الثلاثاء، 19 فبراير 2013

الشهداء يعودون هذا اليوم


الشهداء يعودون هذا اليوم
       ذكريات الشهداء ليست مائدة مستديرة لاستحضار الأرواح، بل كتاب مفتوح يمكن قراءته واستعراض فصوله منذ 05 جويلية 1830، هو الشهيد الذي كبر الأشياء كلها حتى ملأها وغشيها، فنقرأه في هذا الكتاب ، لا نمر بمكان إلا واستوقفنا فيه شهيد، بل استوقفنا فيه شهداء، وأينما ولينا وجهونا في هذا الوطن إلا وكان في هذا الكتاب الشهداء ملء أسماعنا وأبصارنا، الجبال، الوهاد، الشعاب، الوديان والكهوف، الزنازن والمحتشدات، المقابر وشواهد القبور وحتى السماء، عندما ننظر إليها تخبر أنها كانت تلعن تلك الأسراب الطائرة التي ترجم الشهداء بالنبالم والغازات السامة، هم الشهداء يعودون هذا اليوم لقراءة كتاب فصوله 05 جويلية 1830، الأمير عبد القادر، فاطمة نسومر، بوبغلة، المقراني، الزعاطشة، بوعمامة، ضحايا أفران الظهرة، ضحايا ماي 1945وكل هذه القوافل المتلاحقة لتشكل قافلة كبيرة إلى نوفمبر 1954، وتعبر إلى الفردوس يوم 19 مارس 1962م.
      نحمل الأزهار ونزين بها قوافل شهداء الانتصار، متتبعين آثارهم وواقفين في إجلال وخشوع أمام قبورهم ونحن نقرأ قول الحق الصادق “ولا تحسبن الذّين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون”، وقال صلى الله عليه وسلم؛ “ما من نفس تموت لها عند الله خير أن يسرها أن ترجع إلى الدنيا إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل لما يرى من فضل الشهادة”.
      اليوم الوطني للشهيد هو اليوم الذي يسفه دعاة طي صفحة التاريخ، بل هو يوم لقراءة التاريخ قراءة ميدانية لا يمكن تحريفها أو نزع الحروف التي كتبت بها، ومن ذا بمقدوره طمس الجبال التي كانت مراكب الشهداء؟ ومن بمقدوره شطب الآية القرآنية التي بشرت بحياتهم وبالدرجة الرفيعة التي أكرمهم بها الله؟.
نحتفل بيوم الشهيد الذي هو يوم الإباء و بذل النفس في سبيل الله، ثم في سبيل الوطن، ومهما حاولت فرنسا السطو على التاريخ وإحالته إلى مخابرها لإصداره في طبعة فرنسية لها قدرة على أناقة التزوير وتمرير ما تنفثه في عقد السياسة والمعقدين الذين يركضون ليس لمصالحة التاريخ، وإنما للتوقيع على تزوير التاريخ والإيحاء بوضع الجاني والمجني عليه في كفة واحدة.
      الشهداء أنجزوا ما عاهدوا الله عليه، تروى قصة عن محمد بلوزداد طيّب الله روحه، وهو في مرضه الذّي مات فيه عندما جاءه بعض رفاقه في الكفاح لعيادته، فقال لهم؛ أشتاق لشيء واحد يصعب تحقيقه، فقيل له؛ ما هو لعلنا نحققه لك؟ فقال؛ رحمه الله؛ اشتقت لسماع الآذان. فقام أحد الرفقاء وشرع يؤذن، وحسب هذه الرواية، صعدت روحه إلى بارئها ساعة شروع رفيقه في الآذان.
     الكفاح الطويل الذي خاضه أبناء الجزائر ليس بسبب الخبز مثلما تدعيه مخابر فرنسا لتزوير التاريخ، بل من أجل استعادة سيادة النفس وحريتها، وتطهير الأرض من لصوص الأوطان، والفكر من تزوير حقائق الإنسان، والادعاء بأن هذا اللص المحترف والمجرم جاء برسالة التمدن والتحضر، ويشهد التاريخ بأنه ارتكب المجازر البشعة وتفنن في اختراع وابتكار وسائل البطش والقتل والدمار، فكان سبّاقا لاختراع الأفران وحرق الإنسان، كما أنّه كان السباق لأول قرصنة جوية.
      الشهداء يعودون هذا اليوم وهم كتاب الجزائر المفتوح، والذي لا يتحمل الكذب بأن الاستعمار الفرنسي ارتكب الجرائم الفظيعة، فقتل الرجال، النساء والأطفال، ووضع المقاصل في إعدام الأبطال، شرد الشعب من قراه ومداشره وجعله شعبا لاجئا، وضع الأسلاك الشائكة الرهيبة المكهربة، صادر الأملاك الخاصة بالجزائريين والعامة، هدم المساجد والمعابد وسطا على الأوقاف، استولى على السهول الخصبة وطرد الموطنين إلى قمم الجبال والبراري المقفرة، فمات من الشعب الجزائري بالوباء، الأمراض والمجاعات الملايين.
     الشهداء يعودون هذا اليوم ومعهم كتابهم الذي لا يتحمل التزوير ولا التحريف، لأنه دمهم، وما علينا نحن الجزائريين إلا تصديق الشهداء لأنهم لا يكذبون ولا يزورون ولا يبيعون للعدو ذمة، فرحم الله الشهداء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  لن تكون أية لغة "صعبة" بعد الآن بفضل هذا الاختراع الياباني الذكي كتب: بشير خلف        يُعدّ التحدث بلغة أجنبية مهارة مطلوبة ...