الشاعر الشعبي علي عناد
يقصد بـالشعر العربي أي شعر كتب باللغة العربية، بشرط أن يكون موزونا ومقفى، فالوزن شرط لازم في جميع أنواع الشعر، القديم والحديث، على حد سواء، بما فيه الشعر المعاصر، باستثناء ما يسمى بقصيدة/النثر، أما القافية فهي لازمة في معظم أنواع الشعر القديم، لكن الشعر الحديث أخذ يقلص من دور القافية المعروفة التي ينتهي بها البيت، فاستعمل الشعر المرسل، أي الشعر دون تقفية خارجية، وإن كان قد سعى، في الواقع، إلى تعويضها بنوع من التقفية الداخلية، التيلايمكن الاستغناء عنها، بالنسبة لأي نوع من أنواع الشعر، وفي أي فترة من فترات الشعر العربي، جاهلي أو إسلامي أو أموي أو عباسي أو أندلسي أو حديث.
كل شعر خلاف الشعر العربي الفصيح هو عامي شعبي … والتسمية بالشعبي بالشعبي تعني أنّه شعبي من واقع البيئة الشعبية. فالشعر الشعبي هو الّذي يُتكلم بلهجة أهل البلد الدارجة والمتميزة والّتي ينطق بها شخص يُعرف أنّه من أهل ذاك البلد .
كما أن الكثير يُطلق على هذا النوع من الشعر، خاصة في بلدان المغرب العربي بما في ذلك ليبيا بالشعر الملحون أو النظم الملحون نَــظْم شعبي توارثناه أبا عن جد، يحكي فيه الناظم عن أمور عديدة تتنوع بين المديح الديني وحب الوطن والغزل… إلخ، ينظم أولا وحسب رأي العديد من المؤرخين في هذا المجال بغرض تلحينه وغنائه.
يقول الدكتور عبد العزيز الأهواني في كتابه الزجل في الأندلس: لسنا في حاجة لأن نثبت من الناحية العقلية ضرورة وجود الأغاني في المجتمع الإنساني كله، وإن الأغاني الشعبية قديمة العهد بين سكان المدن والبوادي وإن الحياة الإجتماعية بمناسباتها المفرحة والمحزنة قد حتمت التعبير الجماعي الذي يستعين بالآلة الموسيقية وبالتنغيم اللفظي، فاصطنع فن يجمع بين هذين الجانبين الموسيقى واللغة، وهو ما نصطلح على تسميته بالأغنية الشعبية
وتنوعت أراء المختصين حول معنى النظم الملحون وجذوره، ففي نظر الدكتور حسين نصار أن الشعر الملحون لا وجود له في العصور الماضية، وذكر ما نصه: … لا خفاء في أن هذا الاسم أو إن نشأ الدقة هذا المصطلح عربي، أي مؤلف من ألفاظ عربية خالصة، ولكنه بالرغم من ذلك لم يلفظ به عرب الجاهلية ولا صدر الإسلام ولا عرب الأمويين أو العباسيين، وإنما ابتكرناه نحن عرب العصر الحديث .
وقال جماعة من المؤرخين والنقاد أنه أدب متوارث جيلا بعد جيل بالرواية الشفوية، وحددوا له أربع خصال:
1- مجهول المؤلف
2- عامي اللغة
3- متوارث
4- بالرواية الشعبية
إن دار الثقافة بالوادي عملاً على جمْع الموروث الشعبي بالولاية، وإيمانا منها بأهميته في ترسيخ الهوية الثقافية المحلية والوطنية، واعترافا بروّاد هذا النوع من الإبداع الأدبي الشعبي في التعبير عن قضايا الجهة ومطامحها، وصراعها مع العدوّ الفرنسي؛ ارتأت بعد أن أصدرت الكتاب الأول في سلسلة الموروث الشعبي الموسوم بعنوان ( الشاعر الشعبي الساسي حمّادي حياته ومختارات من أشعاره)، هاهي تصدر في صيف سنة 2008 الكتاب الثاني للشاعر الشعبي الفحل علي عناد
الكتاب بعنوان : من روائع الشاعر الشعبي علي عناد يقع الكتاب في 230 صفحة من الحجم المتوسط، جمع وشرح وتعليق الأستاذ بن علي محمد الصالح ..مراجعة القصائد للشاعر عبد المجيد عناد نجْل الشاعر.طـبْع دار مزوار للطبع بالوادي
وممّا جاء في التصدير الذي كان بقلم الأستاذ محمد حمدي مدير دار الثقافة التي تكفّلت بإصدار الكتاب ما يلي:
« …ومهما بلغت الشعوب من تطور وازدهار فلن تحسّ بالطمأنينة على مستقبلها ما لم تحافظ على تاريخها، وتراثها، وثقافتها، وعن أيّ حضارة تتحدث وقد أهملت أهمّ أركانها وهو الجانب الثقافي الذي يمثل الخوالد الشاهدة خاصة في جانبه المادي.
وفي الثقافة يغفل الكثير عن الجانب الشعبي منها، فمنهم منْ يقزّمها، ومنهم منْ يعتبرها ثقافة العامّة فهي تفتقر للموضوعية العلمية فلا تعكس الجوانب المختلفة للمجتمع، وبذلك لا تستحقّ الدراسة الأكاديمية المعمّقة، ومنهم ـ وهم أقلاّء ـ منْ تنكّر لها، وارتمى في أحضان الحداثة وأفرط في عصرنته، واعتبر الثقافة الشعبية قد تجاوزها الزمن ..والحديث عنها هو ضرْبٌ من الرجعية الثقافية، والتقوقع على الذات.»
ولئن كانت وجوه الثقافة متعددة فإن الشعر الشعبي بين أهل البداوة يحتلّ الريادة كوسيلة هامة للتعبير عن الحركية اليومية للإنسان البدوي، وأداة للتوافق الوجودي ..بل والتماهي مع هذا الوجود:
« …والثقافة الشعبية وإنْ تنوّعت أبوابها، وفنونها، وآدابها بين التراث المادّي والشفاهي المتواتر كالقصة، والمثل، واللّغز، والشعر ونحْوها فإنها ليست بنفس الأهمية؛ فالبدْو يصنّفُ عندهم الشعر الشعبي في المرتبة الأولى باعتباره مظهرا من مظاهر الاحتفالية، فلا تخلو الأفراح دون فحول الشعر، والطبوع الشعرية، والغنائية، واستعراضات التحدّي والمبارزة بينهم لإثبات الموهبة، ونيْل اللقب.»
الشعر الشعبي في منطقة سوف فنٌّ ضاربٌ في تاريخ المنطقة، وكلّ فترة لها فحولها:
« … وعندما نتحدث عن الشعر الشعبي في منطقة سوف فإننا نتحدث عن فــنٍّ ضاربٍ في التاريخ يصعب الإلمام به ابتداء من كبار الشعراء كإبراهيم بن سمينة، وبالناوي، وأحمد بن سعود، وقدور بن التومي، وعلي بالعوينية، حتى نصل للمعاصرين منهم ليقفز إلى أذهاننا اسمٌ لامعٌ، وقطْبٌ من أقطاب هذا الفن..ملأ الأفواه والمسامع، ملَكَ قلوب الناس، وحبّب الكثير منهم في الشعر الشعبي بأسلوبه السلس، وروحه المرحة، ونظْمه الراقي والمتقن؛ إنه الشاعر القدير علي عناد أمـدّ الله في أنفاسه، وأطال عمُره.»
إن مقدمة الكتاب أوضحت بشكلٍ كبير مفهوم الشعر الشعبي وتميّزه عن الفنون والآداب الشعبية الأخرى، وأيضا تفرّده بالتواتر بين الناس عن طريق المشافهة:
« يختلف الشعر الشعبي عن غيره من الفنون والآداب الشعبية الأخرى في أنّ أغلبه معلومُ المؤلِّفِ، وليس ملكا عموميا مشاعا كالأمثال، والحِكم، والقصص الشعبية، والألغاز، ونحْوها
..ولربّما أخذ صفة الشعبية لتعبيره عن مشاعر، وهموم الشعب، وتناول قضاياه الكبرى، وتمثيل أفكاره، وكشْف مستواه الثقافي، والسلوكي، والحضاري بلغةٍ عاميةٍ، سهلة حبّبت الناس فيه، وجعلتهم ينسجمون معه، ويُعْلون من شأنه ليصبح متعتهم الفنية الأولى، خاصة في المناطق التي ترعرع فيها الأدب الشعبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق