الإبداع بين التنظير والممارسة
الإبداع نشاط إنساني ذهني راق ومتميز ناتج عن تفاعل عوامل عقلية، و شخصية، و اجتماعية لدى الفرد بحيث يؤدي هذا التفاعل إلى نتاجات، أو حلول جديدة مبتكرة للمواقف النظرية، أو التطبيقية في مجال من المجالات العلمية، أو الحياتية، وتتصف هذه المجالات بالحداثة، و الأصالة، والمرونة، والقيمة الاجتماعية.
الإبداع سلوك إنساني خلاّق يكمن في داخل كل فرد ، يتفتق في حالات تحفيز المدارك، واستثارة الأحاسيس ضمن وسائل عديدة، ليوجد أفرادا متميزين لديهم ملكة الحضور الدائم، والحيوي للعقل الباطن (اللاواعي)، وباستطاعتهم الحصول على أنسب الحلول وأفضلها من مجموعة خيارات مطروحة، أو استنباط مجموعة رؤى، وتصورات مبتكرة لمسألة مستعصية.
لذا يعد الإبداع موهبة كامنة في كل إنسان كبقية المواهب المستترة ، تحتاج إلى إثارة وصقل وممارسة نوعية دائبة كي تكون ملكة حاضرة عند كل ملمة، وإنتاج جديد؛ وعلى هذا فلا يتصور البعض أن الإبداع مختص بأصحاب الذكاء الخارق، أو أولاد الذوات، فالكل عليهم إعمال عقولهم، وتفجير مواهبهم للوصول إلى حالة الإبداع الواقعي في شتى مجالات الحياة الفردية والاجتماعية.
غير أن الإبداع يكون أكثر اتساعاً/عمقاً، عندما لا تواجهه معوقات في العالم الخارجي. ومعوقات الإبداع في المجتمع العربي كثيرة، تجئ بشكل خاص من عدة مصادر.
هذه المعوقات تحدّ من فسحة الإبداع في المجتمع، خاصة في المجتمع العربي ـ وما أكثرها ـ ، بحيث أنها تشكل نسبة ضئيلة من الفسحة الإبداعية التي تتيحها بعض المجتمعات الديمقراطية في أوروبا والغرب عموماً.
وعلى هذا، فإن الإبداع في المجتمع العربي، في مختلف تجلياته، الفنية والفكرية، لا يزال مقصراً؛ مقصراً مثلا في الدخول إلى عالم المكبوت، أو المقموع، أو اللامألوف، أو المسكوت عنه، والكشف عن هذا العالم، وبخاصة ما اتصل من هذا كله في الجسد وفي علاقة الإنسان بما وراء الطبيعة. كما أنه لا يزال مقصراً في إرساء البُعد النقدي الذي يتيح إعادات النظر الدائمة والتجاوز الدائم.
ولا يزال مقصراً أيضاً في إرساء الحركية داخل مسار الإبداع، بحيث يظل المبدع يشعر أن المهمة بالنسبة إليه وإلى الإبداع لا تكمن فيما أنجزه بقدر ما تكمن فيما يطمح انجازه. ولا يزال مقصراً في التأسيس لفضاءات فسيحة يثبّت فيها الإبداع نفسه في كل المجالات الحياتية؛ ولا نستغرب أن عالمنا العربي اليوم يعيش عالّة على المجتمعات الأخرى في قوْته، ولبسه، ودوائه، وغير ذلك وقد أغناه الله بكلّ الخيرات والكنوز التي تمكّنه من أنْ لا يكون عالّة، لكن أهل الحلّ والربط فيه فضّلوا خنْق الكفاءات والمواهب حتّى لا يبدعوا، وينتجوا ويحرّروا هذه الأمة من التبعية.
إن رابطة الفكر والإبداع بولاية الوادي وإيمانا منها بقيمة الإبداع سواء للفرد، أو الجماعة ، وقناعة منها بأن هذه الملكة التي أودعها الله في كل إنسان، حتى يجد الحلول لقضاياه الآنية والمستقبلية ارتأت في ندوتها الفكرية الثالثة وهي لا تزال تحبو في طوْر الإنشاء أن تتعرض لهذا الموضوع الهام والمصيري في حياة كل الشعوب، فكانت موضوع الندوة : الإبداع بين التنظير والممارسة يومي 22 ـ 23 /03/2003 بقاعة حمّي بلقاسم بالوادي بحضور جمْعٍ من المثقفين والمربين، وأطر الندوة عدد من الأساتذة ذوي الاختصاص، خاصة من جامعات وهران، الوادي قسنطينة.
إن الرابطة وكعادتها جمعت كل محاضرات الندوة ووثقتها في إطار محاور مترابطة، وأصدرتها في كتاب يحمل عنوان الندوة ..فكان أول كتاب تصدره الرابطة لتتوالى بعده الكتب فيصير عددها تسعة كتب في سنة ألفيْن وثمانية.
صفحات الكتاب 146 صفحة من الحجم المتوسط ..مواضيعه رتبت في المحاور التالية بعد الاستهلال والتقديم :
المحور الأول: الإبداع نخبويا واجتماعيا.
المحور الثاني: الإبداع في التراث الشعبي
المحور الثالث : الإبداع في الفكر والحياة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق