يومية الشروق تكرّم المجاهد الطيب الثعالبي
خفت أن أموت ولا أجد أحدا يلقي كلمة على قبري
المجاهد الطيب الثعاليي خلال تكريمه
تمنيت لو أني سقطت شهيدا مع زيغود يوسف والآخرين
كرمت
مؤسسة "الشروق" المناضل في الحركة والمجاهد الطيب الثعالبي المدعو سي علال،
ويأتي هذا التكريم ضمن سلسلة التكريمات التي شرعت فيها "الشروق" لرموز الثورة
التحريرية والحركة الوطنية، وكانت البداية مع المجاهد الكبير احمد مهساس ثم الرائد
لخضر بورڤعة، ليأتي الدور ثالثا على الطيب الثعالبي.
وقد حضر تكريم سي علال، جمع من رفقاء السلاح والنضال
وبعض الوجوه الأكاديمية من باحثين ومؤرخين مهتمين بتاريخ الجزائر تقدمهم هؤلاء رئيس
الحكومة الأسبق رضا مالك، فيما اعتذر رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس الذي بعث بشهادته
حول سي علال عبر رسالة، عدد فيها خصال ومناقب الرجل .
وأجمعت شهادات المتدخلين من أصدقاء ورفقاء المحتفى
به على خصاله الحميدة وتواضعه، وأنه يمثل الجزائري الحقيقي والأصيل بفكره وخلقه على
حد تعبير رضا مالك رئيس الحكومة الأسيق ورفيق درب سي علال، وأبرزوا دوره النضالي إبان
الحركة الوطنية، وخلال الثورة التحريرية المظفرة خاصة الدور الحيوي الذي لعبه في هيكلة
فدرالية جيهة التحرير بالمغرب واتحادية الجبهة بتونس، وبفضل جهد سي علال الكبير استطاعت
الثورة ان تضمن اشتراكات مئات الآلاف من الجزائريين في المغرب وتونس، وهذا ما ساعد
الثورة ان تمول ذاتيا، إضافة إلى تجنيده لآلاف الجزائريين وإقناعهم بضرورة الالتحاق
بصفوف جيش التحرير الوطني .
كما أشار المتدخلون إلى الظروف التي عاشها سي علال
بعد الاستقلال، خاصة وأنه دفع ثمن وقوفه مع الحكومة المؤقتة غداة الاستقلال، فتعرض
للسجن والتعذيب والإقصاء، وعانى من التهميش في جزائر الاستقلال، ونتيجة ذلك فضل سي
علال الالتحاق بأول مهنة مارسها في الحركة الوطنية وهي التعليم، حيث كان أستاذا ممرنا
بثانوية حسيبة بن بوعلي بالقبة، ثم التحق بالديوان الوطني للمطبوعات المدرسية، قبل
ان يلتحق بوزارة التربية، ثم العدل، ويرافق عددا من الوزراء الذين عرفوه عن قرب أمثال
علي بن فليس وخروبي وعبد الحميد مهري .
الـطيب الثعالبي يجهش بالبكاء
"تمنيت لو أني سقطت شهيدا مع زيغود يوسف والآخرين"
أجهش المجاهد الطيب الثعالبي المدعو سي علال مباشرة
عند تكريمه ببرنوس الشروق بالبكاء، وقال "تمنيت لو أني سقطت شهيدا مع زيغود يوسف
والآخرين"، وأضاف كما يقول المثل "الثورة يخطط لها العباقرة ويسقط من أجلها
الشهداء ويقطف ثمارها الجبناء"، وتابع المتحدث تعبيرا عن التهميش الذي لقيه بعد
الاستقلال "انا حي ميت" .
وبدا سي علال شديد التواضع وقال "انا لست الشيء
الذي كنتم تتحدثون عنه وتتصورونه، انا شخص عادي"، وأضاف "لم اتوقع ان أكرم
على قيد الحياة، لأنني خفت ان أموت ولا أجد من يلقي كلمات على قبري"، وعبر المجاهد
والمناضل الكبير في الحركة الوطنية عن شديد تأثره بالتكريم من جهة، وبالتهميش الذي
عانى منه بعد الاتسقلال وقال "لقد عارضنا هذا النظام الغاشم"، وتابع
"إنهم يتكلمون عن المصالحة، عن أي مصالحة يتحدثون وهم لا يعرفون قيمة الشعب الجزائري
وكرامة الشعب الجزائري"، وأردف سي علال قائلا "إنهم يغتصبون سيادة الشعب
ويزورون ويكذبون على الشعب الجزائري" .
المستشار الإعلامي على ذراع :
عظمة الجزائر من عظمة رجال من أمثال عمي الطيب
قال علي ذراع خلال كلمة ترحيبية بضيوف التكريمية
نيابة عن المدير العام لمؤسسة "الشروق" أن الجزائر تكرم اليوم عظيما من عظمائها،
وهو تكريم لشخص ينتمي لجيل العظماء الذين فجروا ثورة أنار شعاعها على كافة أقطار العالم
.
وتابع علي ذراع بالقول إنه تكريم لرفيق درب الشهيد
زيغود يوسف، ميزته انه عاش في صمت وفي سرية تامة، فمثلما تعود على العمل بسرية إبان
الاستعمار والثورة، تعود على تلك السرية خلال الاستقلال، وهذه صفة العظماء .
وختم علي ذراع كلمته بالتأكيد على أن الجزائر لن
تنساك يا عمي الطيب، لأن عظمة الجزائر من عظمة الرجال امثالكم يا أيها الثوار.
الدكتور والباحث والمؤرخ مصطفى نويصر:
سي علال مناضل للمغرب العربي الواحد والموحد
قال المؤرخ والباحث مصطفى نويصر بأنه ومن خلال أبحاثه
اكتشف هذا الوطني الجزائري المدعو سي علال، وشدد على ان ما طبع الطيب الثعالبي هو انه
كان يفكر بفكر وقلب مغاربي، حيث مارس النضال على مستوى المغرب العربي في الجزائر وفي
تونس وفي المغرب، مشيرا إلى انه ينتمي إلى جيل المغرب العربي الواحد الموحد.
وذكر المؤرخ نويصر ان سي علال كان المنسق الرئيسي
بين المقاومين في المغرب إبان الثورة وشاهد كبير على تلك المرحلة التاريخية، حيث ناشد
نويصر سي علال وباقي المجاهدن ان يقولوا الحقيقة كامل الحقيقة للأجيال الصاعدة.
عيسى الباي محمود تلميذ الثعالبي ومجاهد بالولاية
الرابعة :
رابح درياسة ومحفوظ نحناح ومصطفى تشاكر تخرجوا كلهم
على يديه
قال المجاهد عيسى الباي محمود الذي يعد أحد تلامذة
الطيب الثعالبي بمدرسة الإرشاد بالبليدة بانه عرف سي علال سنة 49 بذات المدرسة عندما
كان تلميذا لديه، مشيرا إلى أن سي علال أو الشيخ بن علي كما يحلو له مناداته، ناضل
وتعب من أجل اللغة العربية وتعليمها للجزائريين بمدرسة الارشاد بالبليدة، وتخرجت على
يده شخصيات وطنية كثيرة امثال رابح درياسة والشيخ محفوظ نحناح ومصطفى تشاكر وغيرهم،
مشيرا إلى انه عمل على تنوير جيل كامل من التلاميذ الذين سقطوا شهداء في ثورة التحرير.
وختم المجاهد الباي محمود كلمته بالـتأكيد على أن
البلدية لم تنسى سي علال أبدا نظير ما قدمه لأبنائها وأبناء الجزائر عموما.
نورية حفصي الأمينة العامة لاتحاد النساء الجزائريات
:
لا تبخل علينا بمذكراتك يا سي علال
قالت الأمينة العامة لاتحاد النساء الجزائريات نورية
حفصي أنها ورغم عدم معرفتها الكافية بالمجاهد الطيب الثعالبي، إلا انها أدركت بأن سي
علال عظيم من عظماء الجزائر حقا، الذين صنعوا مجد الثورة التحريرية.
وناشدت نورية حفصي الطيب الثعالبي بأن لا يتوان
عن كتابة مذكراته التي تعد بمثابة كنز لتاريخ الجزائر الذي لازال ناقصا، وأعابت حفصي
على المجاهدين الذين لم يبادروا بكتابة ما في جعبتهم عن الثورة التحريرية، وقالت من
العيب ان يكتب الأجانب عن ثورتنا ونسكت نحن الجزائريون.
خالفة مبارك:نحن امام أحد حماة الجزائر وصناع تاريخها
قال خالفة مبارك رئيس المنظمة الوطنية لأبناء المجاهدين
أنه إذا كان للتاريخ صناعه وللوطن حماته، فإن المجاهد الطيب الثعالبي من حماة وصناع
تاريخ الجزائر، وأضاف نحن مع رجل صنع مجد الجزائر ووهب حياته من أجل ان تبقى الجزائر
شامخة.
وأضاف خالفة مبارك قائلا نتمنى ان نؤدي ولو جزءا
بسيطا من الواجب تجاه سي علال وكل هؤلاء العظماء.
عائشة بن حجار المنتدى العالمي للمرأة المسلمة:
إننا مقصرون في حق عظماء وشهداء الثورة
قالت عائشة بن حجار من المنتدى العالمي للمرأة المسلمة
أنها وجيل الاستقلال يعتذرون للشهداء والعظماء، كوننا سمحنا للأقدام السوداء ان يتطاولوا
ويطالبوا جزائر الاستقلال باسترجاع ما يسمونها أملاكهم بالجزائر.
وأضافت بن حجار بالقول إننا مقصرون في حق تاريخنا،
فالمشارقة يخلدون صرخة في وجه عدوهم، بينما نحن لنا رجال عظماء من امثال الطيب الثعالبي،
وصارت الثورة لا تذكر إلا بعدد الشهداء الذين سقطوا فيها، مشيرة إلى ان احتفالية الخمسينية
كان من المفروض ان تركز على إبراز الأوجه المنيرة للثورة من امثال عمي الطيب الذين
كان نضالهم لتحرير الأرض والعرض والعقل، وليس بالألعاب النارية والاحتفال الفلكلوري.
أحمد خالد رئيس جمعية اولياء التلاميذ :
التاريخ "المدرسي" يهمش رجال الثورة
قال أحمد خالد رئيس جمعية أولياء التلاميذ أن الجمعية
تتأسف كثيرا لما آلت اليه مادة التاريخ في المدرسة الجزائرية التي همشت الرجال الذين
صنعوا تاريخ البلاد وحرروها من الاستعمار.
وأضاف خالد بأن الجمعية تلوم كذلك الأسرة الثورية
والمؤرخين ورجال الثقافة والإعلام على هذا التقصير في الجزائر من أجل إدراج أسماء هؤلاء
العظماء امثال سي الطيب الثعالبي، في برامج المنظومة التربوية، وإعادة النظر فيها بمشاركة
ومساهمة الرجال النزهاء من الأسرة الثورية والمؤرخين والكتاب والعلماء، حتى تبلغ المادة
صافية غير منقوصة للأجيال الصاعدة.
رضا مالك: الطيب الثعالبي رجل عظيم فوق المناصب
"الطيب الثعالبي المعروف باسم "سي علال"
وجه من وجوه الجزائر الثورية، وفذ من أفذاذ الثورة، أشكر الشروق اليومي على هذه المبادرة
لتكريم هذا الرجل العظيم بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، هذا التكريم يدل أن مؤسسة
الشروق أصبحت مؤسسة مواطنة تلعب دورا هاما في المجال التاريخي بتعريف الشخصيات الوطنية
وتعريفها للأجيال الصاعدة، الطيب الثعالبي كما عرفته هو رمز للأصالة الجزائرية في تفكيره
وسلوكه، لعب دورا كبيرا وفعالا في إنجاح الثورة داخل وخارج الوطن، كان يملك وضوح الرؤيا
وصرامة في التطبيق، كان وطنيا ومدرسة في الوطنية، أفاد الكثير في تجربته بجمعه بين
التقاليد والمثل والعصرنة، الطيب الثعالبي رجل عظيم دون مبالغة، كان متفتحا في ذهنه،
وفي عصر الاستقلال لم يحض هذا الرجل الثوري بما يستحق، لكن نزاهته ونكران الذات جعلت
منه رجلا فوق المناصب وبعيدا عن الامتيازات الجوفاء وهذه هي صفة الرجال العظماء".
الطاهر بن عيشة: يجب على المجاهدين أن ينقذوا الجزائر
من الجهوية
"في البداية أود أن أشكر جريدة "الشروق
اليومي" التي جعلت من واجبها الإعلامي تكريم من صنعوا تاريخ واستقلال الجزائر
من المجاهدين الذين ألحقت بهم اليوم المجاهد العظيم الطيب الثعالبي الذي نجح في تجنيد
عدد كبير من الثوار داخل وخارج الوطن، وكان رجلا وطنيا بأتم معنى الكلمة، أدعو جريدة
"الشروق اليومي" إلى جمع المجاهدين المخلصين من أمثال الطيب الثعالبي في
ندوة خاصة حتى يتحدثوا بصراحة عن ايجابيات وسلبيات الثورة وينقذوا الجزائر من مرض خطير
اسمه الجهوية التي أصبحت في الكثير من المناطق فوق الجزائر، إن لم تجمعنا الجزائر فيجب
على كل واحد منا أن ينصرف الى دواره".
العقيد محمد رمضاني: الطيب الثعالبي لم يطأطئ رأسه
لأحد
"الطيب الثعالبي مثلما كان ناجحا كرجل سياسي
ومدني بامتياز، كان جنديا صارما في تطبيق التعليمات العسكرية، خاصة في مجال تجنيد الثوار
خارج الوطن، حيث أشرف على ثلاث دفعات عسكرية للجزائريين في كل من المغرب وتونس، بطلب
من هواري بومدين، قائد أركان جيش التحرير الوطني، نجح الطيب الثعالبي في تكوين اتحادية
جبهة التحرير الوطني بالمغرب وجند فيها الآلاف، حيث أقنع الجزائريين بضرورة دعم الثورة
بالنفس والمال، كان طيبا وقدوة حسنة في سلوكه السياسي والعسكري، كان رجلا فذا في تجنيد
الجزائريين، وهذا ما جعله يعين من طرف كريم بلقاسم لتأسيس اتحادية جبهة التحرير الوطني
بتونس والتي نجح فيها بتجنيد آلاف الجزائريين، وجمع بين الحركات الوطنية وجمعية علماء
المسلمين، حيث كون سبع مناطق التي تفرعت الى نواحي والى أقسام، الطيب الثعالبي لم يطأطئ
رأسه أبدا وهذا ما سيجعل التاريخ يخلده مع من صنعوا أمجاد الجزائر خلال العصور".
عبد القادر السائحي: أنا صورة حية لمجهودات الطيب
الثعالبي في تونس
"أنا صورة حية للمجهودات التي بذلها الطيب
الثعالبي "سي علال" في صناعة الثورة الجزائرية خارج الحدود، أنا كنت في تونس
ضمن لجنة مسؤولة عن شؤون الطلبة هناك، عجزنا في جعل الطلبة يؤمنون بواقع الثورة الجزائرية،
لما وصل الطيب الثعالبي إلى تونس العاصمة حقق نجاحا باهرا في تجنيد الطلبة والجزائريين
بمختلف شرائحهم، حيث جعل فضاء في جريدة المجاهد لصوت الطلبة في تونس وهذا ما ساهم في
إدماجهم بسرعة،كان له تأثير كبير في خطاب وتجنيد الجماهير، حيث استعمل مصطلح
"النظام" في خطابه مع الشباب، أنا مدين للطيب الثعالبي الذي أعاد لي ثوريتي
وحببني في الثورة بصفتي أديبا وشاعرا، بالمحبة والإقناع والعدل نجح في تجنيد الجماهير
في خدمة الثورة بالنفس والمال".
حسين زهواني: لازال الطيب الثعالبي يعيش كمناظل
بعيدا عن الشهرة
"عرفت المجاهد الطيب الثعالبي عن طريق العائلة
وبالتحديد عن طريق أخي أحمد زهواني، عرفته رجلا متواضعا جدا رغم عظمة شخصيته التي لا
تقل ثورية ولا شجاعة عن شهداء كتبت حروفهم من ذهب في تاريخ الجزائر على غرار زيغود
يوسف وعبان رمضان وبن مهيدي الذين خالطوا وعرفوا الطيب الثعالبي عن كثب، لازال الطيب
الثعالبي يعيش كمناظل بعيدا عن الشهرة والمناصب، وهو مثال حي للمجاهدين المخلصين الذين
لازالوا شاهدين على أدق تفاصيل الثورة الجزائرية، نحن بأمس الحاجة الى شهادة الطيب
الثعالبي وأمثاله على ثورتنا وتاريخنا وحتى مستقبلنا، أشكر "الشروق اليومي"
التي منحتني فرصة هذه الشخصية الوطنية الفذة".
محمد عباس: "الطيب الثعالبي هو من صنع ثورية
زيغود يوسف"
عرج المؤرخ محمد عباس على مختلف المراحل التي مر
بها الطيب الثعالبي في حياته منذ الطفولة الى اليوم، مستهلا كلامه بالحديث عن القرية
والمحيط الذي نشأ فيه هذا المجاهد البطل الذي كان له فضل إعادة زيغود يوسف إلى طريق
التضحية، وكان رفيق عبان رمضان في الدراسة، كما تحدث عن التجربة السياسية لطيب الثعالبي
الذي نجح في الانتخابات البلدية لسنة 1947، حيث عوقب بعدها بالاختيار بين العمل السياسي
أو التعليمي، فاختار التعليم، وتحدث محمد عباس عن معاناة وتجربة الطيب الثعالبي في
السجون ومعاشرته لعدد كبير من المجاهدين على غرار بوصوف وبن مهيدي وبوضياف، كما تحدث
عن التجربة الصحفية للثعالبي في المغرب، وعن مسؤوليته في مؤتمر الصومام كعضو في مجلس
الثورة إلى غاية سنة 1962، وتجربته الإعلامية في القاهرة، وتحدث محمد عباس عن موقف
الثعالبي ازاء الحكومة المؤقتة، وعرج على حياته بعد الإستقلال كمدرس في ثانوية حسيبة
بن بوعلي، ومسؤول بوزارتي التعليم والعدل، وتحدث عن تعيينه في لجنة التحقيق في لجنة
اغتيال بوضياف.
ابن فليس: "الطيب الثعالبي هو الجندي الحي
المجهول"
"عندما كلفت في التاسع من نوفمبر بمنصب وزير
العدل، قابلت وكما جرت عليه العادة الوزير الذي سبقني محمد الشريف خروبي، وكان مما
أوصاني به الاستفادة من خبرات وتجارب سي الطيب الثعالبي الذي كان مستشارا له، ففهمت
أنني أمام أمانة تاريخية عظيمة، ولقد أثبتت الأيام بعد ذلك صحة وصدق حدسي، وبينما أنا
حديث عهد بمنصبي اتعرف يوما بعد يوم على إطارات الوزارة، تعرفت على الطيب الثعالبي
وما لبثت أن قررت أخذه معي والإستفادة من خبرته خلال كل جولاتي التفقدية والعملية داخل
البلاد وخارجها، ولقد كنت على حق في ذلك، فأنا لا أحصي عدد المرات التي استنصحته فيها،
فأجاد نصحي، كما لا أحصي عدد المرات الذي أفادني بخبرته في العلاقات الإنسانية ومهارة
فكره في التعرف على التشابكات الإدارية…، مازلت أتواصل مع سي الطيب الثعالبي الى اليوم،
والرجل على كبر سنه وقدره، يعلم أسرارا كثيرة ومعلومات أكثر عن الثورة الجزائرية، وبكل
أسف أقول لجمعكم الكريم لإن كرم أقوام جنديهم المجهول فإن سي الطيب الثعالبي هو الجندي
الحي المجهول الذي يستحق كل التكريم والاحترام…".
جنّد خُمس الفيالق التي كانت في جيش الحدود
الطيب الثعالبي.. ساند الحكومة المؤقتة فدفع ثمنا
باهظا
بتاريخ الفاتح أوت 2012، يكون المجاهد الطيب الثعالبي
قد أطفأ شمعته التاسعة والثمانين، فهو من مواليد 1923، درس على يد والده الذي كان فقيها،
وكان يملك مكتبة قيّمة استفاد منها كثيرا، كما تعلّم على يد أخيه الشيخ عبد الحفيظ
الذي تتلمذ على يد العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، وبعدها أصبح معلما في مدارس
جمعية العلماء. حكاية النضال مع الطيب الثعالبي تمتد إلى سنة 1943 حين كوّن الثعالبي
أول خلية لحزب الشعب في سمندو، وتسمى حاليا زيغود يوسف، بين قسنطينة وسكيكدة، وكان
مساعده في هذه المهمة زيغود يوسف الذي بدأ معه النضال في حزب الشعب.
بعد مجازر 8 ماي 1945، يؤكد الطيب الثعالبي في لقاء
جمعنا معه ببيته "قمنا بمظاهرة في سمندو وألقي علي القبض، قبلها كنت قد أودعت
في الإقامة الجبرية سنة 1943 بالقرب من الأكفادو، وكان اعتقالا إداريا مررت فيه على
سجن الكدية بقسنطينة، الحراش ثم جنين بورزق بوهران ثم محتشد المشرية، ودام هذا الاعتقال
عاما كاملا، أطلق سراحي بعد العفو الذي أعلن عنه المجلس الوطني الفرنسي. عندما خرجت
من السجن اشتغلت لمدة عام في مدرسة حرة تابعة لجمعية العلماء المسلمين في شلغوم العيد،
وبما أن اتجاهي السياسي كان يناقض اتجاه جمعية العلماء المسلمين التي أيّدت فرحات عباس
تم فصلي، بعدها التحقت بمنصب شاغر في مدرسة الرشاد التابعة لحزب الشعب في العاصمة بالقرب
من جامع اليهود. لما جاءت انتخابات المجلس الجزائري الذي دعت إلى تأسيسه السلطات الفرنسية
بموجب أمرية 7 مارس 1944، تم منح 60 مقعدا لمجموع 10 ملايين جزائري، ومنح بالمقابل
60 مقعدا لمليون فرنسي، وهنا قام حزب الشعب تحت عنوان حركة انتصار الحريات الديمقراطية
بترشيح مناضليه، وكنت أنا من ضمن الوفد الذي جال عبر عمالة وهران للدعوة إلى ذلك، لكن
عندما وصلت إلى البيض ألقي علي القبض وتم تحويلي إلى سجن معسكر، وهناك حكم علي بسنتين
سجن، وعشر سنوات منع من الإقامة في كبريات المدن، وقد حكم علي مرتين حضوريا وغيايبا،
حضوريا باسمي الحقيقي الطيب الثعالبي، وغيابيا باسمي المستعار "الطيب الهجّام"،
وهو الاسم الذي كنت أنشط به في وهران. قضيت محكوميتي بين سجن معسكر المدني، سركاجي
بالعاصمة، سجن البرواقية المركزي وسجن تازولت (لامبيز) بباتنة. وعندما خرجت، عيّنني
الحزب في مدرسة حرة معروفة في البليدة، بقيت بها معلما لمدة سنتين، إلى جانب التعليم
كنت مرشدا في الأفواج الكشفية التابعة لحزب الشعب.
أدركته الثورة في مغنية فدعاه بن مهيدي وبوصوف للالتحاق
بهما في القيادة
بعدها حوّلت إلى مدرسة التقدم ( حزب الشعب ) بمغنية،
أين كنت أزاول نفس النشاط، تعليم سياسة وكشافة، وهناك تعرفت على المناضلين المرحومين
بن عبد المالك رمضان ( المنظمة السرية)، وعبد الحفيظ بوصوف وكانا مسؤولين بالتوالي
على نظام حزب الشعب السري في دائرة تلمسان، وهناك أدركتني الثورة التحريرية. اتصل بي
الأخوان العربي بن مهيدي وعبد الحفيظ بوصوف عند اندلاع الثورة لأشتغل معهما في القيادة
مكلفا بالجانب السياسي، وبالأخص الاتصال بين المنطقة الغربية( الولاية الخامسة) التي
كان على رأسها العربي بن مهيدي وعبد الحفيظ بوصوف، والولاية الرابعة التي كان على رأسها
رابح بيطاط، وقتها كانت الولايات معزولة عن بعضها، عندما أُلقي القبض على بيطاط انقطع
الاتصال وكان عبان رمضان قد خرج للتو من السجن، وكنت قد ناضلت معه في شلغوم العيد تحت
مسؤولية الشيخ الحسين بلميلي في حزب الشعب. عندما ألقي القبض على بيطاط انقطع الاتصال
بعبان، ولما كانت لي علاقة به أمرني الجماعة بإيجاد خيط الاتصال به، وبسهولة أعدت ربطهم
بعبان رمضان. بعدها طلب محمد خيضر من محمد بوضياف تزويده بمناضل ليكون على رأس لجنة
الإعلام والدعاية لدى إذاعة صوت العرب، فاقترحني بن مهيدي على بوضياف، وعندما التقيت
هذا الأخير في أواخر 1955 عبّرت له عن عدم تحمُّسي للذهاب إلى القاهرة لأنني لم أكن
أرغب في الابتعاد عن الجزائر، وكنت قبلها قد تفاهمت مع عبان رمضان على التعاون في العاصمة.
لكن بوضياف لم يترك لي الخيار عندما أجابني بأنّ علي الامتثال، وبعد أسبوع قضيته مع
الراحل محمد بوضياف تعرفت عليه فيه عن قرب، ووقع انسجام بيننا، فقال لي بوضياف سنقترح
عليهم شخصا آخر وأنت تبقى معنا أنا وبن مهيدي.
كانت مهمة بوضياف في ذلك الوقت جمع السلاح محليا
واستقبال السلاح من الخارج، وبالخصوص التنسيق مع المقاومة المغربية التي كوّنت من جهتها
جيش التحرير المغربي. وبناء على اتفاق سابق بين الحركات الاستقلالية الثلاث تونس، الجزائر
والمغرب تحت إشراف عبد الكريم الخطابي لتوحيد الكفاح المسلح وعدم قبول أي اتفاق مع
العدو لا يقضي باستقلال الأقطار الثلاثة. وعلى هذا الأساس كان الإخوة المغاربة، بما
أنهم حديثو العهد بحرب العصابات، يتلقون تدريبات على يد العربي بن مهيدي، بعدها انفصل
الإخوة المغاربة عنا من حيث التنسيق تحت تأثير علال الفاسي والمهدي بن بركة، عندها
التحق العربي بن مهيدي بعبان رمضان في العاصمة، وبقيت أنا وبوضياف، وإضافة إلى نشاطي
السابق في جمع السلاح كنت أتعاون مع جريدة "الأمة" التابعة لحزب الاستقلالي
(الإصلاح)، وكنت أوقع مقالات للتعريف بجبهة التحرير الوطني تحت اسم "الفتى الجزائري".
فكرنا في تأسيس جريدة "المقاومة الجزائرية"،
وكان على رأسها علي هارون، يومها كان محامي متربص بالمغرب. كما قمنا بجولة لمسح التراب
المغربي، قمنا خلالها بهيكلة الجزائريين وكانوا نحو 100 ألف التحق بهم مثل هذا العدد
من اللاجئين، ضمن خلايا ولجان من أجل التأثير في الأحزاب المغربية. وكانت لنا لقاءات
كثيرة مع محمد الخامس، كما أسسنا هناك الهلال الأحمر الجزائري، وبعدها الإذاعة السرية
بالتعاون مع الولاية الخامسة، إضافة إلى مصنع سري للسلاح لم يتمكن المغاربة من معرفة
وجوده حتى آخر لحظة لأنه كان عبارة عن ضيعة لتربية الأغنام، ولم يشك أحد في أنها تضم
مصنعا للسلاح.
عندما غادرت لجنة التنسيق والتنفيذ، التقيت بعبان
رمضان الذي أخبرني بوجود فوضى في فيدرالية فرنسا فعرض علي أن أكون على رأسها، لكنني
اعتذرت له لكوني لا أعرف فرنسا، واقترحت عليه بدلا عني عمر بوداود الذي كان معي وتحت
مسؤوليتي في المغرب.
ناصر الحكومة المؤقتة فدفع ثمنا باهظا
عندما التأم أول اجتماع لمجلس الثورة، كان أول اجتماع
بعد مؤتمر الصومام، حضرته في القاهرة وهناك خُيّرت بين أمرين إما البقاء في القاهرة،
وإما الذهاب إلى أمريكا اللاتينية بما أنني تعلمت اللغة الإسبانية خلال إقامتي بالشمال
المغربي، فأجبت لا هذه ولا تلك، وفضلت الدخول إلى الجزائر، عندها أنقذني كريم بلقاسم
بقوله "ما يحتموش عليك"، وأشار علي بمرافقته إلى تونس لتنظيم فيدرالية الجزائريين
هناك على غرار تلك التي نظمتها في المغرب. قمت بجولة مسح للتراب التونسي بعدها أسست
خلايا ولجان للمال والدعاية والاستعلامات والشؤون الاجتماعية والتكوين السياسي، فضلا
عن أنه أُسندت إلي مصالح أخرى كالصحة، الشؤون الاجتماعية، والشؤون الثقافية. وكنت أتعاون
مع هيئة الأركان التي يمثلها بومدين وجماعته، وعلى ثلاث مرات جنّدت لهم من المناضلين
ما يقارب خمس الفيالق التي كانت لديهم في جيش الحدود. كما كنت أتفقد أيضا الفيالق بالمساحرات،
أي نقيم لهم جلسات سمر للترفيه عنهم، وقد حضرت كل اجتماعات مجلس الثورة في طرابلس،
وفي الاجتماع الأخير افترقنا بعدما أساء بن بلة ليوسف بن خدة، وظهر في ذلك الوقت ما
سُمي بجماعة وجدة (جماعة بن بلة وبومدين) من جهة، ومن جهة أخرى الحكومة المؤقتة، وأنا
كنت أناصر الحكومة المؤقتة.
بعد توقيف القتال، كان محمد بوضياف وكريم بلقاسم
أول من دخل الجزائر ودخلت أنا كذلك، وكانت لي فرصة حضور اجتماع زمورة الذي ضم صالح
بوبنيدر (صوت العرب)، قيادة الولاية الثالثة، الولاية الرابعة، وعمر بوداود ممثلا لفيدرالية
فرنسا، وأنا ممثلا لفيدرالية تونس، وخلال هذا الاجتماع أخذنا قرارات بعزل هيئة الأركان
وطلبنا ذلك من الحكومة المؤقتة. لكن بعد الاستقلال وقعت الفتنة لما دخل جيش الحدود
ووقع الصدام مع الولاية الرابعة، واستولوا على الحكم، فكوّنا مع المرحوم محمد بوضياف
حزبا سريا، وهو حزب الثورة الاشتراكية، ولما أُلقي القبض علينا، بوضياف أُرسل إلى الصحراء،
وأنا أرسلوني إلى المدعو حمداش، رئيس زبانية أحمد بن بلة، قضيت شهر رمضان كلّه عنده،
وحمداش هذا هو مناضل من الولاية الرابعة وهو من الشرطة الخاصة لأحمد بن بلة، وقضيت
إثرها عاما في سجن الحراش، وعندما جاء انقلاب بومدين على بن بلة، أُطلق سراحي مع مجموعة
من المساجين. بعدها ذهب بوضياف إلى فرنسا معارضا، وعرض عليّ الالتحاق به فرفضت وكنت
أمثله في الجزائر خفية ولم يستمر أمره طويلا، حيث لم تقبله فرنسا على أراضيها بضغط
من السلطات الجزائرية يومها فانتقل إلى المغرب.
بعد هذه المسيرة عدت إلى التعليم كممرن وأُدمجت
فيما بعد في التعليم الثانوي، وكنت على رأس المعهد التربوي الوطني عندما تولى المرحوم
عبد الحميد مهري وزارة التربية، ثم اشتغلت مع الشريف وخروبي، وعندما التحق هذا الأخير
بوزارة العدل كنت معه في الديوان، كما عملت مع علي بن فليس لما كان وزيرا للعدل، وفي
سنة 1997 طلبت التقاعد".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يومية الشروق ليوم:08/08/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق