الإمام الفقيه محمد العيد غوري ( الغوّار)
بقلم: بشير خلف
المرحوم محمد العيد غوري المعروف في مدينة قمار بـ ( الغوّار) والذي كان يفضّل أن يُكنّى بهذا الاسم العزيز على قلبه تُوفّي رحمه الله يوم الخميس 23 ديسمبر 2010 وودّعته مدينة قمار في جنازة مهيبة حضرها أهل قمار وضواحيها، ومن البلدات القريبة ومن عاصمة الولاية لشهرته، وكثرة معارفه.
محمد العيد غوري واحدٌ من أهمّ رجالاتها الذين تركوا بصماتهم واضحة للعيان في هذه المنطقة القمارية، وسيظل اسمه عالقًا ليس في ذاكرة منْ عرفوه، وعايشوه فحسب؛ ذلكم لما زخرت به حياته من حركية جهادية، وإدارية سياسية، ودينية؛ فهو المجاهد ، ثم رئيس البلدية، فالإمام والمعلم، والخطيب، والفقيه والمرشد، والمرجع في القضايا الدينية.
وُلد رحمه الله بمدينة قمار خلال سنة 1921 ينتمي إلى عائلة محافظة، إذْ جده لأبيه سي علي بن مبارك تولّى منصب " باش عدل" بمحكمة قمار الشرعية، وكاتب عام لدى الزاوية التجانية بقمار..العيد غوري بن محمد بن علي بن مبارك لأمه لشلح الخلوية، وهو أشهر من نار على علم، يعرفه الخاص والعام لِما أُوتي من أريحية، وخفّة جسم، وروح مرحة، وانبساط، وتواضعٍ.
بمسقط رأسه نشأ وتربّى.زاول تعليمه الابتدائي بالمدرسة الفرنسية( مدرسة الذكور بقمار)، كما تعلم بنفس المدرسة بعض المهن، والحرف مثل التمريض.كما حفظ القرآن الكريم في سنٍّ متأخرة على الشيخ المرحوم سي الطاهر تلحيق المعروف بسي الطاهر (بسّا)الذي كان إمامًا بالجامع العتيق بقمار( جامع الطُّلْبة)،والذي كان تجاني الطريقة، وكان حازمًا ومُجدًّا فقد حفظ عليه الكثير القرآن الكريم.
كما لازم وتأثر الشيخ الغوّار بالعلاّمة الشيخ محمد الزبيري المعروف بـ ( الشيخ البريّة) عالِم زمانه، والذي كان سببًا في توجّهاته الإصلاحية فيما بعد وتأثّره، وتبنّيه للمذهب المالكي، حيث لازمه في دروسه حوالي 14 سنة، وقد برز الشيخ غوري بخاصة في فقه المواريث الذي كان الشيخ أحد أعلامه.
ممّا أذكره شخصيا أني لمّا كنت في أوائل الخمسينات من القرن الماضي أحفظ القرآن الكريم في جامع" فشير" على يد المرحوم سي محمد الصالح الذي هاجر فيما بعد إلى البقاع المقدسة، واستقرّ هناك بعائلته رغّبني المرحوم مجحودة محمد الصالح المعروف بـ ( قعميْ) في التنقل إلى جامع الطّلبة كي أُكمل حفظ القرآن الكريم لدى سي الطاهر بسّا فوجدت المرحوم محمد الغوري يُوشك أن يغادر بعد إكماله حفْظ القرآن الكريم فسلّمني حينها سي الطاهر لوْحه..سي الطاهر الذي خلفه في إمامة المسجد فيما بعد بفعل كبر السن المرحوم محمد العيد غوري.
مارس الشاب وقبل هذه المرحلة العديد من الحرف كصياغة الذهب، والتجارة، والفلاحة، وكاتب لدى شركة" الطلاين" للنقل ما بيم منطقة وادي سوف، ومدينة بسكرة، وكذا عون في بريد قمار.
ساهم محمد العيد غوري في تنشيط الحملة الانتخابية لانتخابات المجلس الجزائري في أكتوبر 1948 ومن السبّاقين الذين لبّوا نداء أول نوفمبر 1954 ، ومن المؤسسين لمكتب التنظيم المدني لجبهة التحرير الوطني بمدينة قمار، وأبلى في ذلك البلاء الحسن من خلال تنشيطه للخلايا المساندة للثورة، وعمليات الدعم، والتحسيس، وجمْع التبرّعات والأدوية، والمواد الغذائية، وإرسالها إلى المجاهدين في منطقة الأوراس.
ونتيجة نشاطه الثوري هذا تعرّض للاعتقال، والاستنطاق ، والسجن والتعذيب العديد من المرّات، فكان أول اعتقال له في شهر(رمضان) أفريل1957 خلال مجازر منطقة سوف، ثم في سنة 1958 وأخيرا في سنة 1961 .
تولّى منصب أول رئيس لبلدية قمار بعد الاستقلال من سنة 1962 إلى سنة 1963 ، ثم تولّى الإمامة والخطابة في جامع الطُّلبة بقمار لمدة تزيد عن الأربعين سنة ليتخلّى عنها إلاّ في سنواته القليلة الأخيرة قبل مماته نتيجة العجز والكبر.
ساهم في مساعدة الكثير من شباب المنطقة والذين حُرموا من التعليم زمن الاستعمار الفرنسي فأخذ بأيديهم، وخصّص لهم قاعة بجانب المسجد أين كان يساعدهم بتقديم دروس خصوصية لهم ساعدتهم فيما بعد على دخول سلك التعليم، كما ساهم في إعطاء دروس في محْو الأمية لكبار السن، ومحاربة الجهل لدى الكبار والصغار.
كما اعتمدته مديرية الشؤون الدينية والأوقاف إمامًا معتمدا لدائرة قمار وضواحيها لسنوات عديدة، وشارك عدة مرّات في تأطير بعثات الحجّ للبقاع المقدسة لمرافقة الحجّاج.
المرحوم محمد العيد غوري ـ الغوّار ـ كان خطيبا محدّثًا يمتاز بالذكاء الشديد، وقوّة الفراسة، حيث يحسن فنيات التواصل والتعامل مع الناس، بحيث يعطي كلّ ذي حقٍّ حقّه، ويخاطب كل شخص وفق طاقاته، بارعٌ في التصرّف مع الغير، له تجارب شخصية خاصة فيها من الطرافة، والظرف ما يجعل جليسه يكاد يفقذ توازنه من الحبور والانشراح، كلّ ذلك وسي العيد مسترسلٌ في حديثه، لا يضحك، بل يُضحك غيره.
ورغْم أن أصوله وخاصة الأبوية رحمه الله تجنح إلى الطريقة التجانية لكنه لم يكن تجانيا، ولا معاديا لها أيضًا..رحمة الله عليه ذاك الرجل الطيّب، وبرحيله انطفأت شمعة أخرى من شموع هذا الوطن، لكن كلّنا إلى ذاك المآل سائرون ..إنها سنة الله تعالى في مخلوقاته.
بقلم: بشير خلف
المرحوم محمد العيد غوري المعروف في مدينة قمار بـ ( الغوّار) والذي كان يفضّل أن يُكنّى بهذا الاسم العزيز على قلبه تُوفّي رحمه الله يوم الخميس 23 ديسمبر 2010 وودّعته مدينة قمار في جنازة مهيبة حضرها أهل قمار وضواحيها، ومن البلدات القريبة ومن عاصمة الولاية لشهرته، وكثرة معارفه.
محمد العيد غوري واحدٌ من أهمّ رجالاتها الذين تركوا بصماتهم واضحة للعيان في هذه المنطقة القمارية، وسيظل اسمه عالقًا ليس في ذاكرة منْ عرفوه، وعايشوه فحسب؛ ذلكم لما زخرت به حياته من حركية جهادية، وإدارية سياسية، ودينية؛ فهو المجاهد ، ثم رئيس البلدية، فالإمام والمعلم، والخطيب، والفقيه والمرشد، والمرجع في القضايا الدينية.
وُلد رحمه الله بمدينة قمار خلال سنة 1921 ينتمي إلى عائلة محافظة، إذْ جده لأبيه سي علي بن مبارك تولّى منصب " باش عدل" بمحكمة قمار الشرعية، وكاتب عام لدى الزاوية التجانية بقمار..العيد غوري بن محمد بن علي بن مبارك لأمه لشلح الخلوية، وهو أشهر من نار على علم، يعرفه الخاص والعام لِما أُوتي من أريحية، وخفّة جسم، وروح مرحة، وانبساط، وتواضعٍ.
بمسقط رأسه نشأ وتربّى.زاول تعليمه الابتدائي بالمدرسة الفرنسية( مدرسة الذكور بقمار)، كما تعلم بنفس المدرسة بعض المهن، والحرف مثل التمريض.كما حفظ القرآن الكريم في سنٍّ متأخرة على الشيخ المرحوم سي الطاهر تلحيق المعروف بسي الطاهر (بسّا)الذي كان إمامًا بالجامع العتيق بقمار( جامع الطُّلْبة)،والذي كان تجاني الطريقة، وكان حازمًا ومُجدًّا فقد حفظ عليه الكثير القرآن الكريم.
كما لازم وتأثر الشيخ الغوّار بالعلاّمة الشيخ محمد الزبيري المعروف بـ ( الشيخ البريّة) عالِم زمانه، والذي كان سببًا في توجّهاته الإصلاحية فيما بعد وتأثّره، وتبنّيه للمذهب المالكي، حيث لازمه في دروسه حوالي 14 سنة، وقد برز الشيخ غوري بخاصة في فقه المواريث الذي كان الشيخ أحد أعلامه.
ممّا أذكره شخصيا أني لمّا كنت في أوائل الخمسينات من القرن الماضي أحفظ القرآن الكريم في جامع" فشير" على يد المرحوم سي محمد الصالح الذي هاجر فيما بعد إلى البقاع المقدسة، واستقرّ هناك بعائلته رغّبني المرحوم مجحودة محمد الصالح المعروف بـ ( قعميْ) في التنقل إلى جامع الطّلبة كي أُكمل حفظ القرآن الكريم لدى سي الطاهر بسّا فوجدت المرحوم محمد الغوري يُوشك أن يغادر بعد إكماله حفْظ القرآن الكريم فسلّمني حينها سي الطاهر لوْحه..سي الطاهر الذي خلفه في إمامة المسجد فيما بعد بفعل كبر السن المرحوم محمد العيد غوري.
مارس الشاب وقبل هذه المرحلة العديد من الحرف كصياغة الذهب، والتجارة، والفلاحة، وكاتب لدى شركة" الطلاين" للنقل ما بيم منطقة وادي سوف، ومدينة بسكرة، وكذا عون في بريد قمار.
ساهم محمد العيد غوري في تنشيط الحملة الانتخابية لانتخابات المجلس الجزائري في أكتوبر 1948 ومن السبّاقين الذين لبّوا نداء أول نوفمبر 1954 ، ومن المؤسسين لمكتب التنظيم المدني لجبهة التحرير الوطني بمدينة قمار، وأبلى في ذلك البلاء الحسن من خلال تنشيطه للخلايا المساندة للثورة، وعمليات الدعم، والتحسيس، وجمْع التبرّعات والأدوية، والمواد الغذائية، وإرسالها إلى المجاهدين في منطقة الأوراس.
ونتيجة نشاطه الثوري هذا تعرّض للاعتقال، والاستنطاق ، والسجن والتعذيب العديد من المرّات، فكان أول اعتقال له في شهر(رمضان) أفريل1957 خلال مجازر منطقة سوف، ثم في سنة 1958 وأخيرا في سنة 1961 .
تولّى منصب أول رئيس لبلدية قمار بعد الاستقلال من سنة 1962 إلى سنة 1963 ، ثم تولّى الإمامة والخطابة في جامع الطُّلبة بقمار لمدة تزيد عن الأربعين سنة ليتخلّى عنها إلاّ في سنواته القليلة الأخيرة قبل مماته نتيجة العجز والكبر.
ساهم في مساعدة الكثير من شباب المنطقة والذين حُرموا من التعليم زمن الاستعمار الفرنسي فأخذ بأيديهم، وخصّص لهم قاعة بجانب المسجد أين كان يساعدهم بتقديم دروس خصوصية لهم ساعدتهم فيما بعد على دخول سلك التعليم، كما ساهم في إعطاء دروس في محْو الأمية لكبار السن، ومحاربة الجهل لدى الكبار والصغار.
كما اعتمدته مديرية الشؤون الدينية والأوقاف إمامًا معتمدا لدائرة قمار وضواحيها لسنوات عديدة، وشارك عدة مرّات في تأطير بعثات الحجّ للبقاع المقدسة لمرافقة الحجّاج.
المرحوم محمد العيد غوري ـ الغوّار ـ كان خطيبا محدّثًا يمتاز بالذكاء الشديد، وقوّة الفراسة، حيث يحسن فنيات التواصل والتعامل مع الناس، بحيث يعطي كلّ ذي حقٍّ حقّه، ويخاطب كل شخص وفق طاقاته، بارعٌ في التصرّف مع الغير، له تجارب شخصية خاصة فيها من الطرافة، والظرف ما يجعل جليسه يكاد يفقذ توازنه من الحبور والانشراح، كلّ ذلك وسي العيد مسترسلٌ في حديثه، لا يضحك، بل يُضحك غيره.
ورغْم أن أصوله وخاصة الأبوية رحمه الله تجنح إلى الطريقة التجانية لكنه لم يكن تجانيا، ولا معاديا لها أيضًا..رحمة الله عليه ذاك الرجل الطيّب، وبرحيله انطفأت شمعة أخرى من شموع هذا الوطن، لكن كلّنا إلى ذاك المآل سائرون ..إنها سنة الله تعالى في مخلوقاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق