمعنى أن هذا الثالوث لا يوجد خارج الوعي كظاهرة مستقلة , أو أنه قائم في الوعي فقط , وإنما هو ظاهرة مترسبة في داخل تضاريس اللاوعي الفردي أو الجماعي بامتياز أيضا – لا أقصد هنا اللاوعي الجماعي كما أسسه كارل غوستاف يونغ الذي نظَر له بأنه سابق على التجربة .   ينبغي علينا أن ندرك بأن الجانب اللاواعي من  التراث  في الهوية أو في الذات له تاريخ وأن بدوره محرك للتاريخ. فنحن نتماهي , مثلا , مع الحادثات الكبرى ومع الرموز التراثية أو الحضارية أو الأسطورية إلخ  على نحو واع وعلى نحو غير واع أيضا للتاريخ كما نعيد إنتاجه , مثلا , في الشعر والعمارة  والسياسة والعلاقات الاجتماعية, و في شتى الخطابات والممارسات المنتجة للمعنى كما يبرز إلى السطح  في لحظات تاريخية معينة وخاصة في لحظات تعرض الفرد أو المجتمع أو الأمة للأزمات الكبرى، أو حين حدوث تحول اجتماعي وثقافي وسياسي راديكالي يكون بمثابة القطيعة الحاسمة. فالهوية لها علاقة بالتراث وهي بدورها متحولة وغير قارة.
     
طرح أزراج في مداخلته العديد من التساؤلات حول وعي الفرد بهويته الآنية وعلاقتها بالتراث، وعلاقة الفرد بالآخر، ومن الأسئلة التي طرحها:

هنا نتساءل لماذا يلجأ الشاعر، أو الشعراء إلى توظيف العناصر التراثية؟  هل التراث مجرد حلية خارجية؟
     
وهل هو مجرد جمالية و مضمون محايد ؟ أم أن التراث يعني مثلا التأكيد على الفرادة  في التاريخ ضمن الفرادات الأخرى؟

الشعر عبْر فضاء المسرح
    
يجب التنويه هنا بأن الملتقى كان متميزا في افتتاحه بطريقة فنية وأدبية راقية امتزجت فيه الكــــلمة والحركــة فـــــي تقاطــع شــعري أبدع في إخـراجه المخــرج المســــرحي القـــدير " فتحي صحراوي" وبرع في تنفيذه نخبة من شعراء ولاية الوادي. ولعل ما ميز هذه الطبعة أيضا حضور جمع غفير من الجمهور من مختــلف الشرائح؛ مثقفين ، أساتذة ، طلبة …

من ذاكرة الملتقى
     
القسم من الأخير عبارة عن صور توثيقية لمجريات الملتقى من بدايته إلى نهايته..54 صورة جيدة الإخراج.
   
وبعــــد …
  ننهي إطلالتنا على هذا الكتاب الذي أصدرته مديرية الثقافة بالوادي بما قاله المرحوم الشاعر الفذ نزار قباني في أهمية الشعر وقيمته:


« الشعر ..هو هذه اللغة ذات التوتر العالي التي تُلغي كل لغة سابقة، وتعيد صياغتها من جديد.»

« لشعر طائر أسطوري يحمل على ظهره التاريخ والحياة، والكرة الأرضية ويطير.»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...