مع " سي الطاهر وطّار"
وصداقة ربع قرنٍ
بقلم: بشير خلف
كانت مجلة " آمال " في السبعينات، والثمانينات الأيْكة الجميلة، والحديقة الغنّاء التي تجمعنا في كل شهر..أسماء كثيرة في أغلب الأجناس الأدبية: قصص قصيرة، شعر، مسرح، نقد، دراسات ؛ومثلما تنوّعت هذه الأجناس، تنوعت أسماء المبدعين الشباب: الأمين الزاوي، محمد حيدار، عبد الحفيظ بوالطين، بشير خلف، شريبط أحمد شريبط، د. عبد الله حمادي، جيلالي خلاص، شكيل عبد الحميد، محمد بن رقطان، مصطفى نطور،رشيد أوزاني،مصطفى بلمشري،عبد الرحمن مخلوفي،كمال شاوي، بشير الهاشمي…وغيرهم وغيرهم.
كانت هذه المجلة في إخراجها، وشكلها الجديد ذي الحجم المتوسط ، بدلاً من شكلها الأول الصغير احتلّت الساحة الأدبية، واستقطبت الجيل الجديد من المبدعين، بفضل تنوّع المواضيع، وجودة الإخراج، وانتظام الصدور، ومعقولية سعرها، ذلكم أنها تصدر عن وزارة الثقافة..هذه المجلة الجميلة هي فضاء للنشر، وولوج ساحة الإبداع من ناحية، ومدرسة رائدة في التمرّس على ممارسة الإبداع الأدبي، كان يرأس تحريرها آنذاك الأستاذ المجاهد عبد الحميد السقاي مدير الإشهار الحالي بصحيفة" البصائر" الأسبوعية الحالية، وكان رسام المجلة، ومصمّم غلافها الفنان التشكيلي المبدع الطاهر أومان.
إدارة هذه المجلة كانت في كل مرّة تُوكل أمر قراءة العدد الماضي لأحد الكُتّاب المعروفين آنذاك على الساحة، وبصماتهم واضحة في الفعل الثقافي آنذاك، في قراءة نقدية تخصصية،هذا للشعر، وذاك للقصة القصيرة،وذلك للمسرحيات، ومن هؤلاء المرحوم " سي الطاهر وطّار" الذي عادة ما تُوكل إليه قراءة ونقْد القصص المنشورة في العدد السابق من المجلة..كانت قراءته ـ رحمه الله ـ قراءة تحليلية نقدية مشفوعة بتوجيهات، وأقوال لأساطين القصة القصيرة المعروفين، وقد تكون قراءته قراءة "انتقادية قاسية مُحبطة " لبعض الأعمال، ممّا يؤثر على أصحابها نفسيا، فلا يتحملون، وسرعان ما انسحب بعضهم، ومن الذين تعرّضوا لهذه القراءة الانتقادية من طرف عمّي الطاهر ـ كاتب هذه السطورـ إلاّ أنني لم أنسحب فكان كل عدد جديد تصدر لي فيه قصة قصيرة، لتطلب مني الوزارة فيما بعد أن تصدرها في مجموعة قصصية؛ فكانت مجموعة ( أخاديد على شريط الزمن).
ولمّا أصدر اتحاد الكتاب الجزائريين مجلته الموسومة بـ ( الرؤيا) في ربيع 1982 والتي كانت عبارة عن فضاء ثقافي آخر جميل للجيل الجديد ولمنْ سبقه: أحمد حمدي، جروة علاوة وهبي،العربي دحو، أحمد منور، سلامة عبد الرحمن،بشير خلف، حرز الله محمد الصالح، عياش يحياوي، محمد زتيلي، أبو القاسم خمّار،عمّار بلحسن، حمري بحري، رشيد بوجدرة، د.محمد العربي زبيري، وغيرهم…
نشرت لي هذه المجلة في عددها الرابع الذي صدر في خريف سنة 1983 قصة قصيرة بعنوان:" الوسام الأحمر" ..قراءة وتقييم ما نُشر في هذا العدد أوكل الشعر إلى الأستاذ حسين أبو النجاء، والأبحاث إلى المرحوم الدكتور أبو العيد دودو، والقصص إلى المرحوم سي الطاهر وطّار.
وبعد قراءته لقصتي" الوسام الأحمر" في العدد الرابع من مجلة" الرؤيا" إلى جانب القصص الأخرى لقصاصين آخرين منهم أحمد منور، ومصطفى بن جدّو ..أقتطف بعض العبارات التي جاءت في تقييمه لقصتي التي جاءت في العدد الخامس:
ــــ …لقد حاول خلف بشير أن ينسج، لكنه استعمل مادة لا تليق بالنسيج، وحاول أن يكون نسيجه حياتيا.لكن عمد إلى حياة متدنية، وممزّقة، وكأنها حياة أناس ميكانيكيين.ص100
ــــ … لغة بشير خلف أحيانا كثيرة غير دقيقة المعنى، وأحيانا مزعجة غير دقيقة المعنى.ص102
ــــ أسلوب خلف أيضًا غير مدروس، وهناك تعابير أخرى مشكوك في عربيتها مثل:( مكثتُ بها غير يوميْن)، ولخلف أيضًا ما شاء ربك من النقاط بين كلمة وأخرى، وفي كل سطر تقريبًا.ص 102
وصداقة ربع قرنٍ
بقلم: بشير خلف
كانت مجلة " آمال " في السبعينات، والثمانينات الأيْكة الجميلة، والحديقة الغنّاء التي تجمعنا في كل شهر..أسماء كثيرة في أغلب الأجناس الأدبية: قصص قصيرة، شعر، مسرح، نقد، دراسات ؛ومثلما تنوّعت هذه الأجناس، تنوعت أسماء المبدعين الشباب: الأمين الزاوي، محمد حيدار، عبد الحفيظ بوالطين، بشير خلف، شريبط أحمد شريبط، د. عبد الله حمادي، جيلالي خلاص، شكيل عبد الحميد، محمد بن رقطان، مصطفى نطور،رشيد أوزاني،مصطفى بلمشري،عبد الرحمن مخلوفي،كمال شاوي، بشير الهاشمي…وغيرهم وغيرهم.
كانت هذه المجلة في إخراجها، وشكلها الجديد ذي الحجم المتوسط ، بدلاً من شكلها الأول الصغير احتلّت الساحة الأدبية، واستقطبت الجيل الجديد من المبدعين، بفضل تنوّع المواضيع، وجودة الإخراج، وانتظام الصدور، ومعقولية سعرها، ذلكم أنها تصدر عن وزارة الثقافة..هذه المجلة الجميلة هي فضاء للنشر، وولوج ساحة الإبداع من ناحية، ومدرسة رائدة في التمرّس على ممارسة الإبداع الأدبي، كان يرأس تحريرها آنذاك الأستاذ المجاهد عبد الحميد السقاي مدير الإشهار الحالي بصحيفة" البصائر" الأسبوعية الحالية، وكان رسام المجلة، ومصمّم غلافها الفنان التشكيلي المبدع الطاهر أومان.
إدارة هذه المجلة كانت في كل مرّة تُوكل أمر قراءة العدد الماضي لأحد الكُتّاب المعروفين آنذاك على الساحة، وبصماتهم واضحة في الفعل الثقافي آنذاك، في قراءة نقدية تخصصية،هذا للشعر، وذاك للقصة القصيرة،وذلك للمسرحيات، ومن هؤلاء المرحوم " سي الطاهر وطّار" الذي عادة ما تُوكل إليه قراءة ونقْد القصص المنشورة في العدد السابق من المجلة..كانت قراءته ـ رحمه الله ـ قراءة تحليلية نقدية مشفوعة بتوجيهات، وأقوال لأساطين القصة القصيرة المعروفين، وقد تكون قراءته قراءة "انتقادية قاسية مُحبطة " لبعض الأعمال، ممّا يؤثر على أصحابها نفسيا، فلا يتحملون، وسرعان ما انسحب بعضهم، ومن الذين تعرّضوا لهذه القراءة الانتقادية من طرف عمّي الطاهر ـ كاتب هذه السطورـ إلاّ أنني لم أنسحب فكان كل عدد جديد تصدر لي فيه قصة قصيرة، لتطلب مني الوزارة فيما بعد أن تصدرها في مجموعة قصصية؛ فكانت مجموعة ( أخاديد على شريط الزمن).
ولمّا أصدر اتحاد الكتاب الجزائريين مجلته الموسومة بـ ( الرؤيا) في ربيع 1982 والتي كانت عبارة عن فضاء ثقافي آخر جميل للجيل الجديد ولمنْ سبقه: أحمد حمدي، جروة علاوة وهبي،العربي دحو، أحمد منور، سلامة عبد الرحمن،بشير خلف، حرز الله محمد الصالح، عياش يحياوي، محمد زتيلي، أبو القاسم خمّار،عمّار بلحسن، حمري بحري، رشيد بوجدرة، د.محمد العربي زبيري، وغيرهم…
نشرت لي هذه المجلة في عددها الرابع الذي صدر في خريف سنة 1983 قصة قصيرة بعنوان:" الوسام الأحمر" ..قراءة وتقييم ما نُشر في هذا العدد أوكل الشعر إلى الأستاذ حسين أبو النجاء، والأبحاث إلى المرحوم الدكتور أبو العيد دودو، والقصص إلى المرحوم سي الطاهر وطّار.
وبعد قراءته لقصتي" الوسام الأحمر" في العدد الرابع من مجلة" الرؤيا" إلى جانب القصص الأخرى لقصاصين آخرين منهم أحمد منور، ومصطفى بن جدّو ..أقتطف بعض العبارات التي جاءت في تقييمه لقصتي التي جاءت في العدد الخامس:
ــــ …لقد حاول خلف بشير أن ينسج، لكنه استعمل مادة لا تليق بالنسيج، وحاول أن يكون نسيجه حياتيا.لكن عمد إلى حياة متدنية، وممزّقة، وكأنها حياة أناس ميكانيكيين.ص100
ــــ … لغة بشير خلف أحيانا كثيرة غير دقيقة المعنى، وأحيانا مزعجة غير دقيقة المعنى.ص102
ــــ أسلوب خلف أيضًا غير مدروس، وهناك تعابير أخرى مشكوك في عربيتها مثل:( مكثتُ بها غير يوميْن)، ولخلف أيضًا ما شاء ربك من النقاط بين كلمة وأخرى، وفي كل سطر تقريبًا.ص 102
أول لقاء لي بالطاهر وطّار
في منتصف الثمانينات نظم اتحاد الكتاب الجزائريين بقسنطينة، وبالضبط في فندق" سيرتا" ملتقى للرواية العربية حضرته أسماء كبيرة معروفة في الإبداع الروائي العربي، كالطاهر وطار، والمرحوم عبد الحميد بن هدوقة،وواسيني الأعرج، والأمين الزاوي، وصنع الله إبراهيم، ويوسف القعيد، وروائيين من سوريا والعراق، وليبيا وتونس، ولبنان ـ لا تحضرني كل الأسماء ـ إضافة إلى الأدباء الجزائريين من الجيليْن حينذاك، وكنت من الحاضرين في هذا الملتقى الذي كان مميّزا، وممّا زاده ألقًا أن يكون في مدينة التاريخ، والعلم، والثورة.. المدينة العريقة، عروس الشرق الجزائري مدينة قسنطينة.
حينذاك كان في مخيّلتي كاتبان عربيان لهما شكلان متشابهان، ولهما مكانة متميّزة في الثقافة العربية، وحضورهما في هذه الثقافة لا تشوبه أية شائبة، شخصيا أحدهما قريب من قلبي، وثانيهما له صورة غير محبّبة عندي،بل مزعجة علمًا أني ما التقيتُ بأي واحد منهما شخصيا حتى تاريخ ذاك الملتقى: أولهما توفيق الحكيم، وثانيهما الطاهر وطار يشتركان في غطاء الرأس الذي هو عبارة عن " البيري ذي اللون الأسود".
وأنا القادم من الصحراء، وابن الفيافي والبراري الذي تطبّع بدورة الطبيعة في لياليها، ونهاراتها، وزرقة سمائها، ولمعان نجومها ليلا، طبّعتني على توقيت يومياتي وفق حركية شمسها، وانتشار أشعتها..عقارب الساعة في المرتبة الثانية..في صباح يوم بداية الملتقى نهضت باكرا كعادتي في ربوع إقامتي، وما أن حلّت الساعة السادسة صباحا حتى كنت أدلف إلى قاعة الطعام، وفي ذهني أن الملتقين امتلأت بهم القاعة، وهم منكبّون على التهام فطور الصباح..كانت مفاجأتي حينها أن القاعة فارغة إلاّ من شخص واحد يجلس وحيدا في الزاوية القصية اليمنى من القاعة، وبمجرد أن لمحتُه، وتراء لي غطاء رأسه الأسود أدركت لتوّي أنه الطاهر وطّار، تقدمتُ نحوه بحميمية ابن الصحراء، وبمجرّد أن اقتربتُ منه محيّيا، حتى نهض واحتضنني وكأننا نعرف بعضنا البعض منذ أمدٍ..
في تلك اللحظات وهو يسمع تحيتي، ومساءلتي عن أحواله، أبى أن يعود إلى الكرسي، وهو يتفرّسني جيّدا، ثم ما لبث أن قال بالحرف الواحد ـ أذكر ذلك جيّدا ـ :
ــــ ألستَ أنت بشير خلف ابن مدينة قمار ؟
ــــ ومنْ أنبأك بهذا ..نحن ما التقيّنا؟.
ــــ مِن تحيتك لي استشففْتُ اللهجة" القمارية" ؟
ــــ وما علاقتك باللهجة "القمارية"؟
ــــ علاقة الرضيع بالحليب ..أول أستاذ أرضعني شهْد اللغة العربية وعلومها في مسقط رأسي "الشيخ حنّي" ابن مدينة قمار،في مدرسة العلماء ببلدة مداوروش أين نشأتُ وترعرعتُ.
بدأت علاقتنا متينة منذ ذلك اللقاء، حتّى أن أوّل بطاقة اشتراك في" الجاحظية "الفتية (أنشئت في 10/10/1992) رغم أني لستُ عضوا من المؤسسين، وما حضرت الجمعية العامة الأولى، كانت البطاقة الأولى لي، حملها إليّ منه الكاتب والإعلامي البشير دودو صاحب صحيفة" الحوراء" التي تصدر بمدينة الوادي حاليا.. بطاقة إلكترونية معدّة من طرفه شخصيا بدقّة، وفنيات عالية بواسطة الحاسوب الذي كان الطاهر وطار من أوائل من امتلكوه، وشغلوا عليه بمهارة عالية في أوائل التسعينات..
وتكرّرت لقاءاتنا في مقرّ الجاحظية كلّما أزور العاصمة بحكم عضويتي آنذاك في اللجنة المديرة لاتحاد الكُتّاب الجزائريين، أو من خلال قدومي في إطار مهامّي في الإشراف التربوي..كان يستقبلني بحفاوة استقبال الصديق لصديقه، نستعرض في الغالب المشهد الثقافي بالجنوب، وبخاصة في ولاية الوادي، وما أن أهمّ بتوديعه والمغادرة حتّى يطلب من إحدى كاتباته أن تسلمني آخر ما أصدرته الجاحظية من عناوين جديدة. كما أنه كان يرسل إليّ عن طريق البريد تباعًا كل المجلات الدورية كمجلة التبيين، ومجلة القصيدة، ومجلة القصة.. كما أني لم أتوان، أو أتخلف في دفع اشتراكاتي السنوية للجاحظية، والتي عادة ما تكون أضعاف المرّات للقيمة المحددة من طرف الجمعية، وللأمانة التاريخية كان " سي الطاهر وطار " ينتظرها كي يسدّ بها فجوة مفتوحًة .
وفي أوائل سنة 1999 عرض عليّ في إطار النشر المشترك الذي اعتمدته الجاحظية أن أتقدم بأيّ عملٍ لي وهو موافق عليه مسبقا، فقدمتُ له مجموعة قصصية بعد اطلاعه عليها، تراءى له أن حجمها كبير، فاقترح أن تُقسّم إلى مجموعتيْن قصصيتيْن، فكان له ما اقترح، وصدرتا في نفس السنة، المجموعة الأولى بعنوان " الشموخ" والثانية بعنوان " الدفء المفقود ".
في منتصف الثمانينات نظم اتحاد الكتاب الجزائريين بقسنطينة، وبالضبط في فندق" سيرتا" ملتقى للرواية العربية حضرته أسماء كبيرة معروفة في الإبداع الروائي العربي، كالطاهر وطار، والمرحوم عبد الحميد بن هدوقة،وواسيني الأعرج، والأمين الزاوي، وصنع الله إبراهيم، ويوسف القعيد، وروائيين من سوريا والعراق، وليبيا وتونس، ولبنان ـ لا تحضرني كل الأسماء ـ إضافة إلى الأدباء الجزائريين من الجيليْن حينذاك، وكنت من الحاضرين في هذا الملتقى الذي كان مميّزا، وممّا زاده ألقًا أن يكون في مدينة التاريخ، والعلم، والثورة.. المدينة العريقة، عروس الشرق الجزائري مدينة قسنطينة.
حينذاك كان في مخيّلتي كاتبان عربيان لهما شكلان متشابهان، ولهما مكانة متميّزة في الثقافة العربية، وحضورهما في هذه الثقافة لا تشوبه أية شائبة، شخصيا أحدهما قريب من قلبي، وثانيهما له صورة غير محبّبة عندي،بل مزعجة علمًا أني ما التقيتُ بأي واحد منهما شخصيا حتى تاريخ ذاك الملتقى: أولهما توفيق الحكيم، وثانيهما الطاهر وطار يشتركان في غطاء الرأس الذي هو عبارة عن " البيري ذي اللون الأسود".
وأنا القادم من الصحراء، وابن الفيافي والبراري الذي تطبّع بدورة الطبيعة في لياليها، ونهاراتها، وزرقة سمائها، ولمعان نجومها ليلا، طبّعتني على توقيت يومياتي وفق حركية شمسها، وانتشار أشعتها..عقارب الساعة في المرتبة الثانية..في صباح يوم بداية الملتقى نهضت باكرا كعادتي في ربوع إقامتي، وما أن حلّت الساعة السادسة صباحا حتى كنت أدلف إلى قاعة الطعام، وفي ذهني أن الملتقين امتلأت بهم القاعة، وهم منكبّون على التهام فطور الصباح..كانت مفاجأتي حينها أن القاعة فارغة إلاّ من شخص واحد يجلس وحيدا في الزاوية القصية اليمنى من القاعة، وبمجرد أن لمحتُه، وتراء لي غطاء رأسه الأسود أدركت لتوّي أنه الطاهر وطّار، تقدمتُ نحوه بحميمية ابن الصحراء، وبمجرّد أن اقتربتُ منه محيّيا، حتى نهض واحتضنني وكأننا نعرف بعضنا البعض منذ أمدٍ..
في تلك اللحظات وهو يسمع تحيتي، ومساءلتي عن أحواله، أبى أن يعود إلى الكرسي، وهو يتفرّسني جيّدا، ثم ما لبث أن قال بالحرف الواحد ـ أذكر ذلك جيّدا ـ :
ــــ ألستَ أنت بشير خلف ابن مدينة قمار ؟
ــــ ومنْ أنبأك بهذا ..نحن ما التقيّنا؟.
ــــ مِن تحيتك لي استشففْتُ اللهجة" القمارية" ؟
ــــ وما علاقتك باللهجة "القمارية"؟
ــــ علاقة الرضيع بالحليب ..أول أستاذ أرضعني شهْد اللغة العربية وعلومها في مسقط رأسي "الشيخ حنّي" ابن مدينة قمار،في مدرسة العلماء ببلدة مداوروش أين نشأتُ وترعرعتُ.
بدأت علاقتنا متينة منذ ذلك اللقاء، حتّى أن أوّل بطاقة اشتراك في" الجاحظية "الفتية (أنشئت في 10/10/1992) رغم أني لستُ عضوا من المؤسسين، وما حضرت الجمعية العامة الأولى، كانت البطاقة الأولى لي، حملها إليّ منه الكاتب والإعلامي البشير دودو صاحب صحيفة" الحوراء" التي تصدر بمدينة الوادي حاليا.. بطاقة إلكترونية معدّة من طرفه شخصيا بدقّة، وفنيات عالية بواسطة الحاسوب الذي كان الطاهر وطار من أوائل من امتلكوه، وشغلوا عليه بمهارة عالية في أوائل التسعينات..
وتكرّرت لقاءاتنا في مقرّ الجاحظية كلّما أزور العاصمة بحكم عضويتي آنذاك في اللجنة المديرة لاتحاد الكُتّاب الجزائريين، أو من خلال قدومي في إطار مهامّي في الإشراف التربوي..كان يستقبلني بحفاوة استقبال الصديق لصديقه، نستعرض في الغالب المشهد الثقافي بالجنوب، وبخاصة في ولاية الوادي، وما أن أهمّ بتوديعه والمغادرة حتّى يطلب من إحدى كاتباته أن تسلمني آخر ما أصدرته الجاحظية من عناوين جديدة. كما أنه كان يرسل إليّ عن طريق البريد تباعًا كل المجلات الدورية كمجلة التبيين، ومجلة القصيدة، ومجلة القصة.. كما أني لم أتوان، أو أتخلف في دفع اشتراكاتي السنوية للجاحظية، والتي عادة ما تكون أضعاف المرّات للقيمة المحددة من طرف الجمعية، وللأمانة التاريخية كان " سي الطاهر وطار " ينتظرها كي يسدّ بها فجوة مفتوحًة .
وفي أوائل سنة 1999 عرض عليّ في إطار النشر المشترك الذي اعتمدته الجاحظية أن أتقدم بأيّ عملٍ لي وهو موافق عليه مسبقا، فقدمتُ له مجموعة قصصية بعد اطلاعه عليها، تراءى له أن حجمها كبير، فاقترح أن تُقسّم إلى مجموعتيْن قصصيتيْن، فكان له ما اقترح، وصدرتا في نفس السنة، المجموعة الأولى بعنوان " الشموخ" والثانية بعنوان " الدفء المفقود ".
" سي الطاهر وطار" في الوادي
في الفاتح من مارس سنة2001 أقام قطاع الثقافة بالوادي، وبساهمة فعاليات من المجتمع المدني حفلا كبيرا لتكريم وجهيْن ثقافييْن من الولاية، برْهنا عن حضورهما في المشهد الثقافي الجزائري منذ بداية السبعينات، وحضر هذا الحفل الكبير الذي حضرته الوجوه الفكرية والثقافية بالولاية، وكذا السلطات المحلية، وجوه فكرية وطنية من صنّاع القرار الثقافي مثل : الدكتور سليمان الشيخ وزير سابق للثقافة، والدكتور العربي الزبيري وجه ثقافي معروف، وأمين عام سابق لاتحاد الكتاب الجزائريين، وعز الدين ميهوبي الأمين العام لاتحاد الكُتّاب الجزائريين آنذاك،وسي الطاهر وطّار، وغيرهم من وجوه ثقافية..وكان الشخصان المكرّمان الدكتور أحمد حمدي، وكاتب هذه السطور.
اتصلت بسي الطاهر وطار قبل أسبوع من حفْل التكريم واستوضحتُ منه عمّا إذا كان على علم بهذا الحفل، فأعلمني أنه دُعي إلى الحضور، لكنه يرفض أيّ دعوة رسمية وسيلبّي الرغبة إنْ أتت من أطراف أخرى، فكانت الدعوة مني وتكفّلتُ بقدومه، ونقله، واستقبلته في المطار رفقة مجموعة من محبيه، والمعجبين به، ففرح أيّما فرح، وكانت إقامته في فندق " اللوس " بمدينة الوادي أين نظم السيد والي الولاية آنذاك السيد مشري عز الدين الذي كان يشجع الثقافة، ويلازم نشاطاتها، ويدعّم أهلها مأدبة عشاء على شرف المثقفين..كان ليلتها بجانب سي الطاهر الذي تحدث معه كثيرا عن المشهد الثقافي الجزائري، والسبُل الأسلم لتفعيله..كان والي الولاية مطلعا على الحركة الثقافية بالوطن.
في حفْل التكريم تتالى على المنصة بدار الثقافة بمدينة الوادي العديد من المتدخلين: مدير دار الثقافة، الدكتور العربي الزبيري، الدكتور سليمان الشيخ، الأستاذ ميهوبي عز الدين، الأستاذ الطاهر وطار، والي الولاية وغيرهم كلٌّ منهم نوّه بالمكرَّميْن..إلاّ أن "سي الطاهر وطّار" أسهب في الحديث عنّي، وكعادته ـ رحمه الله ـ ضمّن كلامه بعض النُّكت التي منها :
ــــ إن سي بشير خلف صديق وفيّ للجاحظية، وهو عبارة عن صمّام أمان لها، في كل سنة يفاجئني بما يسدّ بابًا من أبوابها المفتوحة، ولا أخفي عليكم أن اشتراكه الذي وصلني منذ أيام سدّدتُ به فاتورة الكهرباء للجمعية..
في تلك الليلة أجرى الشاعر المعروف، والإذاعي بإذاعة " سُوفْ الجهوية " غربي اسماعيل حوارا مطولا بالفندق امتد لِما يقرب من الساعة، وكان حوارا شيقا أذاعته الإذاعة فيما بعد عدة مرّات، ونقلتُه له شخصيا في شريط لمّا زرتُ العاصمة فيما بعد.. هذا الحوار الذي ضيّعته إذاعة سُوفْ ، وتبيّن ذلك لمّا أرادوا أن يقدموا شيئا عن "سي الطاهر بمناسبة رحيله الأبدي" هذه الأيام..هكذا نحن خزانتنا التي تحفظ ذاكرتنا الثقافية والتاريخية دائمًا مخرومة ليست أمينة !!
في صبيحة يوم 02 مارس 2001 يوم عودته إلى العاصمة طلب مني سي الطاهر أن أتجول به خارج مدينة الوادي حيث كان له ما أراد، فكانت الجولة في عدة بلدات وبلديات تمتد شرقا على الطريق الذي يُوصل إلى تبسّة من جهة، وكذا إلى المركز الحدودي الطالب العربي، لتنتهي الجولة قبل التوجه إلى المطار بمدينة قمار، وأزقتها، وأحيائها العتيقة لِما يشعر به من حميمية نحو هذه المدينة التي منها الشيخ حنّي أستاذه الأول، ومنها صديقه القديم المرحوم سلطانة الصادق الذي كان من أحسن المعلمين، غير أن حالته الصحية والنفسية كانت متدهورة أيام ذاك، وانعزل عن الناس ..
بحثنا عنه يومذاك في " قمار" وما وجدناه وكأن الأرض ابتلعته..صديقه الذي سكن معه في غرفة واحدة لمّا التحق بجامع الزيتونة بتونس، وتأثر به سي الطاهر وطار كثيرا، ومنه تعلم الرياضيات التي كان يكرهها، كما تعلّم منه حبّ المطالعة، وخاصة السرديات، ومنها الروايات العالمية..والطريف أنه بعد أن أقلعت الطائرة، وعاد سي الطاهر إلى العاصمة، عدتُ إلى مدينة قمار فلاح لي الصادق سلطانه يلوّح بحركاته المعهودة، فاقتربتُ منه وقلتُ له : الطاهر وطّار يبحث عنك، فأوقف حركاته، وكأنه عاد إلى رشده، وبحميمية قال: أين هو؟ أين؟ ..ثم غادر ليستأنف حركاته.
في الفاتح من مارس سنة2001 أقام قطاع الثقافة بالوادي، وبساهمة فعاليات من المجتمع المدني حفلا كبيرا لتكريم وجهيْن ثقافييْن من الولاية، برْهنا عن حضورهما في المشهد الثقافي الجزائري منذ بداية السبعينات، وحضر هذا الحفل الكبير الذي حضرته الوجوه الفكرية والثقافية بالولاية، وكذا السلطات المحلية، وجوه فكرية وطنية من صنّاع القرار الثقافي مثل : الدكتور سليمان الشيخ وزير سابق للثقافة، والدكتور العربي الزبيري وجه ثقافي معروف، وأمين عام سابق لاتحاد الكتاب الجزائريين، وعز الدين ميهوبي الأمين العام لاتحاد الكُتّاب الجزائريين آنذاك،وسي الطاهر وطّار، وغيرهم من وجوه ثقافية..وكان الشخصان المكرّمان الدكتور أحمد حمدي، وكاتب هذه السطور.
اتصلت بسي الطاهر وطار قبل أسبوع من حفْل التكريم واستوضحتُ منه عمّا إذا كان على علم بهذا الحفل، فأعلمني أنه دُعي إلى الحضور، لكنه يرفض أيّ دعوة رسمية وسيلبّي الرغبة إنْ أتت من أطراف أخرى، فكانت الدعوة مني وتكفّلتُ بقدومه، ونقله، واستقبلته في المطار رفقة مجموعة من محبيه، والمعجبين به، ففرح أيّما فرح، وكانت إقامته في فندق " اللوس " بمدينة الوادي أين نظم السيد والي الولاية آنذاك السيد مشري عز الدين الذي كان يشجع الثقافة، ويلازم نشاطاتها، ويدعّم أهلها مأدبة عشاء على شرف المثقفين..كان ليلتها بجانب سي الطاهر الذي تحدث معه كثيرا عن المشهد الثقافي الجزائري، والسبُل الأسلم لتفعيله..كان والي الولاية مطلعا على الحركة الثقافية بالوطن.
في حفْل التكريم تتالى على المنصة بدار الثقافة بمدينة الوادي العديد من المتدخلين: مدير دار الثقافة، الدكتور العربي الزبيري، الدكتور سليمان الشيخ، الأستاذ ميهوبي عز الدين، الأستاذ الطاهر وطار، والي الولاية وغيرهم كلٌّ منهم نوّه بالمكرَّميْن..إلاّ أن "سي الطاهر وطّار" أسهب في الحديث عنّي، وكعادته ـ رحمه الله ـ ضمّن كلامه بعض النُّكت التي منها :
ــــ إن سي بشير خلف صديق وفيّ للجاحظية، وهو عبارة عن صمّام أمان لها، في كل سنة يفاجئني بما يسدّ بابًا من أبوابها المفتوحة، ولا أخفي عليكم أن اشتراكه الذي وصلني منذ أيام سدّدتُ به فاتورة الكهرباء للجمعية..
في تلك الليلة أجرى الشاعر المعروف، والإذاعي بإذاعة " سُوفْ الجهوية " غربي اسماعيل حوارا مطولا بالفندق امتد لِما يقرب من الساعة، وكان حوارا شيقا أذاعته الإذاعة فيما بعد عدة مرّات، ونقلتُه له شخصيا في شريط لمّا زرتُ العاصمة فيما بعد.. هذا الحوار الذي ضيّعته إذاعة سُوفْ ، وتبيّن ذلك لمّا أرادوا أن يقدموا شيئا عن "سي الطاهر بمناسبة رحيله الأبدي" هذه الأيام..هكذا نحن خزانتنا التي تحفظ ذاكرتنا الثقافية والتاريخية دائمًا مخرومة ليست أمينة !!
في صبيحة يوم 02 مارس 2001 يوم عودته إلى العاصمة طلب مني سي الطاهر أن أتجول به خارج مدينة الوادي حيث كان له ما أراد، فكانت الجولة في عدة بلدات وبلديات تمتد شرقا على الطريق الذي يُوصل إلى تبسّة من جهة، وكذا إلى المركز الحدودي الطالب العربي، لتنتهي الجولة قبل التوجه إلى المطار بمدينة قمار، وأزقتها، وأحيائها العتيقة لِما يشعر به من حميمية نحو هذه المدينة التي منها الشيخ حنّي أستاذه الأول، ومنها صديقه القديم المرحوم سلطانة الصادق الذي كان من أحسن المعلمين، غير أن حالته الصحية والنفسية كانت متدهورة أيام ذاك، وانعزل عن الناس ..
بحثنا عنه يومذاك في " قمار" وما وجدناه وكأن الأرض ابتلعته..صديقه الذي سكن معه في غرفة واحدة لمّا التحق بجامع الزيتونة بتونس، وتأثر به سي الطاهر وطار كثيرا، ومنه تعلم الرياضيات التي كان يكرهها، كما تعلّم منه حبّ المطالعة، وخاصة السرديات، ومنها الروايات العالمية..والطريف أنه بعد أن أقلعت الطائرة، وعاد سي الطاهر إلى العاصمة، عدتُ إلى مدينة قمار فلاح لي الصادق سلطانه يلوّح بحركاته المعهودة، فاقتربتُ منه وقلتُ له : الطاهر وطّار يبحث عنك، فأوقف حركاته، وكأنه عاد إلى رشده، وبحميمية قال: أين هو؟ أين؟ ..ثم غادر ليستأنف حركاته.
القلب المفتوح للجميع
فتح لي قلبه مثل ما فتحه لغيري، وامتدت يداه للجميع، فكان دائمًا يتصل بي ويستفسر عمّا إذا كان لديّ عملٌ إبداعيّ جديد كي ينشره، وفي كل بداية سنة ثقافية يتصل بي هاتفيا، ويطلب مني أن أشارك بمداخلة في ندوات يوم الأربعاء التي تنظمها الجاحظية، فكنت أعتذر لبعد المسافة، وقيود المنصب الإداري التربوي الذي أتولاّه..فكان يلحّ ممّا أدى بي إلى المشاركة حضورا عدة مرّات، وتقديمًا مرة واحدة..كما أنه رغب مني أن ننصب فرعًا للجاحظية بولاية الوادي، فأقنعته بأن لا لزوم لذلك كوْن ولاية ورقلة القريبة بها فرْعٌ، وولاية بسكرة فيها فرعٌ، ومدينة الوادي بها جمعية ثقافية نشطة هي الرابطة الولائية للفكر والإبداع ..رابطة تجمع خيرة المبدعين والمثقفين بالولاية رئيسها عضو في الجاحظية، واعضاؤها اعتبِرْهم أعضاء في الجاحظية يا سي الطاهر.
في السنوات الأخيرة ظهر جيل من الشباب المثقف المبدع خاصة في فن الشعر بولاية الوادي، يتحركون ويحركون المشهد الثقافي محليا وجهويا، طلبوا مني الاتصال بسي الطاهر كي ينشطوا بالجاحظية ويقدموا قراءات شعرية، لبّى ـ رحمه الله ـ طلبهم، واحتفى بهم شخصيا، وقدمهم في ندوة الجاحظية الأسبوعية، وتبنّى أعمالهم، وشجّعهم على النشر.
فتح لي قلبه مثل ما فتحه لغيري، وامتدت يداه للجميع، فكان دائمًا يتصل بي ويستفسر عمّا إذا كان لديّ عملٌ إبداعيّ جديد كي ينشره، وفي كل بداية سنة ثقافية يتصل بي هاتفيا، ويطلب مني أن أشارك بمداخلة في ندوات يوم الأربعاء التي تنظمها الجاحظية، فكنت أعتذر لبعد المسافة، وقيود المنصب الإداري التربوي الذي أتولاّه..فكان يلحّ ممّا أدى بي إلى المشاركة حضورا عدة مرّات، وتقديمًا مرة واحدة..كما أنه رغب مني أن ننصب فرعًا للجاحظية بولاية الوادي، فأقنعته بأن لا لزوم لذلك كوْن ولاية ورقلة القريبة بها فرْعٌ، وولاية بسكرة فيها فرعٌ، ومدينة الوادي بها جمعية ثقافية نشطة هي الرابطة الولائية للفكر والإبداع ..رابطة تجمع خيرة المبدعين والمثقفين بالولاية رئيسها عضو في الجاحظية، واعضاؤها اعتبِرْهم أعضاء في الجاحظية يا سي الطاهر.
في السنوات الأخيرة ظهر جيل من الشباب المثقف المبدع خاصة في فن الشعر بولاية الوادي، يتحركون ويحركون المشهد الثقافي محليا وجهويا، طلبوا مني الاتصال بسي الطاهر كي ينشطوا بالجاحظية ويقدموا قراءات شعرية، لبّى ـ رحمه الله ـ طلبهم، واحتفى بهم شخصيا، وقدمهم في ندوة الجاحظية الأسبوعية، وتبنّى أعمالهم، وشجّعهم على النشر.
من مواقفه وقناعاته
كلما أزوره في مكتبه يفتح لي قلبه، وغالبا ما يشتكي من مثقفي العاصمة الذين يراهم قد سلبتهم المدينة من قيم الوفاء، والإخلاص، والاعتراف بالجميل، ويرى الخير باقيًا في مثقفي الجزائر العميقة، ومن أجل هذا فالأولون في خصام معه، وإذا ما عاد الود فلفترة قصيرة، ثم يعود الخصام من جديد، ويرى بأن النهضة الثقافية لا تأتي بها إلاّ الفئة الثانية..كما كان يشكو من الوضع المالي الصعب للجمعية، وتحمّله كل الصعاب وحده، فأواسيه موضحا له أن أغلب الجمعيات في البلد الرئيس وحده يكابد ويعاني.
من مواقفه التي حدثني عنها شخصيا، أن رئيس مؤسسة البابطين للشعر العربي، لمّا زار الجزائر لأول مرة، واحتُفي به من طرف السلطات العليا في البلد، في حفل كبير جدا حضرته وجوه ثقافية معروفة، وسياسية وُجّهت له الدعوة كغيره من الوجوه الثقافية، رفض الدعوة مبرّرا ذلك بأن أيام العهد العبّاسي ولّت إلى غير رجعة أين كان يقف الشعراء أمام الملك، أو الأمير، أو السلطان يمدحونه بقصائد عصماء، فيكافؤون بالعطايا، وأنا لستُ من هؤلاء الشعراء.
خلال الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2004 دعاه أحد المترشحين لتناول كأسٍ شايٍ معه في جلسة حميمية ـ حدثني شخصيا بهذا ـ فكان ردّ سي الطاهر لمنْ حمل له الدعوة :
ـــ قلْ لصاحبك الذي أرسلك إليّ : كان عليكم أن تسددوا إليّ قيمة الكتب التي اشتريتموها مني وأنتم على رأس وزارة الثقافة قبل أن ترغبوا منّي تناول كأس الشاي معكم.
قبل سنوات قليلة تفضّل فخامة رئيس الجمهورية بتوجيه مجموعة كبيرة من أهل الفكر والفن لتأدية فريضة الحج، ومن الذين وجهت لهم الدعوة سي الطاهر وطار الذي رفض الدعوة، وارتأى تأجيل أداء هذه الفريضة بهذه الصورة ، والانضمام إلى هذه الكوكبة، وصرّح هو شخصيا لوسائل الإعلام التي كتبت عنها في حينها؛ ولمّا التقيتُ به ـ رحمه الله ، وعاتبتُه على موقفه هذا أجابني بما يلي:
ــــ إن فريضة الحج ليست قطعة شوكولاطة، أو خبزة يمنّ بها عليك الغير فجأة دون مقدمات، فالحج ليس أداء الشعائر فحسب، إنما هو قبل ذلك إعداد نفسي وروحي، وتجليات تعتري الإنسان قبلُ، وأنا لم تعترني هذه التجليات، ولا أزال أبتغي من الحياة الدنيا عدّة مآرب.
في رأيي الشخصي موقف غير سليم البتّة، وعاتبته أكثر من مرّة عليه، وعلى فرصٍ كثيرة ضيّعها حتى لأداء العمرة، وهو الذي يمّم الشرق والخليج العديد من المرّات..غادر هذه الحياة الفانية وما كتب الله له أن ينعم بهذا العطاء الإلهي.
كلما أزوره في مكتبه يفتح لي قلبه، وغالبا ما يشتكي من مثقفي العاصمة الذين يراهم قد سلبتهم المدينة من قيم الوفاء، والإخلاص، والاعتراف بالجميل، ويرى الخير باقيًا في مثقفي الجزائر العميقة، ومن أجل هذا فالأولون في خصام معه، وإذا ما عاد الود فلفترة قصيرة، ثم يعود الخصام من جديد، ويرى بأن النهضة الثقافية لا تأتي بها إلاّ الفئة الثانية..كما كان يشكو من الوضع المالي الصعب للجمعية، وتحمّله كل الصعاب وحده، فأواسيه موضحا له أن أغلب الجمعيات في البلد الرئيس وحده يكابد ويعاني.
من مواقفه التي حدثني عنها شخصيا، أن رئيس مؤسسة البابطين للشعر العربي، لمّا زار الجزائر لأول مرة، واحتُفي به من طرف السلطات العليا في البلد، في حفل كبير جدا حضرته وجوه ثقافية معروفة، وسياسية وُجّهت له الدعوة كغيره من الوجوه الثقافية، رفض الدعوة مبرّرا ذلك بأن أيام العهد العبّاسي ولّت إلى غير رجعة أين كان يقف الشعراء أمام الملك، أو الأمير، أو السلطان يمدحونه بقصائد عصماء، فيكافؤون بالعطايا، وأنا لستُ من هؤلاء الشعراء.
خلال الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2004 دعاه أحد المترشحين لتناول كأسٍ شايٍ معه في جلسة حميمية ـ حدثني شخصيا بهذا ـ فكان ردّ سي الطاهر لمنْ حمل له الدعوة :
ـــ قلْ لصاحبك الذي أرسلك إليّ : كان عليكم أن تسددوا إليّ قيمة الكتب التي اشتريتموها مني وأنتم على رأس وزارة الثقافة قبل أن ترغبوا منّي تناول كأس الشاي معكم.
قبل سنوات قليلة تفضّل فخامة رئيس الجمهورية بتوجيه مجموعة كبيرة من أهل الفكر والفن لتأدية فريضة الحج، ومن الذين وجهت لهم الدعوة سي الطاهر وطار الذي رفض الدعوة، وارتأى تأجيل أداء هذه الفريضة بهذه الصورة ، والانضمام إلى هذه الكوكبة، وصرّح هو شخصيا لوسائل الإعلام التي كتبت عنها في حينها؛ ولمّا التقيتُ به ـ رحمه الله ، وعاتبتُه على موقفه هذا أجابني بما يلي:
ــــ إن فريضة الحج ليست قطعة شوكولاطة، أو خبزة يمنّ بها عليك الغير فجأة دون مقدمات، فالحج ليس أداء الشعائر فحسب، إنما هو قبل ذلك إعداد نفسي وروحي، وتجليات تعتري الإنسان قبلُ، وأنا لم تعترني هذه التجليات، ولا أزال أبتغي من الحياة الدنيا عدّة مآرب.
في رأيي الشخصي موقف غير سليم البتّة، وعاتبته أكثر من مرّة عليه، وعلى فرصٍ كثيرة ضيّعها حتى لأداء العمرة، وهو الذي يمّم الشرق والخليج العديد من المرّات..غادر هذه الحياة الفانية وما كتب الله له أن ينعم بهذا العطاء الإلهي.
كلمة ختامية
رحل سي الطاهر عن دنيانا هذه..هو من السابقين ونحن من اللاحقين، نحن لا ننضمّ إلى قاموس البُكائيات التي لا تراعي قضاء الله وقدره في مخلوقاته، وفيما أبدع وخلق مثل ما كتبوا، وصرّحوا: ( نُكبت)، ( فُجعت) ،( أصيبت) الثقافة العربية والجزائرية برحيل فلان وعلاّن، وغيرها من البكائيات التي يأنف من ذكرها الإنسان المؤمن، نحن نقول : إن الله استردّ ما أعطى وفقًا لمشيئته جلّ جلاله، ووفقًا لِما يقول في كتابه الكريم:
" قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ" يونس49
وكذلك قوله " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ." المُلك 1-2
رحمك الله يا " سي الطاهر وطار" وغفر لك ولنا، وأجازك عمّا قدّمت للفكر والثقافة العربية، وتقبّل الله جهادك، ودفاعك عن هوية الأمة الجزائرية والعربية، وعن الحرف العربي، وجعلك من الذين يدخلون في فئة " أيكم أحسن عملاً" فتقبّلَ أعمالَهم وغفرَ لهم.إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
رحل سي الطاهر عن دنيانا هذه..هو من السابقين ونحن من اللاحقين، نحن لا ننضمّ إلى قاموس البُكائيات التي لا تراعي قضاء الله وقدره في مخلوقاته، وفيما أبدع وخلق مثل ما كتبوا، وصرّحوا: ( نُكبت)، ( فُجعت) ،( أصيبت) الثقافة العربية والجزائرية برحيل فلان وعلاّن، وغيرها من البكائيات التي يأنف من ذكرها الإنسان المؤمن، نحن نقول : إن الله استردّ ما أعطى وفقًا لمشيئته جلّ جلاله، ووفقًا لِما يقول في كتابه الكريم:
" قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ" يونس49
وكذلك قوله " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ." المُلك 1-2
رحمك الله يا " سي الطاهر وطار" وغفر لك ولنا، وأجازك عمّا قدّمت للفكر والثقافة العربية، وتقبّل الله جهادك، ودفاعك عن هوية الأمة الجزائرية والعربية، وعن الحرف العربي، وجعلك من الذين يدخلون في فئة " أيكم أحسن عملاً" فتقبّلَ أعمالَهم وغفرَ لهم.إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق