الاثنين، 25 فبراير 2013

الفنّان ..الإنسان وسُـمُـوّ أداء الرسالة


الفنّان ..الإنسان وسُـمُـوّ أداء الرسالة
لا يوجد فنان عظيم يرى الأشياء على حقيقتها
لأنه لو فعل، فلن يصبح فنانا
"أوسكار وايلد"
بقلم: بشير خلف
         تعدّدت أنواع الفنون، منها ما ساير التاريخ منذ القِدم، ومنها ما ظهر حديثا . اليوم هناك فنون جميلة مثل التصوير، والنحت، والحفر، والعمارة،والخط، والرسم. وهناك فنون كالموسيقى، والأدب، والرقص ، والمسرح. كما ظهر في السبعينيات مصطلح الفنون الإعلامية، وهي تشمل فن السينما، وفن الفيديو ، وفنون إلكترونية ، وفنون الأنترنت. وكذلك فن الإشهار المعاصر..ويمكن تقسيم الفنون إلى: فنون سمعية، بصرية، سمعية بصرية، فنون قولية.
          تُـــعَـــــدُّ الفنون من أهم الوسائل التي يمكن من خلالها إعادة بناء الوعي، لقدرتها على التغلغل في وجدان الناس، واستثارة ضمائرهم ولمكرها الجميل في مخاطبة عقولهم، سواء أكان هذا الخطاب صامتا أم معلنا!..فهي حين تخلق عالما بديلا موازيا للواقع المعيش إنما تعطي المتلقي فرصة لتأمل واقعه وقضاياه، والتعرف الى نفسه ومشكلاته، ثم إمكانية ايجاد حلول لهذه المشاكل من خلال البدائل التي تطرحها أمامه. شريطة ان تصدر هذه الفنون عن فلسفة أخلاقية مرتبطة بصالح الإنسان والعالم الذي خلق من أجل ان يبنيه.
الفنون تنقذ الإنسان من التمزّق
         إن الفنون تستطيع أن ترفع الإنسان من التمزّق، والتشتّت إلى الوحدة والتكامل، وتُنقذه من الفشل واليأس ..الفنون أداةٌ سحرية راقيةٌ لاحترام الفرد ومساعدته على الاندماج في المجتمع ..تساعد الفنون الإنسان على فهّم الواقع، وهي نوْعٌ من التطهير النفسي لعواطف حبيسة ، ورغباتٍ مكبوتةٍ.. ففي الفنون تنعكس هذه العواطف، والرغبات بأسْمى معانيها ، وتتجلّى في إبداعات فنية مختلفة راقية ساحرة أخّاذة ، يجسّدها الفنان .(1)
      هي أهداف إنسانية نبيلة تشترط وجود فنّان أصيل مقتنع بهذه الأهداف مبدئيا، ثم إنه يمتلك المؤهلات، والمواهب، والإمكانات المعنوية والخبرة، والموهبة ..وكذا من القيم التي تجعل منه رائدا في مجاله، ومساهمًا مع غيره في تكوين العقول، وتربية الذوق الفردي والجمعي..السؤال الذي يتبادر إلى الذهن ..هل نعثر أيّامنا هذه على هذا الصنف من الفنانين، ومفهوم الفن لدى العامة تميّع وفقد مفهومه الحقيقي، وتلخّص في الغناء الهابط، والكلمة التي تخاطب الغريزة، ولا تخاطب العقل..والموسيقى الصاخبة…
الفنون جزء من ثقافة أي أمة
         في الحقيقة يمثل الفن جزءاً من ثقافة أي أمة من الأمم، وقد عرفت الثقافة الإسلامية فنوناً قولية وشعبية انتشرت في البلاد العربية والإسلامية وخاصة فنون الشعر الغنائي والنثر الفني والسير الشعبية والقصص الخيالية والتاريخية، فضلاً عن فنون الهندسة المعمارية والرسم والخط والزخرفة سواء على الورق أو الجدران أو المحاريب أو مداخل القصور والمساجد.. وغير ذلك.
      عندما نتحدث عن الفنون لا نملك إلا أن نجدها وسطا بين إبداع الفنان وتذوق المتلقي. ذلك أنه إذا سلمنا أن وجود المبدع حتمية أساسية لوجود الفن, فانه كذلك لا يمكن لأي عمل فني أن يترك أثرا بدون وجود متلقين يحكمون على جودة هذا العمل الفني, وإلا لما بقيت الأعمال الفنية الخالدة عبر الأجيال المتعاقبة. إلا أن الفنان رغم أنه لسان عصره, فهو سابق عليه في كثير من الحالات, فهو دائما من يصنع الجديد والمختلف.
كل إنسان يحمل بالفطرة بذرة الفنّان
        تؤكد الدراسات النفسية الحديثة في أن كلا منا يحمل في طياته العميقة بذرة فنية. فالإنسان موهوب بالفطرة, ولكل منا موهبته الخاصة, في الشعر, في الرسم, في الموسيقى, في الطبخ, في النجارة, في الحدادة وفي كل أنشطتنا الإنسانية فالفن محبوس في أعماقنا. فاذا لقيت هذه البذرة التوجيه السليم نمت وترعرعت. فالفرق إذن بين الفنان وأي شخص آخر هو أن الأول يطور استعداداته الذهنية والعاطفية والمهارات اليدوية لإنتاج شيء كامن في ذواتنا(2) .
         بالرغم من الاختلافات المتباينة حول تعريف الفن والفنان، إذ يعرف البعض الفنان بأنه باحث … بينما يراه البعض الآخر كناطق رسمي لهموم المجتمع وقضاياه .. الا أن الجميع قد يتفق على تعريف الفنان بأنه "انثى في حالة مخاض دائم" هذا المخاض الذي قد ينتج نتاجات مختلفة سواء في الشكل أو المضمون، كما انه قد يتعرض لمحاولات اجهاض عديدة… بل يمكن القول ان الفنان يعيش في حالة مقاومة مستمرة لمحاولات الاجهاض التي يتعرض لها، هذه المقاومة هي ذاتها "جينات" لمخاض جديد.
الفنّان في فنّه أنثى في حالة مخاض
        ولأن الفنان انسان قبل كل شيء. فهو يعيش هذه المخاضات من واقع تركيبته الذاتية بما فيها من تباينات متفاوتة مثل اعتقاداته ومبادئه وتجاربه الحياتية السابقة بما في ذلك رغباته واحتياجاته النفسية والاجتماعية والمادية أي بمعنى أخر مجمل تكوينه النفسي.
          لذلك فأن شكل النتاج الذي يمكن ان يعطيه الفنان نتيجة مخاض معين يتم بتأثير مباشر بتلك التركيبة النفسية التي تحدد ايضا الطريقة التي يعبر بها الفنان عن نتاجات مخاضاته المستمرة..
     الفنّان عاطفة شيّاجة، وإحساسٌ نبيلٌ ..فالفنّان يخلق العمل الفنّي ليطلق خصائصه الذهنية والوجدانية من عقالها ، ويحرّرها من الرتابة والنمطية ..من قيود العادات والتقاليد ليتّجه بها نحْو الحريّة ، والخير ، والفضيلة ، والحقّ ، والإطلالة على الحياة بمنظار الجمال والحسن .
         إن الفنّان إنسانٌ محكومٌ بغريزته، وتصوّره المميّز للوجود، وخصوصية إلهامه، أي بمختلف الأخيلة والعواطف التي تمور بها نفسه ، فيفجّرها عقله المتوقّد، وبصيرته الوضّاءة .إن الفنان وهو يبدع فنّه كيفما كان جنس هذا الفن فإنه يستلهم فنّه من روح مجتمعه ، أو من روح المجتمع الإنساني الذي في كل العصور ينشد الحرية، ويأبى الظُّلْم والجبروت ، فالعواطف والأخيلة لا تكفي وحدها للتعبير عن الصراع الأبدي بين الخير والشرّ، بين الظلام والنّور، بين العدل والظُّلْم .
العمل الفني خلاصة صدقية الفنّان
          إنّ الفنّ ما كان ولن يكون حقّا فنّا، ولن يبلغ أسْمى المراقي، ولن يكون معبّرا عن الإنسان في حياته، ولن يكون أداة نضال، أو أداة تأثير إلاّ إذا كان نابعا بصدق من ذاتية الفنّان، ومن شعوره بفداحة القبح والشرّ وضررهما على الإنسان أينما كان، وبضرورة مقاومتهما بطرق المقاومة السلمية أوّلا، وفي طليعتها الفنون ..
       يقول الكاتب المصري إبراهيم المصري في كتابه " خبز الأقوياء ..ص:162 " :
( …وإذن فالفنّ لن يكون حقّا، ولن يرتفع إلى روْعة التأثير واكتماله، إلاّ إذا نشب الصراع بين الفنّان ونفسه،أي إلاّ إذا غالب الفنّان احتدام عواطفه،وأخيلته ،واستطاع أن يروّض تلك العواطف والأخيلة ويكبحها ، ويحصرها، ثمّ يتخيّر الصالح القويّ المعبّر منها، ثم يُبْرزه وينسّقه، ويصقله، بحيث يخرج العمل الفنّيّ كالزّهرة المتألّقة السليمة، في ظاهرها نُضرة الجمال المتكامل الأمثل،وفي باطنها فوضى الطبيعة..أي احتدام القوى الطبيعية التي أبدعتها، والتي عرف الفنّان كيف يضبطها أُسْوة بالطبيعة التي تضبط نظامها، وقوانينها، وهي تختال أمام الناظر في أبدع حُلل جمالها، وأغْربها.)(3)
       إن الصدق في الفن هو وفاء الفنان لرسالته بوصفها ذلك النشاط الابداعي الذي لا يبدأ الا حيث تنتهي الحرفة.. والفن في جوهره هو فعلُ مقاومة أو فلسفة فعلٍ بِــــمعْــنيٍّ إنه نشاط يشارك فيه المتلقّي فيشعر بالغبطة، أو نشوة الانتصار على النفس، وعلى المحيط ،وعلى المفروض الخارجي.(4)
 هامش:
(1) ــ - نوبلر, ناثان (1987) حوار الرؤية: مدخل إلى تذوق الفن والتجربة الجمالية, ترجمة فخري خليل, بغداد: دار المأمون, ص: 33.
(2) ــ ـ د . عدنان رشيد . ما هو الفنّ ؟ ص 62 . مجلة العربي . العدد : 274
(3) ــ أ.إبراهيم المصري/خبز الأقوياء.ص: 162 سلسلة كتاب " إقرأْ" العدد 380 دار المعارف بمصر.
(4) ــ أ.سعود مهنا /صحيفة القدس العربي /لندن .. 06/10/2005    
                                                                               
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...