السبت، 2 مارس 2013

الثقافة البيئية ..البعد الغائب


الثقافة البيئية ..البعد الغائب
         بقلم : بشير خلف                                  
     أصدرت رابطة الفكر والإبداع بولاية الوادي /الجزائر كتابها السنوي الذي يحمل عنوان: الثقافة البيئية..البعد الغائب، لمجموعة من الأساتذة المتخصصين في قضايا البيئة..الكتاب صدر عن دار مزوار للطبع والنشر بمدينة الوادي، يضمّ الكتاب مجموعة من المحاضرات لأساتذة من جامعات جزائرية من بينهم الدكتور محمد قماري ..دكتور في الطب وباحث في اللسانيات وعضو في المجلس الأعلى للغة العربية ، والدكتور لشهب بوبكر متخصص في الشريعة الإسلامية ذ، والدكتور أحمد زغب متخصص في الموروث الشعبي، والدكتور برحماني محفوظ متخصص في المالية العامة بجامعة البليدة، ولأستاذ عادل محلو متخصص في الأدب والنقد العربييْن وغيرهم من أساتذة من جامعات الجزائر، والبليدة ،وغرداية، وعنابة، وبسكرة، والوادي.
         الكتاب من الحجم المتوسط تبلغ صفحاته 284 صفحة تتضمّن: مدخلا لرئيس الرابطة، فكلمة السيد حسن مرموري مدير الثقافة لولاية الوادي ،ثم كلمة السيد محمد حمدي مدير دار الثقافة بالوادي أين انتظمت الندوة الفكرية السابعة أيام :24 ،25 ،26 مارس 2008 جاءت في وقتها ذلك أن قضايا البيئة فرضت نفسها بقوة في أغلب دول العالم من بينها الجزائر التي أعلنت على لسان وزيرها للبيئة أن سنة 2008 هي سنة البيئة في الجزائر.
         إن رابطة الفكر والإبداع بولاية الوادي إيمانا منها بأن الثقافة البيئية كوعي بأهمية البيئة في حياة الإنسان، وكسلوك حضاري لا ينفصل عن الحراك الشامل الذي يقوم به الفرد والمجتمع، وإحساسا منها برسالتها التثقيفية التوعوية فقد نظمت ندوتها هذه.. ضامّة جهودها إلى أنصار الدفاع عن البيئة، وضرورة حمايتها؛ حيث ينظر أنصار البيئة للعلاقة بين الإنسان والبيئة كعلاقة متداخلة حتمية وإجبارية، وذات تأثير لكليْهما، وبهذا المعنى لا يمكن النظر إلى الإنسان بمعزل عن البيئة، ومتابعة مشكلاته الوجودية بإهمال هذا الجانب، أو عدم الارتقاء لمستوى في التفكير يعطيه ما يستحق. إذْ أن هناك تفاعلا إيجابيا أو سلبيا  بين السيرورة الاجتماعية-الاقتصادية والتوازنات البيئية الأساسية. ولا يمكن للمرء أن يكون جديا في تناول موضوع الحقوق الإنسانية، والرفاه، والسعادة دون أن يضع نصب عينيه النتائج الكارثية لبعض المشكلات البيئية التي فرضت نفسها حديثا على الإنسان المعاصر أينما تواجد، وصارت تهدد حياته، وتدمر مكتسباته.
         ولعل دخول ما أصبح يُعرف اليوم بالثقافة البيئية جاء محصّلة لغياب الوعي الفردي والجماعي في التعامل مع البيئة كوسط طبيعي تحيا فيه الكائنات بما فيها الإنسان، وكمحضن له يوفر له الصحة البيولوجية، والتوازن النفسي، والتوافق مع محيطه..هذه الثقافة غائبة لدى أغلب مواطنينا، وربّما يتحجّج البعض أنها مغيّبة من أطرافٍ بإمكانها أن تفعل الكثير من أجل حماية البيئة والمحافظة عليها..
          في اعتقادنا أن الحفاظ على البيئة يبدأ من المواطن نفسه كتربية ..كسلوكٍ مستمرٍّ في يومياته، فإذا كان الإسلام الحنيف هو ديننا، ونحن نمارس العبادات ليلا نهارا، وهذه العبادات تستند إلى الطهارة الشاملة، أفأحرى أن يكون الفرد المسلم أوْلى من يسلك هذا السلوك، ويتبنّى ثقافة الحفاظ على البيئة دون الحاجة إلى من يحسّسه في ذلك سواء بالتلميح أو التصريح.
         وقد توجت الرابطة عملها بإصدار كتابها السنوي بعد الندوة بشهر ونصف ..كتاب قيّم بشهادة كلّ منْ تسلّم نسخة منه، واطّلع عليه ..الكتاب تحت عنوان: الثقافة البيئية..الوعي الغائب.
         الكتاب تمحورت المحاضرات فيه كالتالي:
ـ المحور الأول..الإنسان والبيئة: الإنسان والبيئة تناغم أم تصادم؟ ـ التلوث اللساني ودلالاته الاجتماعيةـ الإنسان والبيئة من منظور سيكولوجي ـ الإعلام والبيئة.
ـ المحور الثاني..البيئة في الإسلام : حماية البيئة في التشريع الإسلامي ـ البيئة في الإسلام ـ البيئة والمذهب الصوفي.
ـ المحور الثالث..الثقافة البيئية: البيئة الموروث الشعبي ـ الثقافة البيئية..المهام والأبعاد ـ هل أنت مثقف بيئيا؟ .
ـ المحور الرابع..السياحة البيئية : السياحة البيئية في ظل التنمية المستدامة ـ السياحة البيئية
ـ المحور الخامس..الرؤى الاقتصادية والاجتماعية للبيئة:واقع البيئة في الصحراء،وادي سوف نموذجا ـ التنمية والبيئة ـ أدوات تسيير البيئة في القانون الجزائري ـ التنمية المستديمة في الجزائرـ البيئة والفقر.
ـ المحور السادس..حماية البيئة: الآليات الاقتصادية لحماية البيئة ـ استراتيجية حماية البيئة.
ـ المحور السابع..التربية البيئية: التربية البيئية بين تحديات الواقع ومناهج التعليم ـ التربية البيئية لتلاميذ المدرسة الابتدائية ـ التربية البيئية بين المفهوم والغاية.
           ركّز رئيس الرابطة في كلمته المدخلية على المشاكل التي باتت تُـؤرق العقلاء، والحريصين على سلامة الحياة على كوكبنا الأرضي أيّامنا هذه : قضيةُ البيئة، وعلاقةُ الإنسان بها ، وكيفية معالجتها بما يضمن للإنسان عيشا كريما آمنا من كلِّ تهديد يترصد حياته وصحَّته وغذاءه ومحيطه بشكل عام.
       ومشكلُ البيئة وليدُ التطوُّر السريع الذي شهدته البشرية في القرن العشرين كما هو معروفٌ ، وإفرازاتُ الثورة الصناعية، وتنامي المدن السريع ، فضلا عن السباق في مضمار الصناعات العسكرية والأسلحة الكيماوية، والمفاعلات النووية، وغيرها مما تدعو إليه ضرورة تلبية الحاجات المتزايدة للملايير المتكاثرة من سكَّان المعمورة.. لهذه الأسباب دقَّ العقلاء ناقوس الخطر، لِـما أصاب توازنَ الحياة من خللٍ خطيرٍ، أضحى يهدِّد الحياة والأحياء على كوكبنا الصغير.
         وتعني كلمة البيئة بمفهومها العام، الوسطَ أو المجالَ الذي يعيش فيه الإنسان فيتأثر به ويؤثر فيه،فالمنزل بيئة،والمدرسة بيئة،والشارع بيئة،والحيّ بيئة،والمجتمع بيئة،والمصنع بيئة،والعالم كلّه بيئة،وهكذا… وقد تتَّسع البيئةُ لتشمل الأرضَ التي تقِـلُّنا والسماء التي تُـظِـلُّنا، وقد تضيق لتخصَّ بيتَ الإنسان وموقع عمله وسكناه، وهي باختصار كلُّ شيء يحيط بالإنسان .
         وتتجلَّى أهميـَّة البيئة في كون الإنسان ذا علاقة وطيدة بمحيطه، فمنذ فجر التاريخ والإنسان يسعى لتطوير حياته،واستغلال ما حوله بما يحقِّق رغباته ويلبِّي حاجاته، مترقيـًّا من الضروريات إلى قمة الكماليات..وفي سبيل تحقيق هذه الغايات حدثت آثارٌ سلبية لم تكن في الحسبان، لم يتفطَّن لها الإنسان في الإِْبـَّان، ثم تجلَّت مخاطرُها للعيان، فتداعى المخلصون لإنقاذ الوضع قبل فوات الأوان.
         وكانت أبرزُ آثارِ تدهورِ البيئة من خلال تدخّل الإنسان ، مشكلةَ التلوُّث بكافَّة أنواعها وتجلياتها، ومشكلةَ استنـزاف الموارد الطبيعية، ومشكلةَ التصحُّر.هذا ويُفرِّق الباحثون بين مفهوم البيئة، ومفهوم النظام البيئي؛ فالنظام البيئي هو وحدة بيئية متكاملة تتكون من كائنات حية، ومكونات غير حية في مكان معين؛ يتفاعل بعضها ببعض وفــق نظام دقيق ، ومتوازن في حركة دائبة لتستمر في أداء دورها في إعالة الحياة، ولذلك يُـطلق على النظام البيئي من هذا المنطلق: نظامُ إعالة الحياة.
          وتُـعـدُّ مظاهرُ هذا الخلل من أهم القضايا التي تُـناقشها أدبياتُ البيئة في الوقت الراهن. على سبيل المثال: قضايا التلوث البيئي- الماء والهواء والتربة- والتلوث الصوتي- الضوضاء- وأخطار انقراض بعض الكائنات الحية، كما تُطرح بشدة قضية ثقب الأوزون إشارةً إلى تأثيرها في تغير المناخ.
      وهنا تجتمع إرادة الخيّرين في الدفاع عن كوكبنا هذا من خلال:
1 ـ الدفاع عن البيئة وحمايتها .
2 ـ النظرة الكلية للكون .
3 ـ استدامة التنمية ، ورعايتها للبيئة
4 ـ الدفاع عن القيم: حيث يتمّ التركيز على القيم التي يعتنقها الأفراد في تعاملهم مع البيئة من حرصٍ على حياتهم ، وعلى حيوات الأجيال القادمة.
         إن الثقافة البيئية تهتمّ بالتوعية، والتحسيس المستمر لجميع الأفراد مهما كان عمُرهم،ومهما كان جنسهم،وأينما تواجدوا بأهمية البيئة،والمحافظة على المحيط من أجل الحفاظ على صحّة الإنسان وكذا وجود وبقاء الكائنات الأخرى سليمة حفاظا عليها كمكوّنٍ رئيسٍ وهامّ في الطبيعة من جهة،وحفاظا على التوازن البيئي من جهة أخرى ..ولا تتوقف الثقافة البيئية عند هذا الحدّ؛ بل تهدف إلى أن يتمتع الأفراد بجمال الطبيعة وسحْر المحيط ممّا يؤثّر على التوازن النفسي لديهم فتكون علاقتهم بخالق الطبيعة، ومبدع جمالياتها قوية متينة،وعلاقتهم فيما بينهم علاقة محبّة ووئام، وتعاون في إطار قيمٍ سامية تِؤطّرها روح المواطنة .
         ولئن كانت هذه من بعض أهداف الثقافة البيئية،فإن التربية البيئية التي عادة ما تكون موجّهة إلى المتعلمين في كل مراحل التعليم ،وإلى الشبان في دُور الشباب والمراكز الثقافية،وعناصر الكشافة،وفي المساجد ،فإنها تهدف إلى محاربة الجهل بشؤون البيئة، وإلى إعداد أجيال من المتعلّمين الواعين بمشاكل البيئة،والقادرين على المشاركة في حلّها.
        ومن المبادئ التي يتفق العلماء على ضرورة تحقيقها في برامج التربية البيئية :
1 ـ أن تكون عملية مستمرّة طوال الحياة،وفي المدرسة،وخارجها.
2 ـ أنْ تُدرّس البيئة كَـكُل،بما فيها من مكوّنات طبيعية،ومكوّنات من صُنْع الإنسان .
3 ـ أن تكون التربية البيئية البيئية مسؤولية كلِّ الجهات القائمة على أمور التربية والتعليم،أي التربية المباشرة وغير المباشرة،وعلى كلّ المستويات.
4 ـ أن تكون التربية البيئية متعددة الاتجاهات، فتشملَ كل المجالات والعلوم المتصلة بالبيئة: اقتصاد،سياسة، جغرافيا،صحة،علوم طبيعية ،قانون،إدارة …

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  لن تكون أية لغة "صعبة" بعد الآن بفضل هذا الاختراع الياباني الذكي كتب: بشير خلف        يُعدّ التحدث بلغة أجنبية مهارة مطلوبة ...