الأحد، 17 فبراير 2013

بشير خلف ..الصديق الأديب الكاتب


بشير خلف .. الإنسان ..
مالا تعرفــــــــــه عن الصديق العزيز ..!!
بقلم: محمد نوار
      كان صديق والدي نوار بلقا سم ــ رحمه الله ــ بدون أن أعلم ، رغم فارق السن بينهما ، ولكنهما يلتقيان في النضال الثوري والثقافة السياسية ، ومحبة الجزائر ، والظروف الاجتماعية التي عاشاها ..مجاهد ، شارك في الحرب التحريرية ، وألقي عليه القبض ، وكان رقمه التسلسلي في السجن 8701 ، وحكمت المحكمة الفرنسية حكما ب 15سنة سجنا ، قضى منها حوالي سنتين في سجن " لامبيز" بباتنة ..في الاستقلال أطلق سراحه ..ويعتبر من أصغر المجاهدين في ذاك الوقت .
• ثم عرفت ذلك من خلال والدي الذي حدثني عنه كمناضل ومعلم وشاعر ومثقف ، ومتحدث ماهر ، وابن مدينة قمار " قح " ..فشوقني للقائه ومعرفته وسماعه والاستفادة منه ..
• فأول لقاء كان في مركز تكوين إطارات التربية في الجزائر العاصمة (1978) وقضينا سنة كاملة مع بعضنا ـــ فسمحت لي المصادفة أن أعرفه عن قرب وفي وقت كاف لدراسة شخصيته المتعددة الميول والثقافات والتحديات والطموحات ــ فاكتشفت فيه الإنسان العصامي الذي كافح ، وصنع نفسه بنفسه ، ونال هذه المكانة من غير اعتماد على أحد ..تشرب جيدا ثقافة البيئة التي نشأ فيها وترعرع وأدرك أسلوب المعيشة فيها وآفاقها ..فشكل نفسه في قالب حيوي خاص به ، يعود عليه بالفائدة والإيجابية ويحقق به ذاته الحقة .فهو نموذج غير مكرر في قمار .. يمتلك قدرا مذهلا من القوة والخصوبة النفسية التي ساعدته على استخدام الإرادة المؤكدة ، والعزيمة المصممة على اجتياز الظروف والصعوبات والعراقيل والمثبطات ..وتولى زمام شخصيته التي تكونت لديه صورة حقيقية عنها ..
• فهو السيد المسيطر على نفسه الغنية بالذكريات والآمال والآلام ، وحب العلم والمعرفة ، فقد حبته الطبيعة بزاد نفسي جعل عقله يتسم بالحيوية ، ويقظة الذهن ، ومستعدا دائما لاستقبال المزيد من الخبرات الجديدة والثقافات العديدة إلى يومنا هذا ..
• يؤمن بأن المثقف لابد أن يزود بفنون " الإيتيكيت " ونوعية المعاملات الراقية في المجتمع ..ويشترط في الصداقة ثلاثة أكياس ..الأولى:تخزين إيجابيات الصداقة فيه ..والثاني: كيس مثقوب لتمرير السلبيات وعدم توقفها وتعرضها للتعفن ..والثالثة : تخزن فيه المفاجآت ، لأن الهدايا ضرورية بين الأصدقاء ..
• يحفظ القرآن الكريم كاملا..زار البقاع المقدسة ثلاث مرات ..يعشق صلاة الجماعة ..فهو مداوم عليها خمس مرات في المسجد ..يفضل التنقل من حين إلى آخر إلى بعض مساجد المدينة ..لايبخل بنصائحه وتوجيهاته لرؤساء الجمعيات الدينية للمساجد ..يتدخل عندما يطلب منه لإصلاح ذات البيّن ..وصاحب تفكير استباقي للمشاكل والمتاعب التي تؤرقنا إن لم نجهز أنفسنا لها قصد حماية الذات وحماية الآخرين ..
• يوصف بالرجل الشفاف ، يقول ما يعتقده صوابا دون الاكتراث بمواقف الآخرين الذين كانوا ينتقدون فيه هذا الطبع الذي فطر عليه ..
• من عشاق الفنانة أم كلثوم ، ووديع الصافي ، وكاظم الغزالي ، وفيروز ، ومحمد عبد الوهاب ، ووردة الجزائرية ..وصباح فخري ..وأحمد وهبي ..
• يعتبر من الأوائل الذين أدخلوا " البارابول " في قمار ..والإعلام الآلي ..والإنترنت
والفيسبوك ..والهاتف النقال ..
• يكره الكافات الخمسة : الكذب ، والكسل ، وكاشف أسرار الناس علنا ، والكالح (العابس ) ، والكِبر والترفع الفارغ ..
• يكره تربية الماعز ، والقطط ، والكلاب ، وأكل العجين ، والتدخين بجميع أشكاله ..والفظاظة ، وسوء الخلق ، والرعونة ، والخشونة في الكلام ، والسلوك التصادمي ، والمرح الفارغ ، واستظهار قشور المعلومات ، والانحباس الفكري ، والرتابة والجمود ، ولغة الخشب ، وعقلية العرّافات ، والتهريج الثقافي الارتجالي ..
• معتدل في انفعالاته ، صاحب ذوق .. وشياكة .. في اللباس وتبعات العناية بالمظهر ، فهو مزود بثقافة الروائح ويتقن فنونها ..بسرية تامة ..
• يقدس طقوس التسوق الأسبوعي من سوق قمار.. القفة ، وجولة أولى للمسح ومعرفة الأسعار ..والغائب من البضائع ..ومعرفة الأصدقاء الغائبين عن السوق ..الانطباع العام عن واقع السوق في هذا الأسبوع ..وهذه الطقوس مدتها 40سنة ..
• إلى الآن يمارس فنون تلقيح النخيل لبعض النخلات الموجودة لديه ..ويراقبها ..ويتابعها ..ويتعهدها بالسقي ..والتخفيف من الجريد الثقيل عنها ..
• قبل سنة 1994 م لايجلس في المقاهي مهما كان نوعها ..وعندما عدت من الجزائر للإقامة في قمار .. أصبح خلف يجلس معي في المقهى ، وأهل البلد سألوه عن الموضوع فقال لهم : نوار هو الذي جنى عليّ ..بثقافة الجلوس في المقاهي ..
• عمل خلف ربع قرن لوحده كمفتش في مقاطعة قمار ..لم يتسبب فيها مرة واحدة فصل أوقطع خبزة موظف ..أو إنهاء مهام معلم من سلك التعليم ..
• في سنته المهنية الأخيرة جاءني يتوسط على منصب استخلاف لمعلمة ..فقيرة جدا ..أكد على توظيفها ومساعدتها ..فقال لي : ألا تدري بأن هذه المعلمة في السنة الماضية لما تحصلت على المرتب الأول وهو عبارة عن مليون سنتيم ..أقيمت جنازة فرح لأول مبلغ عرفته هذه العائلة المسكينة ..فالجميع يبكون والمبلغ بينهم..
• ليس له مكتب عمل في المنزل إلى الآن ..يكتب على ركبتيه بالطريقة الكلاسيكية ..في قاعة الجلوس .. ويعشق أقلام الريشة التي تملأ بالحبر ..وله مكتبة ثقافية معتبرة ..
ومتنوعة ..ويخشى عليها من السلف ..والتسويف ..والمطالعات السريعة خارج منزله .
• سئل مرة عن الحب والجمال ..فأنجز كتاب الجمال فينا وحولنا ..
• عندما أعطيه كتابا للقراءة والتصحيح ألأولي يركز على الجوانب الأربعة : التأكد من سلامة اللغة ، واحترام الذوق العام ، يرفض الدس ، والتأويل المناهض للوطنية ، وروح الجماعة ، والقيم الاجتماعية ، واحترام الدين الإسلامي ..
• أثناء سفرياته للملتقيات أو الاجتماعات أو البعد عن المنزل أول شيء يفكر فيه هو التزود بكمية معتبرة من دقلة نور الصحراوية. . يستهلك ..ويهدي الباقي ..
• مازال إلى الآن بعد مرور عشر سنوات عن التقاعد يرتدي لباسه المحترم وكأنه مازال في الميدان ..في المساء يلبس اللباس التقليدي المناسب للعبادة ..
• يملك ثقافة العناية بالصحة ومستلزماتها ..يكره الأبيضين (السكر ، والملح) ويقوم بالتحاليل مرتين في السنة للاطمئنان عن كل شيء ..والحمد لله سليم الصحة الجسمية .. يتناول وجبة واحدة في النهار .. ولا يعرف وجبة العشاء إلاّ نادرا..
• نتبادل الاستشارات ولكن بدون فرض الجواب أو الحل المقترح .. من سنة 1978م إلى الآن ..نختلف العديد من المرات بدون تجاوز الحدود أو القيام بإشارات تمس العلاقة والصداقة ..نترك الكلام فيها أو نهمل الموضوع أو نسكت ..وهكذا.. نحترم بعضنا جيدا ..وكل واحد يعرف حدود صديقه ..سئلت عنه مرة فقلت : أعرفه جيدا ..وأعرف فيه زر الإطفاء والإضاءة ..
• من النكت الطريفة التي وقعت له في هذه الأيام الأخيرة ..خرج من المنزل باكرا ..وكعادته يأخذ معه الهاتف النقال ..وبعد ساعة ونصف وهو بعيد عن المنزل اكتشف في جيبه جهاز التحكم عن بعد للمكيف الخاص بقاعة الجلوس ..
• صديق الفقراء ويساعدهم ليس أمام الناس ، فكم من مرة كلفني بمهمة فلا أسأ ل عن المستفيد والقيمة المعطاة ، وعدد المرات التي استفاد منها ..فأنا أطبق لا أكثر ولا أقل ..
• فكر معلمو المقاطعة التي كان يشرف عليها بتكريمه قبل الإحالة على المعاش ، فرفض بقوة ..وقال : لقد تكرمت من الاتحاد الكتاب الجزائريين ، بحضور المرحوم الطاهر وطار ..ووزارة التربية الوطنية ، وفي سنة 2002م من طرف رئيس الجمهورية بوسام الإبداع ، والعديد من التكريمات ، والحمد لله رب العالمين ..
• قارئ جيد للسياسة ولكن لا يمارسها .. ومن حين إلى آخر يهدد بالانقطاع عنها كلية ، ولكنه يدب إليها عن طريق المذياع وإتباع القنوات التي تقدم ملخصات السياسات العالمية ، فهو لا ينام إلاّ والمذياع بجانبه وهذا ليس سرا .وكم من مرة اقترح في انتخابات المجلس الوطني أو ألولائي ، فكان يرفض بدبلوماسية وهدوء ..
• يعرف الفرنسية ..واستغلها في وظيفة التفتيش ..فهو ليس ضد اللغة ..وإنما ضد الفكر الاستعماري وخزعبلاته وظلمه للشعوب ..له بنتان تعملان على تحضير شهادة الدكتوراه باللغة الفرنسية ..وزبدة القول :فنسبة من أسرته اختارت مهنة التربية .. ولا دخل له في هذا الاختيار ..الشيء الوحيد أنه انطلق في سلك التعليم مع حرمه المصون في إحدى المدارس النائية كمعلمين في بداية الاستقلال ..
• أرى أن من الخصوصيات ثقافة العواطف والمشاعر وأسرار استقبال المواقف المحزنة ، وكيفيات التعامل معها ،فصديقي لم أره يبكي إلا مرتين ، واحدة عند وفات والدته ، رحمها الله ، والثانية عند خروجه من مقبرة " بتغزوت " بعد دفن صديقه وصديق الجميع المرحوم العايش السعيد ـ معلم ورئيس بلدية سابق ـ رحمه الله ــ .
• يؤمن بسلطة المعرفة والثقافة وعلى هذا تراه ينتقي الكلمات الصحيحة والمناسبة والحيادية في حديثه وكتابته ، ويذكر أن الكلمة الصحيحة تفتح الأبواب المغلقة ، وتهدئ النفوس المضطربة .وعند تدخلاته العامة وحديثه مع الناس يتصف بالتلقائية والمعقولية والواقعية ومراعاة مشاعر المستمعين والقارئين . يميل إلى التفكير الصامت العذب ، ويعزف عن اللهو السطحي ، ويتشوق للفكرة والمعلومة الجديدة ، فيوثق ويدون ويصنف ويرتب للرجوع إليها أثناء الحاجة ..
• يجد عالمه الخاص به في الكتابة ، فهو ثرثار كتابيا يفضل الاتصال الكتابي على الشفوي ، يستمد أفكاره ومعانيه من الموضوعات التي يتأثر بها .. وتفرض نفسها عليه. فليس مركزي الذات ، يرتاح عندما يكتب ويفرغ الشحنة الفكرية على أوراقه ، فلا يهمه إن نشرت أو بقيت مخزونة ..
• حضوره يشيع الطمأنينة في نفوس الحاضرين ، ويجعلهم يشعرون معه بأنس وإقبال على الحياة ..
• وفي الأخير ، هو المبدع والأديب والكاتب بشير خلف ، أطال الله عمره ، الذي لا يملك في هذه الدنيا إلا ثلاثة أخوة وأخت ، وتسع نخلات ، وحديقة زهور خصبة معطاء ..وهو الآن يعيش بين أحفاده وبناته وأبنائه ، وسيارة قديمة لا ينوي بيعها ..وفي مخزنها مكتب وأسرار الرابطة الولائية للفكر والإبداع ..والقانون الداخلي لها ..وقائمة العجز المالي والديون، والمشاركين في المسابقة الوطنية للرواية ..2011م وآخر إصدارات الرابطة.. محمد نوار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...