الأحد، 3 مارس 2013

إذا كان القرضاوي فقيها صغيرا كما يدّعي أدونيس، فمن هو الفقيه الكبير؟


حوار خاص مع الدكتور عمار طالبي*
إذا كان القرضاوي فقيها صغيرا كما يدّعي أدونيس، فمن هو الفقيه الكبير؟

  البروفيسور عمار طالبي من الشخصيات الفكرية التي حاولت أن توفق بين الأصالة والمعاصرة، فهو ابن جمعية العلماء المسلمين المتمسكة بالثوابت الدينية والوطنية والشخصية المولعة بالفكر الفلسفي المتفتح على أفكار ولغات العالم دون عقدة، وهو بذلك يحظى باحترام وتقدير كبير في المحافل العلمية إلى درجة أن منظمة اليونسكو طلبت منه بحثا حول المعلم الفارابي إلى جانب أنه أحد خبراء تحقيق المخطوطات في العالم العربي والإسلامي و قد كان أول من جمع آثار الشيخ عبد الحميد بن باديس بعد الاستقلال كما أنه كان أول عميد لجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية التي افتتحت سنة 1984، فظلا إلى أنه كان من الرجال الذين ساهموا في تنشيط ملتقيات الفكر الإسلامي بالجزائر ومن الداعين إلى تجديد الخطاب الديني قبل وقوع الفتنة التي ابتليت بها الأمة الإسلامية في دينها و لذلك رأينا أنه من الواجب علينا إجراء هذا الحوار مع هذه الشخصية التي اكتشفنا فيها تواضع العلماء الذي كدنا نفقده في هذا الزمان المر، فتابعوا معنا …
      اسمي عمار طالبي من مواليد سنة 1934م، بمنطقة الأوراس، في الجزائر، كانت دراستي في البداية بمسقط رأسي بالكتاب ثم بالمدرسة القرآنية ومن بعدها وفي سنة 1951 ذهبت لمواصلة الدراسة بجامع الزيتونة بتونس حيث تحصلت على شهادة الأهلية ثم على شهادة التحصيل وبعد اندلاع ثورة نوفمبر جاءنا الأستاذ عبد الحميد مهري الذي كان وزيرا بالحكومة الجزائرية المؤقتة وبصفتي كنت مسئولا عن الشؤون الثقافية بالاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين فرع تونس، طلب منا الأستاذ مهري تعيين 40 طالبا ممن تحصلوا على منحة للدراسة بكل من سوريا ومصر والعراق، فاخترت نفسي من هؤلاء الأربعين ( ويضحك الدكتور طالبي) ممن قصدوا للدراسة بالقاهرة، حيث سجلت مع الأخ والزميل محمد بن فريحة بكلية الآداب قسم الفلسفة وفي تلك الفترة درسنا وتخرجنا بشهادة الليسانس في الفلسفة على يد الدكتور زكي نجيب محمود و يوسف مراد عثمان أمين، وقبل الاستقلال وعودتنا إلى الجزائر وقع تناحر بين الطلبة الجزائريين بمصر، بين البعثيين و بين من كانت لهم ميولات إسلامية لجمعية العلماء المسلمين أو لجماعة الإخوان المسلمين بمصر و في تلك الظروف الساخنة تلقيت تهديدا من السيد علي كافي الذي كان سفيرا للجزائر بالقاهرة ولكن حينما خاطبت علي كافي بأن ما يجري لا علاقة له بالثورة وإنما هو شأن طلابي أنصفني وقال عني أني رجل صاحب موقف.
 س) في تلك الفترة التي كنتم تزاولون فيها دراستكم بالقاهرة كان الشيخ الإبراهيمي مقيما بالقاهرة، كيف كانت علاقتكم معه؟
 ج) في فترة من الفترات ساءت العلاقة بين جمال عبد الناصر والشيخ البشير الإبراهيمي على أساس أن الإبراهيمي كان يتعاطف مع الإخوان المسلمين ضد سياسة عبد الناصر، و قد كانت مجموعة من الطلبة على صلة بالإبراهيمي ويزورونه في بيته، ولكن بعض الطلبة من البعثيين ثاروا عليه على أساس أنه كان يتلقى إعانات مالية من الجامعة العربية لتقديمها للطلبة، ولكن كان يتصرف بجزء منها لصالحه، ولا يمنحهم إلا القليل من ذلك حسب زعمهم.
س) بعد عودتك من القاهرة ودخولك للجزائر، ما هي أول مهمة كلفت بها ؟
 ج) في البداية كلفت مع مجموعة من المتخرجين بمركز بوزريعة لتكوين و تدريب المعلمين، وقد دربنا حينها أفواجا من المعلمين كان من بينهم عباسي مدني، وآخرين.
س) هذا يعني أنك أنت الذي علمت و دربت عباسي مدني وإلا ما كان حصل الذي حصل في الجزائر بعد إقرار التعددية؟
 ج) ( يضحك الدكتور طالبي و يجيب مازحا) نعم أنا الذي علمته ودربته وبالتالي أنا هو السبب فيما حصل.
س) و بعد هذه المرحلة من تكوين و تدريب المعلمين، ما هي المهام التي تقلدتها؟
 ج) عينت بين سنة 1963 و1964 مدرسا بجامعة الجزائ، وبعدها طلبت منحة لتحصيل شهادة الدكتوراه من الدرجة الثالثة بالإسكندرية ولكن قبل ذلك وبعد نكسة 1967 تحصلت على منحة دراسية لمدة سنتين فسجلت بجامعة الإسكندرية قسم الفلسفة لتحضير شهادة الماجستير في الفلسفة وكان موضوع الشهادة حول آراء الخوارج الكلامية وبعد عودتي للجزائر وتحت نفس المشرف وبرئاسة شيخ الأزهر المرحوم عبد الحليم محمود ناقشت رسالتي في الدكتوراه سنة 1971 بجامعة الجزائر، وموضوع الرسالة كان حول آراء أبو بكر بن عربي ونقده للفلسفة اليونانية، مع تحقيق العواصم من القواصم ، وبعدها عينت رئيسا لقسم الفلسفة ثم كلفت سنة 1982 بإنشاء معهد لكلية الشريعة الإسلامية وقد تعرضت من وراء ذلك إلى صعوبات كبيرة، و بعد هذه المهمة كلفت بالتحضير لبرنامج جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، وقد كان اليساريون ضد هذا المشروع الذي كانوا يعدونه بأنه قنبلة موقوتة ستنفجر في أي وقت ولكن لولا الرئيس السابق الشاذلي بن جديد ما كان لهذا المشروع أن يتم ويخرج إلى النور .
 س) وكيف تم بالمجيء بالشيخ محمد الغزالي إلى جامعة الأمير عبد القادر؟
 ج) حيث كان ملتقى الفكر الإسلامي بسيدي فرج الذي حضره المرحوم الغزالي جاءته برقية من ابنه من القاهرة تحذره من العودة إلى مصر لأن الرئيس السادات سوف يلقي عليك القبض ويلقي بك في السجن، وبعدما علم بالخبر الشيخ عبد الرحمان شيبان الذي كان وزيرا للشؤون الدينية نقل ذلك للرئيس الشاذلي بن جديد الذي بادر بان رحب بالشيخ الغزالي قائلا له إنك في بلادك ولك كل الحرية في أن تدعو للإسلام و تنفع الناس بعلمك، ولما تقرر فتح جامعة الأمير عبد القادر سنة 1984، ذهبت في وفد لقطر حتى تأذن جامعة قطر للشيخ الغزالي الذي كانت له معها التزامات بالبقاء في الجزائر فكان له ذلك وعين رئيسا للمجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر، وتم تعييني في نفس السنة كذلك مديرا للجامعة، وقد كان حفل افتتاح الجامعة يوما مشهودا، حينها حضرته السلطات الرسمية العليا في الدولة و سفراء الدول بالجزائر.
س) كيف كان رد فعل الذي كانوا ضد مشروع جامع الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية؟
 ج) كما قلت لك المعارضون لهذا المشروع قالوا انه قنبلة موقوتة ولكن من جانبنا حاولنا أن نجعل من الجامعة صرحا علميا بدليل أننا اقترحنا إقامة معهد لعلوم الفلك حتى نتفادى المشاكل التي كانت تثار حول قضية تحديد وقت شهر رمضان ومشاهدة الهلال و لكن بما أنه كانت مجموعة ضد هذا المشروع من أصله تعطلت الأمور و دفع ببعض الطلبة لإثارة القلاقل والدعوة للإضراب عن الدراسة حتى يتم تنحيتي من على رأس الجامعة لأنني كنت أشكل في نظرهم خطرا بكوني حاولت أن أجعل من جامعة الأمير عبد القادر ليس جامعة للعلوم الشرعية فقط وإنما جامعة للعلوم الحديثة أيضا وهذا الذي كان يقلقهم لأنهم كانوا ينتظرون أن تكون الجامعة مجرد زاوية لا تهتم بالعلوم الحديثة، وبعد مرور خمس سنوات على إدارتي للجامعة أي في سنة 1989 سلمت مقاليد الأمور للدكتور محمد عروة الذي تم اقتراحه على أن يحل محلي ولكن للأسف لم يمهل القدر الدكتور عروة الوقت الكافي و توفي بعهدها مكروبا، و نفس الشيء وقع للشيخ محمد الغزالي حيث ضاق ذرعا بسلوكيات الجماعات الإسلامية من سلفية إلى جماعة حماس إلى جماعة جاب الله، ولما وصلته رسالة من ابنته تقترح له فيها العودة إلى مصر بعدما توفيت زوجته وبقي وحيدا دون معيل، اقتنع بالعودة إلى بلاده مصر وأمام ذلك اغتنم الفرصة المغرضون ليطلقوا إشاعة مفادها أن الشيخ الغزالي غادر الجزائر بسبب خلافه مع رئيس الجامعة عمار طالبي ولكن وحتى لا نعطي أي فرصة لهؤلاء تنقلنا للقاهرة حتى نقنع الشيخ الغزالي بالعودة إلى الجزائر ولكن الظاهر أن ابنته أقنعته بالبقاء في مصر وهكذا تمت الأمور.
س) وبعد خروجك من جامعة الأمير عبد القادر، إلى أين واصلت مشوارك الأكاديمي؟
 ج) في سنة 1990 اتصلت بجامعة قطر للتدريس فتنقلت هناك وبعدما تقدمت بمحاضرة بقطر وقد كانت تعليقا على محاضرة تقدم بها وزير الأوقاف المصري الحالي الدكتور حمدي زقزوق، عرض علي مدير جامعة قطر التدريس بالجامعة وبعد مشاورات قمت بها عند عودتي للجزائر تلقيت الموافقة من مديرية الموظفين بوزارة التعليم العالي، كما أشعرت وزارة الخارجية بذلك سفيرنا بقطر السيد محمد خمار، وهكذا مكثت بقطر إلى غاية سنة 1999 وبعد مجيء السيد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة عدت إلى الجزائر وواصلت التدريس بجامعة بوزريعة إلى أن أحلت إلى التقاعد، ولكن وبما أن الجامعة في حاجة إلى أساتذة عقدت تعاقدا للتدريس بجامعة بوزريعة كما ألقي إلى جانب ذلك محاضرات بجامع الخروبة وغيرها و أشرف على رسالات التخرج للطلبة.
          هذه باختصار أهم المحطات التي مررت بها في حقل التدريس، أما من الناحية العلمية فعندي عدة مؤلفات، فإلى جانب آراء الخوارج الكلامية و آراء ابن عربي في نقد الفلسفة اليونانية… هناك كتاب في أربعة أجزاء حول آثار عبد الحميد ابن باديس الذي ألفته قبل حصولي على رسالة الماجستير حول الخوارج، و بعد ذلك وأثناء إقامتي بقطر ألفت كتابا بعنوان مدخل إلى عالم الفلسفة و تحقيق أرجوزة ابن سينا في الطب وقبل ذلك وبالتعاون مع الدكتور سعيد شيبان حققنا معا الكليات في الطب لابن رشد وحققت كذلك كتاب أعز ما يطلب لابن تومرت مؤسس دولة الموحدين، و رسالة إلى الفرنسيين للأمير عبد القادر التي بعث بها إلى الآسيوية بباريس بناء على طلبها بعد اختياره كواحد من أبرز العلماء وقد درجوا اسمه ضمن سلك العظماء، وقد نظم هذه الرسالة ببروسة بتركيا حين إقامته بها وقد فرغ من تأليفها سنة 1855 وقد سمى الرسالة الأمير ذكرى العاقل وتنبيه الغافل ، أما تسميتها برالة إلى الفرنسيين فهي من وضع رونيه خوان الذي ترجمها سنة 1977 بعدما نقلها إلى اللسان الفرنسي قبله قنصل فرنسا بدمشق سنة 1858، هذا وهناك كتاب في حجم صغير حول مصطلحات الفلاسفة والمتكلمين ، كما حققت الجواهر الحسان في تفسير القرآن للعلامة الشيخ عبد الرحمان الثعالبي ونحن الآن بصدد تحقيق جزء مستقل له خاص ب مفردات القرآن في شكل معجم، هذا وقد طلبت مني منظمة اليونسكو بحثا حول الفارابي المربي، والبحث الذي أنجزته ترجم لعدة لغات في إطار مشروع حول كبار المربين في العالم.
س) نعود إلى كتابك حول الخوارج لنيل رسالة الماجستير، ما هو سر اهتمامك المبكر بهذه الطائفة؟
 ج) كما تعلم الخوارج كانوا من دعاة الديموقراطية بمصطلح هذا اليوم، تمردوا على سلطة علي كرم الله وجهه، وعلى معاوية و لم يرضهم أي شيئ، واستعملوا العنف في نشر أفكارهم وعقيدتهم، هذا وقد كان اهتمامي بهم بحكم تواجد الفرقة الإباضية عندنا بالجزائر والتي تنفي أي علاقة لها بالخوارج لأنهم فرقة مسالمة عكس الخوارج، وبالمناسبة عثرت على مخطوط مهم حققته لأبي عمار عبد الكافي الورقلاني بعنوان الموجز في علم الكلام وهو خلاصة عن الإباضية في علم الكلام.
س) ما هو سر اهتمامك بالمخطوطات إلى هذه الدرجة؟
 ج) هذه القضية ابتليت بها حينما كنت أدرس بالقاهرة، حيث كلفني الدكتور أحمد فؤاد الأهواني رحمه الله في السنة الأخيرة من دراستي من تحقيق مخطوط حول علم الحساب، ومن ثم تعلقت بالمخطوطات وأستطيع اليوم القول أنني كسبت خبرة مهمة في تحقيق النصوص وأصبح لدي حسٌّ خاص بذلك، وقد تلقيت دعوة من منظمة الأسيسكو ( المنظمة العربية للثقافة و العلوم) في لقاء يجمع مجموعة من الخبراء و المختصين في البحث في شؤون التراث والذي سيكون موعده يوم الثالث من شهر نوفمبر القادم بعمان.
 س) بحكم اكتسابك لخبرة طويلة في التعامل مع المخطوطات وتحقيقها، كيف تقييم مستوى هذا الأداء في الجزائر ؟
 ج) لم يقع لحد الآن اشتغال كبير بالمخطوطات، ولازالت مخطوطات تراثنا الجزائري بعيدة عن التحقيق العلمي والعناية والحفاظ عليها من التلف والضياع بتصويرها ونسخها وطبعها في أقراص مضغوطة وتخزينها في أجهزة الكمبيوتر، وإن كانت هناك مجهودات تبذل من قبل طلبة الجامعة، ولكن لم ترتق بعد إلى المستوى المطلوب وهذا راجع لنقص في التكوين وفي التدريب التقني العلمي الذي يتطلب عناية كذلك من السلطات حتى تشجع الطلبة والباحثين ليلتفتوا إلى هذا اللون من المعرفة، والتحقيق هو فن يجعل من المحقق بعدما تتوفر لديه العديد من النسخ في أن يستفرغ كل جهده على أن يتوصل إلى النص الأقرب إلى النص الأصلي المنسوب للمؤلف .
س) تعاملتَ الدكتور طالبي مع شخصيات مهمة في العالم العربي و الإسلامي و هما الشيخ محمد الغزالي لطيلة خمس سنوات بجامعة الأمير عبد القادر ومع الشيخ يوسف القرضاوي حينما كنت بجامعة قطر بين سنتي 1989 و1999 ، ما هي الشهادة التي يمكن أن تقدمها حول هاتين الشخصيتين؟

 ج) تعرفت على الشيخ الغزالي رحمه الله حينما كنت طالبا بالقاهرة سنة 1958 وقد كان آنذاك إماما بإحدى المساجد وهو بحق رجل رقيق القلب تذرف عيونه بالدمع بسهولة ويسر وما في قلبه هو على لسانه و صاحب نكتة وحسن المعشر ولغته متينة و سهلة ولا يميل إلى التفريعات الفقهية بل ينفر منها وهو رجل داعية وليس رجل بحث وتنظير كما أنه كان رجلا قرآنيا يتلو القرآن ويختمه، وقد كان رجلا مهووسا بقضايا المسلمين ويكره الاستبداد والعنف والتزمت في الدين ولا يلقي بالا للمظاهر الشكلية للتدين وهو يطلق على ذلك بالتدين البليد، و لذلك ألف كتابه حينما كان بقسنطينة بعنوان السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث وقد كتبه وهو في حالة سخط على هذه الأشكال ممن تنتسب إلى التدين البليد، هذا و قد تناقشت وتحاورت معه في مواضيع كثيرة وكنا نتزاور كثيرا حينما كنا بجامعة قسنطينة.
 س) ما دمت و أن قلت أن الشيخ الغزالي كان صاحب نكتة، ماذا يمكن أن تروي لنا في هذا الباب؟
 ج) و الله ماذا بوسعي أن أقول، هناك نكتٌ خاصة جدا و لكن لا باس بهذه، حيث كما تعلم سبق للشيخ الغزالي و أن درّس بجامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية طيلة ثماني سنوات، و لما جاء دورُ الإشراف على الطالبات قام مشايخ السعودية بمعارضة ذلك و قالوا كيف يختلي رجل بالبنات و بالتالي لا بد من حضور محرم مع البنات أو أن يصطحب الأستاذ زوجته معه، و في هذه المعمعة تدخل الشيخ الغزالي و قال: يا جماعة لقد اهتديت إلى حلٍّ يرضيكم جميعا و هو أن تُـخْـصُوا الأستاذ و بهذا يحل المشكل نهائيا.
 س) و ماذا عن الشيخ يوسف القرضاوي، و ما هي المفارقات التي يمكن أن تسجلها فيما بينه و بين الشيخ الغزالي ؟
 ج) الشيخ يوسف القرضاوي كذلك تعرفت عليه حينما كنت طالبا بالقاهرة وأذهب للصلاة بالمسجد الذي كان به إماما بالزمالك، حينما انتقلت للتدريس بجامعة قطر كان قد غادر الجامعة بعدما كان عميدا لها وانقطع عن التدريس ليشتغل بمركز السيرة والسنة، و قد كنا نلتقي من حين لآخر و قد عرف بكثرة ترحاله و سفره، و قبل هذا كنا نجتمع به في ملتقيات الفكر الإسلامي التي كانت تعقد بالجزائر، أما الفرق الذي بين الشيخ القرضاوي والشيخ الغزالي فهي أن هذا الأخير هو رجل داعية أما الأول فهو صاحب بحث وفقه و قد اشتهر بأبحاثه في فقه المال وله كتاب شهير في فقه الزكاة الذي ترجم إلى عدة لغات منها الفارسية و التركية، كما أنه كذلك صاحب دعوة له درس الجمعة بجامع قطر و حصة تلفزيونية بقناة الجزيرة بعنوان الشريعة و الحياة كما أنه رجل متفتح و مطلع على أحوال المسلمين في العالم وعلى القضايا المعاصرة، فهو ليس كالفقهاء المنغلقين الجالسين بين أربعة جدران، وهو بحق من أحسن الفقهاء في عصرنا باجتهاداته وتفتحه وتفهمه لأوضاع الناس  ولذلك يعترف له الشيخ الغزالي نفسه بأنه فقيه.
 س) مادمت تعترف للشيخ يوسف القرضاوي بكل هذه الخصال التي ذكرتها و يقدمه الشيخ الغزالي على نفسه بأنه فقيه، ما هو تعليقك كمثقف و أكاديمي مشتغل بالفلسفة والفكر على ما تفوه به الشاعر أدونيس حينما زار مؤخرا الجزائر وقال عن الشيخ القرضاوي بأنه فقيه صغير وينتقص بوقاحة من قيمة القرضاوي؟
 ج) أولا، لا صلة لأدونيس بالفقه، فهو لم يدرسه و ليست له القدرة على فهمه، و عليه لا يعتد بكلامه لأنه غير مبني على موضوعية ولا لأي سند علمي، كيف يقول إن المرأة ليس لها كيان مستقل؟ هل غاب عن باله أن شريعة الإسلام قد جعلت المرأة شريكا للرجل، ففي الحديث النساء شقائق الرجال و سميت سورة قرآنية كاملة باسم السيدة مريم عليها السلام، و نحن هنا نسأل أدونيس إذا حذفت الشيخ القرضاوي الذي هو رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين من القائمة، فمن هو الفقيه الكبير؟ و بالتالي لا يسعنا إلا أن نقول إن أدونيس بكلامه هذا يضرب في الحديد البارد، وهو قول شاعر والشعراء كما تعلم يتبعهم الغاوون، و بعيدا عن ذلك كله جاءنا أدونيس بأفكار قديمة أكل عليها الدهر وشرب ويتكلم بلسان غيره في شؤون الحداثة وما بعد الحداثة، و حينما يتحدث عن الممانعة والمقاومة، ماذا قدم هو للمقاومة وقد انقطعت صلته بهموم الأمة وفضّل العيش في أفخم الفنادق في بيروت وباريس ويشترط أن يستقبل كوزير إذا دعي لإلقاء محاضرة مثل ما حدث عندنا لمّا حل ضيفا على المكتبة الوطنية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أننا أصبنا بصنفين من المقلدين، مقلدٍ لما كان عليه قدماؤنا، ومقلدٍ لما جاءت به الحضارة الغربية، وكلاهما لا يصلح لبناء مستقبل الأمة.

س) من ضمن التوصيات التي خرج بها ملتقى مالك بن نبي الذي نظمه المجلس الإسلامي الأعلى، هو تأسيس جمعية باسم مالك بن نبي تكون أنت رئيسا عليها، أين هذه الجمعية التي لا نجد لها ذكرا، هل صحيح أنك تعرضت لمشاكل مع ورثة مالك بن نبي؟

ج) مالك بن نبي ليس تابعا للأسرة وليس لنا أي مشاكل مع ورثته، لقد أسسنا الجمعية وفق ما ينص عليه قانون الجمعيات في الجزائر وأودعنا الملف كاملا بوزارة الداخلية و لكن ورغم مرور ثلاث سنوات أو أكثر على ذلك لم نتلقّ أي رد من وزارة الداخلية التي لم تسلمنا وصل الإيداع حتى نبقى معلقين، ولست أدري لماذا هذا الصمت الطويل من قبل وزارة الداخلية، وما هذه إلا جمعية ثقافية لشخصية جزائرية قدمت خدمات كثيرة لهذا الوطن وأنْصفها حتى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة نفسه، زيادة على أنها شخصية فكرية معتبرة ومشهورة في العالم العربي والإسلامي بل وفي المحافل العلمية عبر العالم كله.
س) وهل راسلتم وزارة الداخلية حول هذا الموضوع؟

 ج) حاولنا الاتصال عدة مرات بالمسئولين بوزارة الداخلية و لكن لم يقابلنا أحد.

س) في المدة الأخيرة وقع نقاش قانوني حول إلغاء عقوبة حكم الإعدام واستبدالها بعقوبة السجن، وهناك من تحجّج بأن الروح الذي وهبها الله لا يتصرف فيها إلا صاحبها وبأن هناك العديد من الأحكام القضائية وقعت فيها أخطاء حكمت بموجبها على أشخاص بالإعدام وبعد تنفيذ الحكم بمدة تبث براءتها، بصفتك أحد رجالات جمعية العلماء المسلمين ما هو تعليقك على ذلك؟

ج) كثير ممن خاضوا في هذه المسألة ليس لهم من الإطلاع الكافي في هذا اللون من التشريع الخاص بالقصاص لمن قتل نفسا، وربما ما دفعهم إلى ذلك هو الشفقة والرأفة بالإنسان ولكن لا بد من التأكيد على أن هناك شيئا اسمه العدل وأمر آخر اسمه الرحمة، فمن حق أولياء القتيل أن يطالبوا بالقصاص إذا رفضوا العفو والدية وهذا حق أعطاه الله لأولياء القتيل ولم يلزمهم به وقد جاء في قوله تعالى في سورة البقرة يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر و العبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة، فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم، ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون إذن نحن هنا مخيرين بين الرحمة وبين العدل و لولي الأمر أن يقدر المصلحة إذا عاد المجرم إلى القتل مرة أخرى في أن يوقع عليه القصاص خوفا على أرواح الناس من سفك الدماء وقد أعطى الله لأهل القتيل سلطة للاقتصاص من الظالم، قال الله تعالى ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا، فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا
            نعم جعل النصرة إلى جانب المظلوم بوقوف الحاكم إلى جانبه، أما قتل الغيلة فلا يجوز فيها العفو، وإذا كان ووقع القتل فما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا وفي ذلك قال الله تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله… وبالمقابل أجاز الإسلام قتال البغاة والمتمردين على السلطة و قطاع الطرق، قال تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون. إذن ما يطالب به اليوم بعض الحقوقيين من إلغاءٍ لحكم الإعدام هو موجود في إقامة الصلح بين أهل المجني عليه والجاني كما نص عليه القرآن، أما عن الخطإ في تنفيذ الأحكام فهو أمر آخر و نحن هنا نناقش حكم الإعدام من حيث المبدإ، أما عن الإعدام لدواع سياسية أو فكرية أو أيديولوجية فإننا نرفضه قطعا ولا نقبله .
 س) السؤال ما قبل الأخير الذي نتوجه به للدكتور طالبي هو حول الأزمة المالية التي ابتلي بها العالم و بالخصوص الدول الليبيرالية، فهل يمكن القول بعدما انهار النظام الاشتراكي والزلزال الذي ضرب النظام الرأسمالي، فهل الحل يكمن بالعودة إلى النظام المصرفي الإسلامي ؟
 ج) في الواقع الأزمة المالية التي يمر بها العالم اليوم، سبق وأن أشار إليها القرآن في قوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما، فنحن والآخرون أعطينا الأموال للسفهاء، ولمدراء البنوك وأرباب الشركات الذين تصرفوا في هذه الأموال بتصرفات خاطئة، والسفيه عند الفقهاء هو الذي لا يحسن التصرف في أمواله وفي شؤونه، وبالتالي من حقنا أن نعرف أين تودع أموالنا وكيف تصرف وفيما تصرف، والخراب الذي لحق بالعالم أو سيلحق بالعالم هو بسبب الربا، فالله تعالى قال: يمحق الله الربا ويربي الصدقات، فالاستدانة والقروض من أجل الاستهلاك وبلوغ الكماليات أدت إلى كل هذا التخبط الذي نعيشه اليوم، وما لم نهتد بشريعة الله فإننا هالكون لا محالة.
 س) احتفلت السبت الماضي المكتبة الوطنية بذكرى الشيخ أحمد توفيق المدني، ماذا يمكن أن تقول عن هذه الشخصية ؟
 ج) لقد تعرفتُ على أحمد توفيق المدني عن قرب وكنت ألتقي به عدة مرات إلى أن لقي ربه، وهو من الشخصيات البارزة التي تنتمي لجمعية العلماء المسلمين، وقد كان أمينا عاما لها، وبعدها تولى حقيبة وزارة الأوقاف في الحكومة المؤقتة، ويجدر القول إن أحمد توفيق المدني لقي التهميش لكثرة خصومه، فمثلا كان كثيرا ما ينسب في كتاباته أمور غيره لنفسه، وقد وقع في أخطاء كثيرة عند كتابته لتاريخ الجزائر، وأكثر منْ كان حادا في نقده هو محمد الطاهر فضلاء في كتابه لتحوير والتزوير اتهم فيه المدني بتحوير الحقائق و تزويرها، وبهذه المناسبة لا يسعني إلا الترحم على الشيخ توفيق المدني الذي كان شخصية تستحق كل التقدير والاحترام . 

         ـ لقاء أجراه الأستاذ عدّة فلاّحي  في جريدة :  صوت الأحرار                             
ليوم الإثنين 27 أكتوبر 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...