حمزة بوكوشة
هو الشيخ حمزة شنوف المدعو- بوكوشة- ولد بوادي سوف سنة 1909. كان والده يتعاطى التجارة في مدينة بسكرة فلما بلغ الخامسة من عمره انتقل للعيش مع والده هناك .
وكان والد الشيخ البشير محبا للعلم وأهله لذا حرص على تعليم ابنه وتربيته على الخلق الحسن والأدب وقد تلقى المبادئ الأولية في اللغة العربية وقواعدها في مدينة بسكرة وظل هناك حتى بلغ من العمر السابعة عشر سنة.
الدراسة:
انتقل الفتى الشيخ حمزة بوكوشة إلى مدينة تونس سنة 1923م لنتابعة دروسه في جامع الزيتونة المعمور، ومكث به إلى أن تخرج منه بشهادة التطويع سنة 1930م.
وكان قد تلقى مبادئ العلوم قبل رحيله إلى تونس على يد الشيخ إبراهيم بن عامر حيث درس على يديه مقدمة ابن آجروم في قواعد اللغة العربية وحضر له دروسه في شرح مختصر خليل وأوصاه أن يلازم في جامع الزيتونة الشيخ حسن بن يوسف، وفعلا درس على يد هذا الشيخ بجامع الزيتونة جوهرة التوحيد ومختصر البخاري لابن جمرة، كما درس بسوف على يد الشيخين الطاهر بن العبيدي ومحمد بن جديدي.
النشاط:
ابتدأ الشيخ حمزة حياته العلمية في الميدان التربوي التعليمي في مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين اثر رجوعه من جامع الزيتونة ، وعين مديرا لمدرسة الإصلاح بدلس التابعة للجمعية سنة 1932م، ثم انتقل سنة 1936م إلى مدينة تيزي وزو ليشرف على مدرسة أسست هناك ، إلا أن السلطات الاستعمارية منعته من القيام بتلك المهمة ، فانتقل الى قسنطينة ليساعد بن باديس في الدروس التي كان يلقيها بالجامع الأخضر، وقد تخرج على يديه الكثير من الطلبة هناك. وفي سنة 1956 م باشر التدريس بفرع محمد بن باديس بحي بلكور تحت إشراف إدارة العربي التبسي.
أما بعد الاستقلال فقد عين سنة 1963م ، متصرفا مدنيا بوزارة الأوقاف ثم استأنف عمله في التعليم الثانوي إذ عين سنة 1964م أستاذا للغة العربية بثانوية عقبة بالجزائر العاصمة.
والى جانب نشاطه في أداء رسالته في التربية والتعليم كانت له نشاطات أخرى إصلاحية وصحفية، حيث شارك الشيخ حمزة في الاجتماع التأسيسي لجمعية العلماء سنة 1931م ، الخامس من ماي بنادي الترقي ضمن الوفد الذي حضر من واد سوف بمعية الشيخين عمار بن لزعر ومحمد الأمين العمودي ، وبعد مدة عين عضوا في اللجنة الممثلة للجمعية بواد سوف وبمرور الأيام أصبح الشيخ حمزة عضوا نشيطا عاملا في صفوف الجمعية معلما في مدارسها وكاتبا صحفيا وناقدا أديبا ومحللا سياسيا على أعمدة جرائدها، كما تقلد عدة مناصب وكلف بمهام عدة منها:
إرساله من طرف الجمعية سنة 1937م إلى مدينة ليون الفرنسية ليقوم بمحاضرات ودروس وتوجيهات للعمال الجزائريين المهاجرين هناك. وقد اجتمعت يومها نوادي التهذيب بفرنسا في شهر ديسمبر سنة 1937م وقد حضر ممثلو 35 فرعا صادقوا في الاجتماع على برنامج العلماء وتم تعيين الشيخ حمزة بوكوشة ممثلا للجمعية في ليون والشيخ فرحات بن الدراجي ممثلا لها في مدينة مرسيليا. وفي سنة 1938م انتخب الشيخ عضوا في المجلس الإداري وهو أعلى هيئة للجمعية ، وفي عام 1944م اسند تاليه نيابة الكاتب ثم عين مراقبا عاما في أجهزتها سنة 1947م، واستمر الشيخ عاملا بجد في صفوف الجمعية إلى يوم إعلان الثورة المسلحة حيث تعرض للاعتقال على أيدي قوات الاحتلال الفرنسي سنة 1957م وللشيخ نشاط صحفي مكثف حيث امتلك قلما فياضا، دمج به مقالات أدبية ونقدية قيمة ومواضيع سياسية جريئة أثار بها الفكر ونور بها العقل منذ الثلاثينات، فكان يكتب في جريد النجاح كما كان يكتب في البصائر لسان حال جمعية العلماء في فصول الأدب وقضاياه ضمن ركن "شجون وشؤون" وفي سنة 1936م ساهم بمعية الشيخ علي بن سعد القماري في تأسيس جريدة الليالي وكان من بين محرريها البارزين. وفي عام 1937م طلب منه ابن باديس أن يذهب إلى وهران ليشرف على تحرير جريدة المغرب العربي، وفعلا استجاب للنداء واشرف على إدارة تحريرها بل كان يحرر اغلب فصولها وكانت هذه الجريدة لسان حال الشباب المسلم ، وخطتها كانت إصلاحية وطنية تقاوم الفساد الإداري والاجتماعي وتهاجم بصفة خاصة القيادات والباشوات والنواب الذين يعملون ضد مصلحة الأهالي فكانت تخاطبهم بصفة خاصة ، بأسلوب حاد وكان تأثيرها كبيرا في أوساطهم وهذا ما دفع عامل عمالة وهران إلى استدعاء الشيخ حمزة وهدده بتعطيل الجريدة أن هي استمرت في ملاحقة الحكام المحليين فما كان من رئيس التحرير-حمزة بوكوشة- إلا أن نشر في فصل خاص من الجريدة تلك المحادثة التي جرت بينه وبين كاتب العمالة تحت عنوان: إلى من نشتكي عنت الليالي ، وهو تعريض واضح بالظلم والتعسف ، فما كان من الإدارة الاستعمارية الا ان ضايقت صاحب امتياز الجريدة (بله محمود) فتوقفت الجريدة، اضطراريا عن الصدور سنة 1937م، بعد أن اصدر منها حوالي خمسة أعداد أما سنة 1947م، فعين الشيخ حمزة في هيئة التحرير لجريدة البصائر أشهر منبر عرف كتابات لشيخ قبل الاستقلال.
وبعد الاستقلال لم بتوقف الشيخ عن كتابة مقالات تاريخية تهذيبية وتسجيل مواقف تتطلبها الحياة الثقافية خاصة صفحات جريدة الشعب أو مجلة الثقافة وأكثر أعماله قبل الاستقلال متناثرة في جنبات الصحف، أما بعد الاستقلال فجل أعماله مقالات في بعض الصحف تعرف ببعض رجالات الحركة الإسلامية أو محاضرات ألقيت في محاضرات ثقافية وأكثر هذه الأعمال مازالت مخطوطة منها: الشيخ الهاشمي الشريف وانتفاضة وادي سوف 1918م، من أقطاب السلفية في المغرب العربي عبد الحميد بن باديس، محاضرة مخطوطة عن حياة صديقه محمد الأمين العمودي، مبارك الميلي عالم حجة نظار، في مجلة الثقافة العدد88 السنة 1985م.
كان رحمه الله محبا للعلم والتعلم طموحا عبر مراحل حياته، وحتى عند بلوغه سن الشيخوخة فلم يمنعه كبر السن بعد 60سنة من مواصلة الدراسة في الجامعة في شعبة الحقوق وتحصل وتحصل على الليسانس في الحقوق سنة 1971م، ولذا عين أثرها مستشارا في الغرفة المدنية في مجلس القضاء الأعلى بوزارة العدل يسنده في ذلك رصيد فكري وثقافة إسلامية واهتمام بشؤون القضاء الإسلامي سواء بالكتابة في الصحافة قبل الاستقلال أو في الحياة العامة… وبعد تقاعده عن العمل الرسمي فتح مكتبا للمحاماة توظيفا لمعارفه الدينية والقانونية وإيمانه بضرورة العمل والعلم وأنيس الشيخ في حله وترحاله حتى آخر حياته، وبعد حياة مكللة بالعمل والجد مدبجة بالفكر الناضج والدعوة الصادقة والعلم النافع يغادر الشيخ حمزة بوكوشة أحبابه وتلاميذته يوم الجمعة 16 نوفمبر 1994م، الموافق ليوم 12 جمادى الثانية 1415هـ ، عن عمر يناهز 85 عاما وشيعت جنازته لمثواه الأخير بمقبرة القطار يوم السبت 17 نوفمبر 1994م، فرحمه الله رحمة واسعة.
قال الشيخ حمزة بوكوشة يناجي الوادي من بعيد :
سقاك الغيث يا وادي الرمال وصانتـــــك الأسنة والعـــــوالي
وما زالــــت بك الحصباء درا حصاهــا فائق أســـنى اللئـــالي
تذكرني مــــرائي البحر ليلا بنور البـــدر من فوق الرمـــــــال
فتبعث في الفؤاد هوى دفينا فيلهي النفس عن مرأى الجمــــــال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق