الربيع العربي..إلى أين؟ !!
بشير خلف
ونحن نستعرض ما سُمّي بالربيع العربي، وما آل إليه الوضع أخيرا في ليبيا التي لم تستقر أوضاعها الأمنية، فما بالك بالوضع الاقتصادي، والخدماتي الذي ينشده المواطن العادي، وكذلك الوضع في تونس التي تأججت فيها أخيرا الاحتجاجات، والصدامات، وهجرها الاستثمار الأجنبي، وأقفلت بها 200 مؤسسة اقتصادية أجنبية..وكذا مصر البلد الذي يعيش على صفيح من نار..والأمر في اليمن التي تُـزوّد عاصمته " صنعاء" بالكهرباء مدة ساعتيْن في 24 ساعة ليس أحسن حالاً..
قلتُ لصاحبي الذي فقد واحدًا من أعزّ أبنائه في العشرية الحمراء، أو السوداء التي مرّت بها بلادنا..كما فقد منصب عمله في المعمل الذي طالته يد التخريب، والحرق عن آخره حيث كان يعمل به، ويُعيل منه أسرة لا يقلّ أفرادها عن العشرة:
ــ بماذا يُوحي إليك فصل الربيع، ونحن في منتصفه.
ــ يُوحي إليّ بتجدد الحياة في كل الكائنات..يُوحي إليّ بالنماء والعطاء والخير.
ــ وهل ما سُمّي بالربيع العربي يدخل ضمْن هذا المجال؟
سكت قليلا وكأنه وضع خريطة العالم العربي أمام عينيه ..تنهّد تنهيدة طويلة ثم التفت إليّ وقال:
ــ اسمعْ يا صاح ..سمّهْ ربيعا.. سمّه ثورة كما تريد ..إنما الثورات في مجملها عملٌ إنساني يلجأ إليه الناس حينما يطاردهم الظلم، وتُغتصب حرياتهم..حينما يشعرون بافتقاد العدالة وغياب المشاركة السياسية، وطغيان الحكم الفردي يثورون وأمامهم أهداف صاغوها واتفقوا من أجل تحقيقها إنْ في مرحلة واحدة، أم على مراحل..انقضى يا صاح أكثر من عام على بداية الربيع الذي تتكلم عنه، ولم يتحقق شيء ممّا ثار من أجله الشباب في البلدان العربية التي اندلعت بها الاحتجاجات، والانتفاضات..بل الأرواح البريئة وغير البريئة لا تزال تسقط يوميا..ووضْع المواطن المعيشي يتدنّى يوميا، ومساحة الفقر تتسع في هذا البلد، أو ذاك.
قلتُ له:
ــ ما وقع ..وقع.. ولايزال يقع ..إنما كيف الخروج من المأزق بأقلّ الضحايا والأضرار؟
وكأنه لم يسمع سؤالي ..واصل:
ــ في بعضٍ منها حصدت ثمار إنْ رأيتَ أنّ هناك ثمارًا برزتْ.. أو الثورة( بين قوسيْن)قوّى لم تشارك فيها..كانت في البداية تتفرج لترى لمنْ تكون الغلبة..حينما تأكّدت هذه القوى من ميلان الكفّة للشباب..اعتلت المنابر في البلد، وأطلّت من الفضائيات تتبنّى شعارات المنتفضين،وتتصدر تشخيصا، وتنظيرا للوضع الجديد.. سعت ولا تزال في تلميع صورتها وطنيا وخارجيا..ممّا جعل شباب ميادين التحرير والساحات يطلقون شعارًا جديدًا" أنقذوا الثورة من مغتصبيها"..قد تقول لي: لماذا وقع ما وقع، وقد يقع..أقول لك: العلة في الحاكم والمحكوم معًا..منذ حصول هذه البلدان على استقلالها من المستعمر الغربي تشدّدت الزُّمر الحاكمة في التحكّم في زمام الأمور..اعتمدت خطاب الدفاع عن القومية العربية ..استغلّت قضية فلسطين، وبقدْر ما اشتعلت عاطفة الإنسان العربي، حصّنت هذه الأنظمة نفسها أكثر..تناسى هذا المواطن الطيب قضاياه، واحتياجاته ..صفّق وصفّق لهذه الأنظمة..ولمّا وقعت الهزائم تلْو الهزائم كانت الصدمة للجميع حينها التفت المواطن لنفسه يطالب بحقوقه كإنسان كغيره من إنسان العالم في الشرق الآسيوي والغربي، والأمريكي..كان ردّ الأنظمة مزيدا من القمع..فكانت الفجيعة.
قطعتُ كلامه، وأنا أحرّك رأسي موافقًا على كلامه:
ــ لو استشعرت الأنظمة العربية مخاطر المستقبل..لأقدمت على مشاريع إصلاحية شاملة ليس سياسية فحسب تنقذ الأوطان من عثراتها، وتنقذ هذه الأنظمة نفسها من الزلازل التي تطيح بالعروش، وتُلْقي بمُتوّجيها إلى الهاوية..لكن بالإنسان أينما تواجد في الريف والمدينة، ومراعاة العدالة في توزيع الثروة، وتأمين حياته اليومية روحيا، واجتماعيا، واقتصاديا، ومستقبليا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق