لماذا ينفرد الطفل بثقافة خاصّة ؟ بقلم: بشير خلفثقافة الطفل هي مجموعة العلوم والفنون والآداب والمهارات، والقيم السلوكية، والعقائدية التي يستطيع الطفل استيعابها، وتمثُّلها في كل مرحلة من مراحل عمره، ويتمكّن بواسطتها من توجيه سلوكه داخل المجتمع توجيها سليما.
ويقوم بنقل هذه المعارف والقيم صفوةٌ مبدعةٌ من المجتمع ، مسترشدين بالمبادئ الروحية والدينية، والإنجازات الفكرية والفنية للمجتمع ، مستعينين أيضا بالعلم فيما يتعلق بخصائص الطفولة، ومراحل نموّها واحتياجاتها .إذن ثقافة الطفل هي إحدى الثقافات الفرعية في أي مجتمع، وهي تنفرد بمجموعة من الخصائص والسّـمات العامة …ثم إن الأطفال لا يشكّلون مجتمعا متجانسا، بل يختلفون اختلاف أطوار نموّهم هذا في المجتمع الواحد، فما بالك إذا اختلفت المجتمعات وتباينت البيئات؛ لذا قُسّـمت الطفولة إلى مراحل متعاقبة ومتداخلة في بعضها البعض، وكل مرحلة تؤثر في الأخرى أيّما تأثير سلبا أو إيجابا..لكل منها ثقافة خاصّة تتوافق مع خصائص وحاجات الطفل في تلك المرحلة الطفولية .
كما أن ثقافة الطفل تختلف في مجتمع ما عنها في مجتمع آخر تبعا لإطار الثقافة العامة، وما يرتبط بذلك من وسائل الاتصال الثقافي بالأطفال. كما يسهل التعرّف في ثقافة الطفل على الملامح الكبيرة لثقافة المجتمع ، فإذا كان المجتمع يُولي أهمية كبيرة واعتبارا لقيمة معيّنة من القيم، أو اتجاه محدّد من الاتجاهات، فإن ذلك يظهر عادة في ثقافة الطفل .
ويهمنا أن نشير إلى أن ثمّة ثلاثة عناصر تظهر في ثقافة الطفل:(1)
العموميات: وهي خصائص المجتمع الواحد، ومنها اللغة وطرق التفكير والتواصل بين الأفراد، وطرائق التعبير عن المشاعر، وأنماط اللعب، وصنوف التسلية..وغير ذلك مما يتفرّد به المجتمع عن غيره من المجتمعات الأخرى .
الخصوصيات:وهي عناصر لا يشترك فيها جميع الأطفال في المجتمع الواحد؛ بل يختصّ بها أطفال جماعة معيّنة في المجتمع الواحد: طبقية، أو فئوية ، أو عرقية ، أو دينية ، أو حتى سياسية ..خصوصيات نلاحظها ونعايشها في ريـفنا ومدننا ..خصوصيات ثقافة طفل العاصمة غير خصوصيات ثقافة طفل بسكرة ، أو بشار، أو القالة سلوكا وتفكيرا وتواصلا وأنماط ترفيه ولغة ..بل حتّى في المدينة الواحدة تختلف ثقافات أطفال الأحياء عن بعضها لظروفٍ عديدة أغلبنا يعرفها، منها ثقافة أطفال الحي القار والنامي ببطء ذي النسيج الاجتماعي المتماسك، غير ثقافة أطفال حيٍّ نبت كالشوك بطريقة فوضوية ، وانحدر سكّانه من هنا وهناك لا تربطهم رابطة ..بالتأكيد النسيج الاجتماعي الذي سيُـبلور قيما متعارفا عليها ومتفقا حولها ..تنمو وتُثْرى باطّرادٍ يحترمها الجميع ستكون مفقودة ..وبالتالي هل يمكن الحديث عن معايير ثقافية في هذه الحالة ؟ نعم يمكن الحديث عن خصوصيات ثقافية وليس عن معايير في هذه الحالة .. إنما أية خصوصيات ؟(2)
البديلات الثقافية:إنها العناصر التي يوفّرها الاتصال المباشر،أو غير المباشر بثقافات أخرى غير ثقافة المجتمع، وهي ذات أهمية كبيرة خاصة في قرننا هذا الجديد ، حيث العولمة أو الأمركة . بعبارة أدقّ تسعى وبشراسة لصهر المجتمعات، وخاصة الضعيفة منها كحال الأمة العربية في بوتقة الثقافة الأمريكية .. لذا فإن نقْـل هذا النوع من الثقافة يقتضي الحراسة والوعي ودقّة الانتقاء .ويستغل الكثير من وسائل الاتصال المتطورة في الدول المتقدمة خصوبةَ عالم الطفولة، واستعداد الأطفال لتقبّل كثير مما يتميّز بالإثارة والجاذبية، فيُـمطرُ الأطفال في البلدان المتخلفة بفيض من العناصر الثقافية التي لا يتوافق الكثير منها مع سياق عالم الطفل، ولا تنسجم مع قيم مجتمعات هذه البلدان. ويريد البعضُ من هذا الفيض الاتّصالاتي زعزعةَ خصوصيات الثقافات المحلية ومنها ثقافة الطفل، باعتباره عمدة المستقبل .
لكن تلكم المعارف وتسارعها كمّا وكيفا، وتدفّقها في أيامنا هذه، وهي في تسارع أكثر بتوالي الأيام عبْر العديد من الوسائط ، صار من العسير على أي مجتمع بما في ذلك الخلية الأساسية في المجتمع ونعني بها الأسرة ..القدرةَ على الحراسة، والتحكّم في دقّة انتقاء وسائل ثقافة الطفل .وممّا صار مؤكدا اليوم لدى الجميع أن المدرسة الجزائرية بمناهجها المتغيرة سنويا، وبتذبذب مسؤوليها المركزيين في عشوائية القرارات التي يتخذونها دون الاتصال بالمنفذين الفعليين للفعل التربوي الميداني، وعدم التشاور المعمّق مع الأولياء، وكذا تغييب الفلسفة التربوية التي تستند إلى مرجعيات ترتبط بهويّة الأمة الجزائرية، أوصل المدرسة الجزائرية بكلّ أطوارها، وكذا التعليم الجامعي إلى طريق شبه مسدود..تعليم لا يساير تسارع المجتمع الجزائري في حراكه الشامل، ولا الاستجابة لمتطلبات التنمية، ولا التسليح الروحي والفكري لهذه الأجيال المتحفّزة لكلّ طارئ.في هذا الوضع تخلفت المدرسة لا في تثقيف الطفل،ولا في مساعدته على التثقف، آلت وظيفة التثقيف، والتثقف إلى وسائط أخرى في المجتمع منها ما هو إيجابي، ومنها ما هو سلبي وقد يكون مدمّرا؛ وإلاّ كيف نفسّر على سبيل المثال انجرار تلاميذ صغار في أحداث جانفي الفارط، في تدمير وحرْق مدارس ومتوسطات يتعلمون بها، ومحافظهم على ظهورهم؟!!هوامش:(1)ـ د .هادي نعمان الهيتي : ثقافة الأطفال .سلسلة عالم المعرفة.العدد123
(2) ـ أ. بشير خلف.الكتابة للطفل بين العلم والفن.ص29 .وزارة الثقافة.الجزائر2007
ويقوم بنقل هذه المعارف والقيم صفوةٌ مبدعةٌ من المجتمع ، مسترشدين بالمبادئ الروحية والدينية، والإنجازات الفكرية والفنية للمجتمع ، مستعينين أيضا بالعلم فيما يتعلق بخصائص الطفولة، ومراحل نموّها واحتياجاتها .إذن ثقافة الطفل هي إحدى الثقافات الفرعية في أي مجتمع، وهي تنفرد بمجموعة من الخصائص والسّـمات العامة …ثم إن الأطفال لا يشكّلون مجتمعا متجانسا، بل يختلفون اختلاف أطوار نموّهم هذا في المجتمع الواحد، فما بالك إذا اختلفت المجتمعات وتباينت البيئات؛ لذا قُسّـمت الطفولة إلى مراحل متعاقبة ومتداخلة في بعضها البعض، وكل مرحلة تؤثر في الأخرى أيّما تأثير سلبا أو إيجابا..لكل منها ثقافة خاصّة تتوافق مع خصائص وحاجات الطفل في تلك المرحلة الطفولية .
كما أن ثقافة الطفل تختلف في مجتمع ما عنها في مجتمع آخر تبعا لإطار الثقافة العامة، وما يرتبط بذلك من وسائل الاتصال الثقافي بالأطفال. كما يسهل التعرّف في ثقافة الطفل على الملامح الكبيرة لثقافة المجتمع ، فإذا كان المجتمع يُولي أهمية كبيرة واعتبارا لقيمة معيّنة من القيم، أو اتجاه محدّد من الاتجاهات، فإن ذلك يظهر عادة في ثقافة الطفل .
ويهمنا أن نشير إلى أن ثمّة ثلاثة عناصر تظهر في ثقافة الطفل:(1)
العموميات: وهي خصائص المجتمع الواحد، ومنها اللغة وطرق التفكير والتواصل بين الأفراد، وطرائق التعبير عن المشاعر، وأنماط اللعب، وصنوف التسلية..وغير ذلك مما يتفرّد به المجتمع عن غيره من المجتمعات الأخرى .
الخصوصيات:وهي عناصر لا يشترك فيها جميع الأطفال في المجتمع الواحد؛ بل يختصّ بها أطفال جماعة معيّنة في المجتمع الواحد: طبقية، أو فئوية ، أو عرقية ، أو دينية ، أو حتى سياسية ..خصوصيات نلاحظها ونعايشها في ريـفنا ومدننا ..خصوصيات ثقافة طفل العاصمة غير خصوصيات ثقافة طفل بسكرة ، أو بشار، أو القالة سلوكا وتفكيرا وتواصلا وأنماط ترفيه ولغة ..بل حتّى في المدينة الواحدة تختلف ثقافات أطفال الأحياء عن بعضها لظروفٍ عديدة أغلبنا يعرفها، منها ثقافة أطفال الحي القار والنامي ببطء ذي النسيج الاجتماعي المتماسك، غير ثقافة أطفال حيٍّ نبت كالشوك بطريقة فوضوية ، وانحدر سكّانه من هنا وهناك لا تربطهم رابطة ..بالتأكيد النسيج الاجتماعي الذي سيُـبلور قيما متعارفا عليها ومتفقا حولها ..تنمو وتُثْرى باطّرادٍ يحترمها الجميع ستكون مفقودة ..وبالتالي هل يمكن الحديث عن معايير ثقافية في هذه الحالة ؟ نعم يمكن الحديث عن خصوصيات ثقافية وليس عن معايير في هذه الحالة .. إنما أية خصوصيات ؟(2)
البديلات الثقافية:إنها العناصر التي يوفّرها الاتصال المباشر،أو غير المباشر بثقافات أخرى غير ثقافة المجتمع، وهي ذات أهمية كبيرة خاصة في قرننا هذا الجديد ، حيث العولمة أو الأمركة . بعبارة أدقّ تسعى وبشراسة لصهر المجتمعات، وخاصة الضعيفة منها كحال الأمة العربية في بوتقة الثقافة الأمريكية .. لذا فإن نقْـل هذا النوع من الثقافة يقتضي الحراسة والوعي ودقّة الانتقاء .ويستغل الكثير من وسائل الاتصال المتطورة في الدول المتقدمة خصوبةَ عالم الطفولة، واستعداد الأطفال لتقبّل كثير مما يتميّز بالإثارة والجاذبية، فيُـمطرُ الأطفال في البلدان المتخلفة بفيض من العناصر الثقافية التي لا يتوافق الكثير منها مع سياق عالم الطفل، ولا تنسجم مع قيم مجتمعات هذه البلدان. ويريد البعضُ من هذا الفيض الاتّصالاتي زعزعةَ خصوصيات الثقافات المحلية ومنها ثقافة الطفل، باعتباره عمدة المستقبل .
لكن تلكم المعارف وتسارعها كمّا وكيفا، وتدفّقها في أيامنا هذه، وهي في تسارع أكثر بتوالي الأيام عبْر العديد من الوسائط ، صار من العسير على أي مجتمع بما في ذلك الخلية الأساسية في المجتمع ونعني بها الأسرة ..القدرةَ على الحراسة، والتحكّم في دقّة انتقاء وسائل ثقافة الطفل .وممّا صار مؤكدا اليوم لدى الجميع أن المدرسة الجزائرية بمناهجها المتغيرة سنويا، وبتذبذب مسؤوليها المركزيين في عشوائية القرارات التي يتخذونها دون الاتصال بالمنفذين الفعليين للفعل التربوي الميداني، وعدم التشاور المعمّق مع الأولياء، وكذا تغييب الفلسفة التربوية التي تستند إلى مرجعيات ترتبط بهويّة الأمة الجزائرية، أوصل المدرسة الجزائرية بكلّ أطوارها، وكذا التعليم الجامعي إلى طريق شبه مسدود..تعليم لا يساير تسارع المجتمع الجزائري في حراكه الشامل، ولا الاستجابة لمتطلبات التنمية، ولا التسليح الروحي والفكري لهذه الأجيال المتحفّزة لكلّ طارئ.في هذا الوضع تخلفت المدرسة لا في تثقيف الطفل،ولا في مساعدته على التثقف، آلت وظيفة التثقيف، والتثقف إلى وسائط أخرى في المجتمع منها ما هو إيجابي، ومنها ما هو سلبي وقد يكون مدمّرا؛ وإلاّ كيف نفسّر على سبيل المثال انجرار تلاميذ صغار في أحداث جانفي الفارط، في تدمير وحرْق مدارس ومتوسطات يتعلمون بها، ومحافظهم على ظهورهم؟!!هوامش:(1)ـ د .هادي نعمان الهيتي : ثقافة الأطفال .سلسلة عالم المعرفة.العدد123
(2) ـ أ. بشير خلف.الكتابة للطفل بين العلم والفن.ص29 .وزارة الثقافة.الجزائر2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق