السبت، 23 فبراير 2013

مجموعة ظلال بلا أجساد


ظلالٌ بلا أجساد
         إن المجموعة القصصية " ظلال بلا أجساد هي المجموعة الخامسة للكاتب القاص بشير خلف ..مجموعة صدرت ضمّن إصدارات تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية بإشراف وزارة الثقافة بالجزائر سنة 2007.
       مجموعة من الحجم المتوسط طبعتها دار الكتاب العربي. عدد صفحاتها 142 تضم هذه المجموعة 12 قصة عناوينها كالتالي:
زمن الخوف، الرحيل، أشواك على الدرب، عناق أبدي، المرافئ المغلقة، أقوى من الأقنعة، رجل على الهامش، تباريح، التشظّي، إصرار، الوجد الزائف، أحياء يتنكرون للشمس.
مقاطع من قصصها:
1 ـ قصة زمن الخوف:
      كان صمتُ تلك الليلة الموالية لحدث المأساة غريبا .. ملأ الحزنُ القلوبَ كما امتلأت الحناجر صمتا ..المفاجأة أصابت سكان القرية بالشلل ..بقدر ما سيطر الحزن ، انزرع الرعب في النفوس ..غدا المستقبل غامضا ..مخيفا ..كانت القرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من مصادر تنوّعت ..الأمن يسكن النفوس الريفية الطيبة القنوعة ..يشعر الجميع بفضاء الحياة الرحب ..فضاء يسع الجميع .
      ليلتها الصمت لفّ القرية ..الظلام سربلها دون رحمة ..انقطعت الحركة ..كلٌّ آوى مبكرا إلى بيـته ..أيُّ الكلمات تعبر عن الهلع ..عن الخوف ..عن السخط ..أية حركة خارجية ..أي دقات على الباب كافية لإصابة البعض بالإغماء ..الكل يرهف السمع ليلتها ..لا يدري قد يكون مستهدفا ..
2 ـ قصة أشواك على الدرب
ـ كلُّ الأيام كئيبة، تبعث في النفس الأسى .. بل النفور و البغض لهذا القدَر الذي استماتوا أن يكون محتوما  .. قدَرٌ حمّلني هموم هذه الأنفس الضائعة في مهب الرياح.
أتى صوته مشروخا كصوت صحن طيني أتت عليه عوادي الأيام، سقط من عُـلُوٍّ:
ـ خبز … خبز … عمّي …
التصق بي . احتمى بجسدي المنهك المثقل بأعباء أبناء ثمانية. ما غطى الريش أبدانهم النضرة بعدُ. كقطة صغيرة تنشد الدفء تسلل داخل معطفي البالي.
ـ واصلْ طريقك يا رجل. قالها شيخ هرمٌ مفترشٌ قطعةً من الورق المقوى، بمحاذاة جدار طيني فقد معالمه. تكدست غير بعيد منه أكوام القمامات … كالذباب الجائع تجمّع الأطفال وسطها في حركات للأطراف لا تهدأ. الذباب بدوره مصرٌّ على غزْو المكان، لمّا أعيته الحيلة اكتفى بالطيران الهستيري فوق رؤوس الصبية الغُزاة . مِلْحاحًا . ينشد الذباب مراعاةَ حقه في الغنيمة. قلت للشيخ و الفرصة خِفْـتُ عليها أن تضيع:
ـ تعيسٌ  أنا في هذه اللحظة يا عم … رهيب أن يفقد المجتمع شابا كهذا، إنه في ربيع العمر.
3 ـ قصة  أحياء يتنكرون للشمس
          من السنوات الخمس التي قضاها مجاهدا في فضاءات سلسلة جبال "إيدوغ" ، ومن كل المعارك التي خاضها مع رفاق كثيرين بعضهم لا يزال حيّا يُرْزق ..هناك لحظات مضيئة بقيت ساطعة شفافة في ذاكرته ..لحظات كانت جميلة يلتـئم فيها الشمل بعد  الفراق ..بعد البلاء في المعارك الشرسة مع العدوّ ..عقب العناء في العودة من الحدود الشرقية أثناء الدخول بشحنات السلاح ..بعد اجتياز خط الموت المُكهْرب بأقلّ الخسائر .
     كؤوس الشاي الأخضر المُنعْنع ..فناجين القهوة ذات الرائحة المُميّزة المستحلبة من قهوة الأسد الشهيرة يومذاك ..تمتدّ لها الأيادي الخشنة ..أشجار الفلّين والزيتون تظلل الجميع ..ترتسم المدينة تحت السفح ..تمتدّ في انكسار ..مياه اليمّ  تتسرّب تحت رجليْها الواهنتيْن ألسنته الثائرة الزبدية تلعق قدميها العاجزتيْن ..يُواسيها ..ترفع رأسها في ثِقلٍ ..ترنو إليه في حُنوٍّ ..تنطفر دموعها ..سرعان ما تُلْقي برأسها من جديد عند " وادي القبة " .
    أحد الرجال وهو يرتشف قهوته ، رفع رأسه في شموخ وكأنه أسدٌ مِغْوارٌ ، أجال بصره في المرتفعات القريبة والبعيدة ..في الوهاد ..في الروابي ..في المنخفضات ..في اليمّ الممتدّ وشواطئه الذهبية .ثم صوّب نظره بعيدا ..بعيدا .. بصوت هادئ استرسل وكأنه يواصل حديثا انقطع :
ـ الجمال متعة ..انسجام مع النفس الباطنية ..انسجام مع خالق هذا الكون الجميل اللامحدود . يا رجال ...القبض على الجمال في هذا الوطن الغالي ليس بالأمر السهل ..لا يتأتّى إلاّ بهذه ..
     كان يشير إلى مسدّسه الأوتوماتيكي ـ مات 49 ـ الذي افتكّه من أحد ضبّاط جيش العدوّ في معركة شرسة ..رفع مسدّسه عاليا ..أقسم :
ـ أيها الرجال ..هذا الجمال الفتّان الذي ننتشي به ..يهزّنا ..يفتننا رغْم متاعبنا وانشغالنا الكلّي فيما هو أهمّ ..إنْ لم يكن من نصيبنا بعدُ ، فهو من نصيب أبنائنا وأحفادنا .
      وقبض على حفنة من التراب ..أطال لثْمها . ثم رفع رأسه مشدّدا قبضته عليها أكثر ..وكأنه في حالة تعبّدٍ .. واصل :
ـ نعاهدك أيها التربة الطاهرة بأننا سنروي أعمق أعماقك بعرقنا ..سنضمّخ حبيباتك بدمائنا الزكية ..سنفتكّ هذا الجمال الربّاني منهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  لن تكون أية لغة "صعبة" بعد الآن بفضل هذا الاختراع الياباني الذكي كتب: بشير خلف        يُعدّ التحدث بلغة أجنبية مهارة مطلوبة ...