الاثنين، 4 مارس 2013

الشابي شاعر الوطنية


يُسدل الستار عن مئوية الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي
بشير خلف
فعاليات مئوية الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي تُختتم بعد مهرجانات ونشاطات تواصلت طوال ثمانية أشهر بدءا من تاريخ وفاته إلى تاريخ مولده.
اختُتمت فعاليات الذكرى المئوية لميلاد أبي القاسم الشابي، حيث انطلقت الاحتفالات يوم الثلاثاء 24فبراير2009 الذي يوافق تاريخ ميلاده بمدينة توزر بالجنوب التونسي ، واستمرت نحو ثمانية أشهر، وهي احتفالات فخمة، لتختتم في التاسع من اكتوبر2009 تاريخ وفاته.
الاحتفالات التي كان وزير الثقافة التونسي عبد الرؤوف الباسطي أعطى إشارة افتتاحها قبل تدشين معرض حولالشاعر يتضمن صورا نادرة للشاعر الراحل، ومقتطفات من أشعاره، وكتبا نقدية عن أعماله. كما شارك في هذا الاحتفال الشعري الثقافي الضخم ثلة من أهم الشعراء العرب على غرار الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، والشاعر المصري عبد المعطي حجازي.
وقال وزير الثقافة التونسي في افتتاح الاحتفالية إن
"الشابي الذي يعد أحد رموز هذه المدرسة كان شاعرا مبدعا سطع نجمه في مرحلة مثلت منعطفا حاسما في تاريخ تونس حينما كانت قضايا الحرية والاستقلال أهم قضايا النخبة المثقفة فضلا عما تفرد به من خط شعري إنساني."
وأصدرت مكاتب البريد في تونس طابعا بريديا يحمل صورة
الشابي. ولا تصدر تونس مثل هذه الطوابع البريدية إلا خلال الأحداث الهامة والكبرى.
وقد تمّ على امتداد المهرجان عرض الإنتاجات السمعية والبصرية التي أعدت حول الشابي من أفلام وأغان إضافة إلى حفلات فنية ونشاطات أخرى ثقافية.
وقد لحنت للشابي قصائد غناها عدد من الفنانين المشهورين مثل لطيفة العرفاوي التي غنت قصيدة "إلى طغاة العالم،" وسعاد محمد التي أبدعت في غناء قصيدة "إرادة الحياة" ، وهيام يونس التي أنشدت قصيد "شكوى اليتيم".
وقال الباسطي إن "الاحتفاء بمئوية الشابي هو احتفاء بالشعر التونسي في ماضيه وحاضره ، وهو ليس تحنيطا للرموز بقدر ما هو تخليد لها لتدرك الأجيال المتعاقبة أن تاريخنا زاخر بالعطاء والمبدعين في شتى المجالات."
وفي تعريفه للشعر يقول الشاعر الراحل 
أبو القاسمالشابي الملقب بشاعر الحرية والخلود:
« الشعر ما تسمعه وتبصره في ضجة الريح وهدير البحار وفي نسمة الورد الحائرة يدمدم فوقها النحل ويرفرف حولها الفراش وفي النغمة المردد يرسلها الفضاء الفسيح.»

ولادته ونشأته
ولد في مارس 1909 في بلدة (الشابة) على مقربة من توزر، وعين 
أبوه قاضياً في نفس عام ولادته وراح يتنقل من بلد لبلد، وتلقى تعليمه الأول في المدارس القرآنية وكان ذكياً قوي الحافظة فقد حفظ القرآن وهو في التاسعة من عمره؛ ثم أخذ والده يعلمه بنفسه أصول العربية ومبادئ العلوم الأخرى حتى بلغ الحادية عشرة. التحق بالكلية الزيتونية في 11أكتوبر 1920 وتخرّج سنة 1928حاصلاً على شهادة "التطويع" وهي أرفع شهاداتها الممنوحة في ذلك الحين. ثم التحق بمدرسة الحقوق التونسية وتخرج منها سنة 1930 .
وكانت نقطة التحول في حياة شاعرنا موت حبيبته وهي مازالت شابة ، ثم تبعه بعد ذلك الموت واختطف أباه، فتسبب هذان الحادثان في اعتلال صحته وأصيب بانتفاخ في القلب فأدى ذلك لموته وهو صغير السن في يوم 24 فيفري من عام 1934 بمدينة تونس، ونقل جثمانه لمسقط رأسه قرية الشابة.
ثقافـــــــــته
نشأ أبو القاسم الشابي في أسرة دينية، فقد تربى على يدي أبيه وتلقن روح الصوفية الصحيحة التي كانت سائدة في المغرب العربي، وسددتها دراسته الدينية، وساعده مكوثه في مدينة تونس لدراسة الحقوق أن ينضم للنادي الأدبي وأخذت مواهبه الأدبية تبرز وتعبر عن نفسها في قصائد ومقالات ومحاصرات، أعلن فيها عن نفسه وهو دون العشرين. ونلمح في عجالة لتجربته الكبرى التي باءت بالفشل لأن طائر الموت اختطف حبيبته وأعقبه بفترة أن أختطف أباه مثله الأعلى ومربيه ومثقفه.

وفي غرة شهر فبراير 1929 ألقى محاضرة مشهورة في قاعة الخلدونيّة بتونس عن "الخيال الشعري عند العرب"، وقد عمل فيها على استعراض كلّ ما أنتجه العرب من الشّعر، في مختلف الأزمنة وفي كل البلدان، من القرن الخامس إلى القرن العشرين ومن الجزيرة إلى الأندلس، وحمّل فيها النفس العربية كل الذنوب في تأخرنا عن مواكبة حضارة العصر; فنادى بتحرير الشعر العربي من كل رواسب القديم، والاقتداء بأعلام الغرب في الفكر والخيال وأشكال التعبير.
وقسا بالأحكام والنقد حتى صدمت محاضرته عقول المحافظين من رجال الثقافة والسياسة فجعلوا يعرضون به في المجالس، وأثارت في تونس أولاً ثم بالمشرق العربي بعد ذلك سلسلة من ردود الفعل العنيفة ضد مؤلفها.
البيئة المحافظة خنقت أنفاسه 
بدأت نفسه تضيق بحدود البيئة، فاتخذ من مجلة "
أبولو" بالقاهرة منبرًا، ونشر فيها عددًا من قصائده الهامة، جعلت رئيس تحريرها الشاعر أحمد زكي أبو شادي يطلب من شاعرنا الشاب أن يكتب مقدمة ديوانه "الينبوع". ثم عكف الشابّي على إعداد ديوانه "أغاني الحياة" للنشر في القاهرة برعاية "أبولّو"، إلا أنّ الموت عاجله.
وبدأ الشابي أول يناير 1930 كتابة "مذكراته" ولكنه توقّف للأسف عن كتابة المذكرات في شهر فبراير من السنة نفسها.(1) وذكر في مذكرة 13 يناير أنه عليه أن يلقي محاضرة عن الأدب العربي. وذهب صحبة بعض أصدقائه إلى الموعد ولكنه وجد القاعة فارغة، فلم يعد أحد يرغب في الاستماع إليه بعد محاضرته السابقة عن "الخيال". وقد أثر فيه مشهد القاعة فارغة تأثيرا عميقا .(2)
وقد اشتهر 
الشابي الذي يلقب بشاعر تونس الخالد بعديد من القصائد أهمها (أغاني الحياة) و(الى طغاة العالم) و(إرادة الحياة) التي قال فيها البيت الشهير "اذا الشعب يوما أرد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر".

الشابية في الجزائر من قديم
من قديم كانت علاقة الجزائر بالقطر التونسي متينة، والتزاور بين السكان مكثفا ومتواصلا سيّما في مناطق الجنوب وبخاصة ربوع وادي سوف مع مناطق " الجريد " و" توزر" فالمسافة حاليا بين الوادي ومدينة توزر لا تتجاوز 80 كلم، والحركة الآن بين الولايتين لا تنقطع لا ليلا ولا نهارا، وكأنك ذاهب من الوادي إلى مدينة تقرت..فهذه الحركة السكانية قديما جعلت العلماء، وطلبة العلم في تنقل وتبادل، وإفادة واستفادة من وإلى الجهتيْن من ذلك أن العالم الفقيه المصلح سيدي المسعود الشابّي ينتقل وباستمرار من منطقة توزر في أواخر القرن 16 م إلى ربوع وادي سُوف للتدريس الفقهي، ومساعدة الأهالي على بناء المساجد والتعليم القرآني وعلومه، بل إن أوّل مسجد بُني في مدينة الوادي وهو " مسجد السوق " بناه سيدي المسعود
الشابي سنة 1597 م،(3) وكذا مسجد قمار سنة 1600م والمعروف حتى اليوم بمسجد سيدي المسعود.
لم يكن أبو القاسم الشابي غريبا عن الجزائر لأن العدو واحد والشعب والوطن واحد، في بعض الروايات إن صحت، فإن قصيدته" إرادة الحياة" استلهم وحيها من الجزائر، وأن هذه القصيدة ولدت بالشرق الجزائري في إحدى جولات الشابيالاستشفائية. 
تمر مائة سنة على ميلاد الشابي، لكن الفتى الشاعر ما يزال نسرا يجوب أعباب السماء ويسكن قمم الشعر.
الشابي أحببناه في الجزائر حين وجدنا الجزائر في شعره وصلواته، في عداوته واستعدائه للظالم المستبد عدو الحياة، لم يفارقنا الشابي منذ أن عرفناه أطفالا في "الصباح الجميل وأغاني الرعاة ، في "إرادة الحياة" و "صلوات في هيكل الحب" و "الظالم المستبد"، بل عرفناه في ديوانه "أغاني الحياة"، أحببنا الشابي وعاش في وجداننا وفي مدارسنا وواصل معنا سيرنا التعليمي إلى الثانوي وما زال في قصيدته "إرادة الحياة" يعيش فينا.
قصيدة إرادة الحياة، ربما تكون مأخوذة من تلك الإرادة التي استلهمها 
الشابي من الجزائر في ثلاثينيات القرن الماضي، أو هي الروح التي أراد بثها في الشعوب لينفخ فيها روح الثورة من أجل السيادة والاستقلال.(4)

أبو القاسم الشابي في الوادي
 
 أغلبُ من تمدرسوا في منطقة وادي سوف بعد الاستقلال يحفظون العديد من أشعار أبي القاسم الشابي، ناهيك عن العدد المعتبر من أبناء هذه المنطقة الذين زاولوا دراستهم قبل الثورة، وأثناءها بجامع الزيتونة المعمور، وحتى كبار السن ممّن لم يتمدرسوا فإن الشاعر الشابي ليس غريبا عنهم البتّة حيث إذاعاتنا الجهوية كإذاعة الوادي، وإذاعة ورقلة، وإذاعة بسكرة؛ وإذاعات الشقيقة تونس ما تنفك مجتمعة تذكر هذا الشاعر باستمرار، ومن هنا لا غرْو أنشاركت مديرية الثقافة ودار الثقافة بالوادي في المساهمة في إحياء مئوية هذا الشاعر الذي يرى فيه أهل هذه المنطقة شاعرهم أيضا .
انطلقت صباح يوم 27 /05/2009 بدار الثقافة الجديدة بالوادي فعاليات الاحتفال بمئوية الشاعر التونسي الكبير أبوالقاسم الشابي الذي نظمتها مديرية الثقافة لأول مرة كنشاط مشترك بين ولايتي الوادي وتوزر وقد أشرف على افتتاح هذه التظاهرة كل من السيد مدير الثقافة والسيد قنصل الجمهورية التونسية بتبسة والسيد رئيس ديوان ولاية الوادي ، في حين صادف الافتتاح وجود السيد وزير الثقافة السابق السيد الأمين بشيشي الذي كانت له الفرصة في تتبع ومتابعة كافة فقرات التظاهرة للفترة الصباحية، وهو الذي تربطه بتونس علاقات الدراسة، والنشاط الثوري بها.
وقد انطلقت الاحتفالية بتدشين معرض حول الشاعر أبوالقاسم الشابي ضم بعض الصور للشاعر وأسرته، وبعض الإصدارات التي تناولت شعره وحياته الأدبية والشعرية، كما تضمن المعرض أيضا صورا للوحات التشكيلية والكاريكاتير.
وبعدها توجه الحضور إلى قاعة المحاضرات حيث انطلقت التظاهرة بالسماع للنشيدين التونسي والجزائري وتم الاستماع إلى كلمة ألقاها السيد الوزير السابق للثقافة الأمين بشيشي نوه فيها بهذه الأعمال المشتركة في الميدان الثقافي، والتي تهدف إلى الإشادة بنقاط الالتقاء بين تونس والجزائر في الميدان الثقافي.
بعد الكلمات الافتتاحية ألقى بعض الشعراء المحليين قصائد شعرية، وكذا الشاعر التونسي جمال الصليعي الذي شد إليه الجمهور الحاضر، ونال إعجاب الجميع. ثمّ قدم الأستاذ محمد آيت ميهوب من تونس مداخلة بعنوان: "لماذا نقرأالشابي اليوم" ومن الجزائر قدم الشاعر احمد مكاوي مداخلة بعنوان "الشابي وحداثة الرؤيا" والشاعر صالح خطاب مداخلة بعنوان "تأثير الشابي في شعراء سوف"
لقد شكلت الاحتفالية نوعا من الاعتراف بالمكانة التي يحتلها الشاعر 
أبو القاسم الشابي لدى أهل الوادي ولا أدل على ذلك الحضور النوعي الذي عرفته القاعة حيث جمعت نخبة من المثقفين والشعراء وأهل الرأي.

مختارات من أشعاره
صلوات في هيكل الحب
عذبة انت كالطفولة كالاحلام كاللحن كاالصباح الجديد
كالسماء الضحوك كالليلة القمراء كالورد كابتسام الوليد
يا لها من وداعة وجمال وشباب منعم املود
يا لها من طهارة تبعث القديس في مهجة الشقي العنيد
يا لها من رقة تكاد يرف الورد منها في الصخرة الجلمود
أي شيء تراك؟ هل انت "فينيس" تهادت بين الورى من جديد
لتعيد الشباب والفرح المعسول للعالم التعيس العميد
أم ملاك الفردوس جاء الى الأرض ليحيي روح السلام العهيد
انت …. ما انت؟ رسم جميل عبقري من فن هذا الوجود
فيك ما فيه من غموض وعمق وجمال مقدس معبود
انت …. ما انت؟ انت فجر من السحر تجلى لقلبي المعمود
فأراه الحياة في مونق الحسن وجلى له خفايا الوجود

النــــــاس
ما قدس المثل الأعلى وجمله في اعين الناس الا انه حلم
ولو مش فيهم حيا لحطمه قوم وقالوا بخبث انه صنم
لا يعبد الناس الا كل منعدم ممنع ولمن حاباهم العدم
حتى العباقرة الافذاذ حبهم يلقي الشقاء وتلقى مجدها الرمم
الناس لا ينصفون الحي بينهم حتى اذا ما توارى عنهم ندم
الويل للناس من اهوائهم ابدا يمشي الزمان وريح الشر تحتدم


رثــاء الفجـــر
يا ايها الغاب المنمق بالاشعة والورود
يا ايها النور النقي وايها الفجر البعيد
اين اختفيت؟ وما الذي اقصاك عن هذا الوجود
آه ! لقد كانت حياتي فيك حالمة تميد
بين الخمائل والجداول والترنم والنشيد
تصغي لنجواك الجميلة وهي اغنية الخلود
وتعيش في كون من الغفلات فتان سعيد
آه ! لقد غنى الصباح فدمدم الليل العتيد
وتألق النجم الوضيء فأعتم الغيم الركود
ومضى الردى بسعادتي وقضى على الحب الوليد

لأجـــــلــــك
من أجلك قررت أن أمحي أميتي
قررت أن أتعلم القراءة والكتابة سيدتي
و قرأت جميع الكلمات
بت أعرف كيف أكتب اسمكِ
و كيف أركب كلمة أحبكِ
بت أعرف فن الرسم
و كيف أختار اللون الذي يناسب لون شعرك
بت أحب اللون الذي
يشبهه لون شفتك
بت أعرف كل شيء يا سيدتي
منذ أن عرفتــك
بعد كل هذا هل ترضين أن تكوني معلمتي

حيـن ألـقـاهـا
سأحدثها حين ألقاها
بأني منذ زمن أهواها
وأن القلب يفر فرحـا حين يلقاها
و أجعل أصابعي تشابك يداها
و أطلب منها أن تغمض عيناها
لأنقلها لنتناول العشاء معا
أنـا وهـي على مائدة القمر
و أجعل من النجوم خدما لها
سأحدثها حين ألقاها
بأني لازلت محتفظا بالمنديل الذي عليه طبعة فاها
وبعدها اسألها حينما ألقاها
أيمكن أن يكون قد بدّل الله دمي بهواها
عـبــث كــل المحــاولات
عبث كانت محاولاتي
بأن أخلصكِ مني ومن أشعاري
عبثا كانت جميع تلك التخيلات
وأن أجعلكِ لغيري يحبك كيف يشاء
ويكتب فيك ما يشاء
يختار لك اللون الذي يحب
ويختار لك ما يشاء
لكنني يا سيدتي فشلت
لأنك أقوى مني وأقوى من جميع التخيلات
حلما جميلاً طيفك يرافقني
أحرف اسمك أول شيء يا سيدتي تعلمت
فأبقي يا سيدتي بقربي أحدثكِ متى أشاء
ولنكمل معاً مشوار الحياة

يا ابن أمي
خلقت طليقا كطيف النسيم وحرا كنور الضحى في سماه
تغرد كالطير اين اندفعت وتشدو بما شاء وحي الاله
وتمرح بين ورود الصباح وتنعم بالنور انّى تراه
وتمشي كما شئت بين المروج وتقطف ورد الربى في رباه
كذا صاغك الله يا ابن الوجود والقت في الكون هذه الحياة
فمالك ترضى بذل القيود وتحني لمن كبلوك الجباه
وتسكت فيالنفس صوت الحياة القوي اذا ما تغنى صداه
وتطبق اجفانك النيرات عن الفجر والفجر عذب ضياه
وتقنع بالعيش بين الكهوف فاين النشيد واين الاياه
اتخشى نشيد السماء الجميل اترهب نور الفضاء في ضحاه
الا انهض وسر في سبيل الحياة فمن نام لم تنتظره الحياة
ولا تحش مما وراء التلاع فما ثم الا الضحى في صباه
والا ربيع الوجود الغرير يطرّز بالورد ضافي رداه
والاّ اريج الزهور الصباح ورقص الاشعة بين المياه
والا حمام المروج الانيق يغرد منطلقا في غناه
الى النور فالنور عذب جميل الى النور فالنور ظل الاله.

الي طغاة العالم
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر
كَذلِكَ قَالَـتْ لِـيَ الكَائِنَاتُ وَحَدّثَنـي رُوحُـهَا المُسْتَتِر
وَدَمدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجَاجِ وَفَوْقَ الجِبَال وَتَحْتَ الشَّجَر
إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر
وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَاءُ الشَّبَـابِ وَضَجَّتْ بِصَدْرِي رِيَاحٌ أُخَر
وَأَطْرَقْتُ ، أُصْغِي لِقَصْفِ الرُّعُودِ وَعَزْفِ الرِّيَاح وَوَقْعِ المَطَـر
وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ - لَمَّا سَأَلْتُ : " أَيَـا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ البَشَر؟"
"أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر
وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر
هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ ، يُحِـبُّ الحَيَاةَ وَيَحْتَقِرُ الْمَيْتَ مَهْمَا كَـبُر
فَلا الأُفْقُ يَحْضُنُ مَيْتَ الطُّيُورِ وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَــر
وَلَـوْلا أُمُومَةُ قَلْبِي الرَّؤُوم لَمَا ضَمَّتِ المَيْتَ تِلْكَ الحُفَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الحَيَـاةُ مِنْ لَعْنَةِ العَـدَمِ المُنْتَصِـر!"
وفي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الخَرِيفِ مُثَقَّلَـةٍ بِالأََسَـى وَالضَّجَـر

سأعيش


سَــــــأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعــــــداءِ ـــــــــ كالنَّسْر فوقَ القِمَّةِ الشَّــــــــــمَّاءِ
أرْنُو إلى الشَّــــــمْسِ المُضِيئةِ هازِئاً ـــــــــ بالسُّـــــــحْبِ والأَمطارِ والأَنوا
لا أرْمـــــــقُ الظِّلَّ الكـئيبَ ولا أرَى ـــــــــ مَا في قَرارِ الهُوَّةِ السَّــــــــــوداءِ
وأَســــــيرُ في دُنيـــا المَشَاعرِ حالِماً ـــــــــ غَرِداً وتلكَ سَـــــــــعادةُ الشعَراءِ
أُصْغي لمُـوســــــيقى الحَياةِ وَوَحْيِها ـــــــــ وأذيبُ روحَ الكَوْنِ في إنْشَــــائي
وأُصيــــــخُ للصَّــــوتِ الإِلهيِّ الَّذي ـــــــــ يُحْيي بقـــــــــــلبي مَيِّتَ الأَصْداءِ
وأقــولُ للقَــــــدَرِ الَّــــــذي لا ينثني ـــــــــ عَنْ حَرْبِ آمـــــــــــالي بكلِّ بَلاءِ
لا يُطْفِئُ اللَّهـــــبَ المؤجَّجَ في دمي ـــــــــ موجُ الأســى وعواصفُ الأَزراءِ
فـــاهدمْ فؤادي ما اســــــتطعتَ فإنَّهُ ـــــــــ ســــــيكون مثلَ الصَّخرة الصَّمَّاءِ
لا يعـرفُ الشَّــــــكوى الذليلَة والبكا ـــــــــ وضراعَة الأَطفـــــــالِ والضّعفاءِ
ويعيــــــشُ جبّـــــــــَاراً يحدِّق دائماً ـــــــــ بالفجر بالفجرِ الجميــــــــلِ النَّائي
إِمـــــلأْ طريقي بالمخـاوفِ والدُّجى ـــــــــ وزوابعِ الأَشــــــــواكِ والحصباءِ
وانْشـــــر عـــليه الرُّعب واثر فوقه ـــــــــ رُجُمَ الرَّدى وصواعقَ البأســــاءِ
سَــــأَظلُّ أمشــي رغمَ ذلك عـــازفاً ـــــــــ قيثــــــــــــــــارتي مترنِّماً بغنائي
أَمشــــــــي بروحٍ حـــــــالمٍ متَوَهِّجٍ ـــــــــ في ظُـــــــــــــلمةِ الآلامِ والأَدواءِ
النُّــــــور في قلبي وبيـــنَ جوانحي ـــــــــ فَعَلامَ أخشى السَّــــيرَ في الظلماءِ
إنِّي أنـــــــــا النَّايُ الَّـــذي لا تنتهي ـــــــــ أنغامُـــــــــــــهُ ما دام في الأَحياءِ
وأنــــا الخِضَمُّ الرحْبُ ليـــس تزيدُهُ ـــــــــ إلاَّ حياةً سَــــــــــــــــطْوةُ الأَنواءِ
أمَّـــــا إِذا خمـــدت حياتي وانقضى ـــــــــ عُمُري وأخرسَـــــــتِ المنيَّةُ نائي
وخبـــــا لهيبُ الكون في قلبي الَّذي ـــــــــ قد عاش مِثْلَ الشُّـــــــعْلَةِ الحمراءِ
فأنا السَّــــــــعيد بأنَّني مُتحــــــــوِّلٌ ـــــــــ عن عــــــــــــالمِ الآثامِ والبغضاءِ
لأذوبَ في فجر الجمال الســرمديِّ ـــــــــ وأرتـــوي من مَنْهَـــــــلِ الأَضواءِ
وأَقـــــولُ للجَمْعِ الَّذين تجشَّــــــموا ـــــــــ هَــــدْمي وودُّوا لو يخرُّ بنـــــــائي
ورأوْا على الأَشــــواكِ ظلِّيَ هامِداً ـــــــــ فتخيَّــــــلوا أَنِّي قضيْتُ ذَمـــــــائي
وغدوْا يَشُـــــــــبُّون اللَّهيبَ بكلِّ ما ـــــــــ وجدوا ليشــــــوُوا فوقَهُ أشـــــلائي
ومضَــــوْا يَمُدُّونَ الخُـــوَانَ ليأكلوا ـــــــــ لحمي ويرتشــــــــــفوا عليه دِمائي
إنِّي أقـــــولُ لهمْ ووجهي مُشـــرقٌ ـــــــــ وعلى شـــــفاهي بَسْمَةُ اســـــتهزاءِ
إنَّ المعــــاوِلَ لا تَهُـــــــــدُّ مناكبي ـــــــــ والنَّــــــــــارَ لا تأتي على أعضائي
فارموا إلى النَّار الحشـائشَ والعبوا ـــــــــ يا مَعْشَـــــــرَ الأَطفالِ تحتَ سَمائي
وإذا تمرَّدتِ العَواصـــــفُ وانتشى ـــــــــ بالهـــــــــــــــولِ قلْبُ القبَّةِ الزَّرقاءِ
ورأيتمـــوني طـــــــــــائراً مترنِّماً ـــــــــ فـــــوقَ الزَّوابعِ في الفَضــاءِ النَّائي
فارموا على ظلِّي الحجارةَ واختفوا ـــــــــ خَــــوْفَ الرِّيـــــاحِ الْهوجِ والأَنواءِ
وهناكَ في أمنِ البيــــوتِ تطارحوا ـــــــــ غَثَّ الحـــــــــــــديثِ وميِّتَ الآراءِ
وترنَّمـــوا ما شــــــئتمُ بِشَـــــتَائمي ـــــــــ وتجـــــــــاهَروا ما شـــــئتمُ بعِدائي
أمَّــــــا أنـــــــــا فأُجيبكمْ مِنْ فوقكمْ ـــــــــ والشَّـــمسُ والشَّــــفقُ الجميل إزائي
مَنْ جَـــــــاشَ بالوحي المقدَّسِ قلبُه ـــــــــ لم يحتفــــــــل بحِجَــــــــــارةِ الفلتاءِ

الشابي شاعر الإنسان والحرية والحب الوجداني العفيف العنيف، شاعر الطبيعة المتوهجة المتألقة الجميلة، شاعرالوطنية الصادقة المؤمنة بالحياة.
الشابي الشاعر الذي تمنى لو كان حطابا حتى يهوى على الجذوع الميتة بفأسه ويأتي على كل ما هو جامد راكد ليزيحه ويزيله من أجل أن تتنفس الحياة وتدور دورتها الطبيعية وتنفض ما علق بها من رواسب رسبت في جوفها وأعاقتها عن الحركة والسيلان عبر مرور السنين.

رحم الله الشاعر أبو القاسم الشابي، شاعر الحب والحرية والوطن، شاعر الإرادة والحياة، النسر الذي حلق عاليا ولا يزال محلقا على القمة الشماء.
هوامش:
(1)ـ د. نور الدين صمود. مذكرات أبي 
القاسم الشابي. ملحق المجلة العربية / العدد 393 أكتوبر 2009
(2) ـ أ. هاني الخير ـ 
أبو القاسم الشابي ـ ( شاعر الحياة والخلود).دار رسلان للطباعة والنشر. القاهرة ط 1 2007
2007 مطبعة الوليد بالوادي.
(4) ـ ابن تريعة . نسر ما زال يحلق على القمة الشمّاء ( 
مقال) /صحيفة المساء الجزائرية.ليوم 11/10/ 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...